يروى ابن بطوطة كل يوم حكايات من كتابه، تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار، وهو الكتاب الذى يعتبر من أشهر كتب الرحلات على الإطلاق، ألفه الرحالة الشهير ابن بطوطة بعد 27 سنة من الترحال فى رحلة بدأها عام 527 هجرية قادما من مدينة فاس المغربية، حكى فى كتابه عن نوادر البلاد وحكاياتها وأهلها ووصف مدنها وأبوابها وأسوارها.
"اليوم السابع"، يقدم لقرائه، حلقات يومية عن رحلات ابن بطوطة، بعد إعادة تحريرها بلغة مبسطة تناسب القارئ العصرى، وتنقل إليه سحر المدن ورائحة تاريخها قبل أن ترسم الحدود وتبنى الدول ويتعقد العالم.
ابن بطوطة يصف الإسكندرية
وصلت مع جماعة ممن قرروا أن يرافقونى فى رحلاتى فى أول جمادى الأول عام 527 هجريا إلى مدينة الإسكندرية، قادمًا من طرابلس (ليبيا حاليا)، والإسكندرية هى الثغر المحروس والقطر المأنوس، العجيبة الشأن الأصيلة البنيان بها ما شئت من تحسين وتحصين، ومآثر دنيا ودين، وجمعت بين الضخامة والإحكام مبانيها، وهى الزاهية بجمالها والجامعة لكل المحاسن لتوسطها بين المشرق والمغرب.
أبواب الإسكندرية قديمًا
ولمدينة الإسكندرية أربعة أبواب، باب السدرة وإليه يشرع طريق المغرب، وباب رشيد وباب البحر، والباب الأخضر، ولا يفتح إلا يوم الجمعة، فيخرج الناس منه إلى زيارة القبور، ولها المرسى العظيم الشأن، ولم أر فى مراسى الدنيا كلها مثله إلا مرسى ببلاد الهند، ومرسى الكفار ببلاد الأتراك، ومرسى الزيتون ببلاد الصين.
منارة الإسكندرية
ذهبت إلى المنار، فرأيت أحد جوانبه متهدمًا، وهو بناء مربع واقف فى الهواء، وبابه مرتفع عن الأرض وأمام بابه وضعت ألواح خشب يعبر عليها الداخلون إلى بابه، كالجسر، فإذا أزيلت لا يمكن دخوله.
وداخل الباب موضع لجلوس حارس المنار، وداخل المنار بيوت كثيرة، وعرض الممر بداخله تسعة أشبار وعرض الحائط عشرة أشبار، وعرض المنار من كل جهة كم جهاته الأربع مائة وأربعون شبرًا وهو على تل مرتفع.
بينه وبين المدينة مسافة فرسخ واحد فى بر يحيط به البحر من ثلاث جهات إلى أن يتصل البحر بسور البلد، وفى هذا البر المتصل بالمنار، مقبرة الإسكندرية.
عدت إلى المنار عند عودتى من بلاد المغرب عام 750 هجريا، فكان المنار قد خرب ولا يمكن دخوله ولا الصعود إلى بابه، وكان الملك الناصر رحمه الله قد شرع فى بناء منار مثله، فمات قبل أن يستكمل بناؤه.
عمود السوارى
من غرائب المدينة، عمود الرخام الهائل الذى بخارجها، المسمى بعمود السوارى، وهو متوسط فى غابة نخل، وقد امتاز عن أشجارها سموًا وارتفاعًا، وهو قطعة واحدة محكمة النحت أقيم على قواعد حجارة مربعة أمثال الدكاكين الكبيرة ولا تعرف كيفية وضع الأحجار.
علماء الإسكندرية
منهم قاضيها عماد الدين الكندى، إمام من أئمة علم اللسان، وكان يضع عمامة لم أر فى مشارق الأرض ومغاربها عمامة فى حجمها وقد كان جالسا فى المحراب، فكانت عمامته تملأ المحراب، ومن علماء الإسكندرية أيضا فخر الدين بن الريغى وهو أيضا من قضاة الإسكندرية.
من نوادر ابن بطوطة عن الإسكندرية
ذكر أن القاضى فخر الدين الريغى، طلب العلم ورحل إلى بلاد الحجاز (السعودية حاليا)، فوصل إلى الإسكندرية بعدها، وهو فقير، فأحب أن يجلس على باب مدينة الإسكندرية حتى يسمع فألا حسنًا فقعد قريبا من بابها، إلى أن دخل جميع الناس، وجاء وقت غلق الباب ولم يبق هناك إلا هو فتضايق حارس الباب من إبطائه، وقال متهكما عليه وساخرا منه، أدخل يا قاضى فقال فخر، قاضى بإذن الله.
التحق فخر بمدارس الإسكندرية والتزم بالقراءة وسلك طريق العلم فاشتهر صيته بين المشايخ والطلاب، وعرفوا عنه الزهد والورع وسمع عنه ملك مصر، ثم توفى قاضى الإسكندرية آنذاك وهى مدينة تزدحم بكم كبير من المشايخ والعلماء والفقهاء، وكلهم متشوقون لولاية القضاة، وهو من بينهم لا يضع ذلك فى حسبانه.
فبعث له السلطان بتقلد القضاء فى الإسكندرية، وأرسل له خطابًا بذلك، وجلس بالفعل ونادى خادمه فى الناس من كانت له خصومة فليحضر للقاضى.
اجتمع بعدها الفقهاء على رأسهم رجل كانوا يظنون أن القضاء لا يتعداه، وناقشوا فكرة مراجعة السلطان فى تولى فخر منصب القاضى، ومخاطبته بأن الناس لا يرتضونه قاضيا عليهم، ثم جاء منجم شهير قال لهم لا تفعلوا ذلك فلقد رأيت طالعه وسيتولى عليكم 40 عاما، فتراجعوا عن مخاطبة السلطان، وكان لفخر ولاية من أربعين عام كