هل كانت ثورة 25 يناير مؤامرة؟
وهل كانت ثورة 30 يونيو خديعة؟
وهل هناك ثورة أخرى تستحقها مصر؟
الأسئلة فى الشارع كثيرة ومتناطحة، والإجابات «افتكاسية» تخضع للمزاج والعشوائية ونظرية «طقت فى دماغى».
وحتى لا أقع فى هلاوس التلفيق، وتفسير اللحظة حسب اتجاه الريح، أدعوكم لقراءة هذا المقال الذى نشرته عام 2009 أى قبل الثورة بفترة كافية، وبعد القراءة تعالوا نسأل أنفسنا:
هل تغير الكثير؟
هل فيما حدث مفاجآت ومؤامرات؟
أم أنها مقدمات ونتائج لتوازنات قوى تتصارع على الساحة؟
فلنقرأ، ثم نتأمل.
يحكم جمال مبارك أو لا يحكم؟.. ذلك ليس السؤال، لأننا نختار بين المر والأمر منه.
هل سألنا أنفسنا عن البديل؟
هل استقرت مصر على سمات حاكمها المنشود والمفترض والمثال؟
قال أحدنا محمد البرادعى، وتحمس آخر لطارق البشرى، وذهب ثالث إلى الخارج مرشحا أمريكيين من أصل مصرى مثل أحمد زويل وسعد الدين إبراهيم، وردد رابع أسماء كانت يوما أو لا تزال جزءا من النظام القائم مثل عمرو موسى وعمر سليمان، بل وأحمد جويلى وأحمد رشدى وآخرين، وتداولت بورصة الترشيحات الرسمية أسماء توجع القلب من أيمن نور إلى رفعت العجرودى، مرورا بنعمان جمعة والأقصرى وآخرين، كما تداولت بورصة الشارع أسماء من المعارضة والمستقلين تراوحت بين اليمين عصام العريان واليسار الذى قدم ترشيحات متفاوتة فى العمر والاتجاه والخبرة من خالد محيى الدين ورفعت السعيد إلى كمال أبوعيطة الذى رشحه مؤخرا خبير الإسكان الدكتور ممدوح حمزة فى ندوة بنقابة الصحفيين عقب ثورة الضرائب العقارية التى قادها أبوعيطة بخبرته التحريضية وقبوله الجماهيرى.
عندما نطالع كل هذه الأسماء قد نكتشف أن ترشيحها يبدو أقرب للنكاية فى النظام، والرغبة فى استبدال الوجوه المزمنة التى صارت أيقونات للفساد بأى وجوه أخرى حتى لو جاءت الترشيحات بحاكم لمصر من نوع أبوعزة صعلوك سعد الله ونوس فى مسرحية «الملك هو الملك».
يبدو أن مصر دخلت منطقة رد الفعل على عقود الفساد الطويلة، وباتت الرغبة فى الإطاحة بالنظام أكبر من التفكير فى مستقبل ما بعد النظام، ولهذا ينبغى أن نفكر فى مصر ما بعد مبارك بعيدا عن قدرية ملف التوريث ورد الفعل المضاد له.
جمال مبارك بحكم تكوينه وتربيته العائلية والسياسية غير مؤهل لرئاسة حى مصر الجديدة حتى نفكر فى قدرته على حكم مصر، لكن المصيبة أن الرئيس المرشح لوراثة رئاسة «مصر الجديدة» أصبح من وجهة نظر بعض السذج محل نقاش «ينفع أم لا؟» لنفس الأسباب التى يجب استبعاده نهائيا من أجلها، وهى الشكوك التى تحيط بتصوراته عن الحكم وطريقة إدارته التى ارتبطت خلال السنوات الماضية بجرعة هائلة من أحاديث الفساد واستغلال النفوذ وتعامل الجميع معه باعتباره «نجل الرئيس» وبصرف النظر عن مدى صحة هذه الوقائع ومدى حجم الشائعات فيها فإن مستقبل مصر يجب ألا يتوقف على نظرية «ابن صاحب المحل أولى بإدارته» ويجب أيضا ألا نرتاح للبدائل المطروحة، لأنها بدائل مفزعة تفتقد النمو الطبيعى فى الشارع السياسى مثل البرادعى «موظف دولى بعيد عن الحالة المصرية» أو تفتقد خبرة إدارة الدولة «كل مرشحى المنتديات والمعارضة الكرتونية» وبعضها يفتقد المصداقية ومعايير الأخلاق القويمة، مثل أيمن نور الذى حاز أعلى نسبة تصويت بعد الرئيس مبارك فى انتخابات 2005، أو تفتقد التجانس الديمقراطى مع القوى والتيارات السياسية وأجهزة وقطاعات الدولة «الإخوان نموذجا».
لهذه الأسباب بات البعض ومن بينهم أسماء فى النخبة السياسية والثقافية يقولون «ولم لا يأتى جمال مبارك؟.. إنه أحسن من غيره»، ويشتط البعض فيقول إنه شبع ثراء وغنى ولن يسرق الكثير بعد الرئاسة كما قد يفعل فاسد جائع يجد السلطة بين يديه، ويزعم آخرون أن جمال قد يحقق لمصر نوعا من الانتقال الهادئ للسلطة ويعفيها من مهاترات سياسية وقانونية ومصائر مبهمة، ويلمح هؤلاء الآخرون محذرين من وقوع السلطة فى يد الإخوان ويتحدثون فى ترهيب مقصود عن قصص المشانق التى ستعلق فى الشوارع للمعارضين، وعن العودة مئات السنين إلى الوراء، كما يحذرون من اليسار مستندين إلى فشل نموذجه الأكبر فى موسكو وإلى ضعف التكوينات الحزبية لليسار المحلى وعدم قدرتها على حشد الجماهير برغم مرور ما يقرب القرن على بداية التجربة أو نصف القرن تقريبا على مشروعية الأداء الحزبى والسياسى.
فى ظل هذه الخلطة الكلامية يسعى بعض المتحذلقين لما يعتبرونه «حلولا وسطية» فيرشحون اللواء عمر سليمان إما كجنرال قادر على إدارة البلاد بما عرف عنه من حزم وجدية، وإما كرئيس انتقالى على طريقة «النقلة الانتظارية» فى الشطرنج، فإما تعلو أسهم تنصيب جمال مبارك فتؤول إليه السلطة وفق أداء الديمقراطية الشكلية، وإما ينضج الظرف الموضوعى وتخرج السلطة من بيت مبارك إلى البيت المصرى عموما لينتهى ملف التوريث بكل ما أثاره من لغط أضر بمصر وتطورها السياسى كثيرا.
ولكن إذا تحقق كل ذلك، وانتهى ملف التوريث، فكيف ستخرج السلطة من قبضة الحزب الوطنى؟، وكيف يمكن أن نتصور نظاما سياسيا بعيدا عن عصبة رجال الأعمال وجماعات الضغط المالى والإدارى والبيروقراطى والأمنى؟
كيف يمكن لمصر أن تفرز قادة جددا للمستقبل بعيدا عن الاعتبارات التى كرسها واقع «السلطة بالقوة» أو «قوة السلطة»، وليس هرولة أعضاء «حزب مصر» إلى عضوية «الحزب الوطنى» بمثال بعيد يؤكد لنا أن المشتاقين من تجار العمل السياسى يولون وجوههم شطر السلطة ويتحركون وفق نظرية «عباد الشمس» وليس وفق برامج سياسية أو أفكار أيديولوجية، أو حتى وفق المفهوم الواسع للمصلحة العامة؟
هل يعنى ذلك أن السلطة القائمة هى قدر مصر حتى تظهر سلطة «من الداخل أو الخارج» قادرة على زحزحتها أو الإطاحة بها؟
السؤال صعب ومحزن، لأنه يفترض أن القلاقل هى وريثة الاستقرار، وأن سلطة الحزب الوطنى ومن يختاره هى صمام الأمان الذى يحمى البلاد من مخاطر كثيرة، وهذا أحد الأوهام الخطيرة التى يغذيها إعلام حكومى يتمرغ فى بلاط السلطان ويسعى لحماية مصالح الأوليجارشيا الحاكمة التى تدرك أن مصيرها يرتبط بنظام متواطئ فى ظل صفقة متبادلة تتيح توظيف «التشريعى» و«التنفيذى» فى خدمة «مافيا مكتملة» تذكرنا بالنقلة التى نجح فيها دون كورليونى الصغير فى نقل نشاط عصابته من الظلام ومخالفة القانون إلى المشروعية القانونية وتحت حماية القانون، فدخل الكونجرس ومارس أنشطته فى خدمة العلم الأمريكى لدرجة أن الولايات المتحدة نفسها تماهت معه وتقمصته وصارت تقدم للعالم كله «عرضا لا يمكن رفضه» لأنها تقدمه وفوهة المسدس مصوبة إلى رأس الطرف الآخر، وهذا يعنى أن أمريكا بجلالة قدرها تأثرت وتغيرت بأسلوب دون كورليونى بدلا من أن تؤثر فيه وتغيره، وهكذا تبدو لنا مصر فى موقف اختيار عبثى حيث يرسل لها النظام الحاكم بـ«عرض لا يمكن رفضه»..!
ومع ذلك ينبغى أن ننتهى سريعا من مرحلة توصيف الأزمة، وينبغى أن نتحرر من المشهد المأساوى الذى تبدو فيه مصر مقيدة اليدين والإرادة، محنية الرأس تحت فوهة مسدس الحزب الحاكم، وليس أمامها سوى بدائل فردية لأسماء ناصعة نروجها باعتبارها نموذجا للمنقذ الفرد الذى سيأتى على حصانه الأبيض ليحرر الأسيرة من الخاطف.
لا بد من تفكير جمعى، وتحرك جبهوى واجتهادات فى توحيد الصفوف أكثر من حسابات الأيديولوجيا وخنادق التوجهات السياسية الضيقة، فالوطن الآن أهم من السياسة وأهم من الأفراد، والبديل الأكثر أمانا هو الشارع إذا تحرك، وبدلا من أن تستخدمه أمريكا والغرب عن طريق الريموت كونترول كما يحدث فى إيران ومن قبلها فى أوكرانيا وجورجيا ومناطق كثيرة من العالم، لابد من أن نتوجه للشارع، ونذوب فيه ونتحرك معه فى اتجاه المستقبل الذى نريده وليس المستقبل الذى يريدون إملاءه علينا، وحينذاك لن يجدى دون كورليونى مسدسه، وسوف يكون من السهل إخضاعه لعرض الشارع الذى لن يمكن للمافياوى الصغير أن يرفضه.
هذا ما كان.
فحدثونى عما يجب أن يكون لأعرف من أنتم.
إضاءة:
«الحياة ليست خيرة أو شريرة، إنها بساط يتسع للخير والشر معا، وفى النهاية حياتك من صنع أفكارك»
«الإمبراطور الفيلسوف ماركوس أوريليوس».
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
والله أتحداك
شارع مين يا ابو شارع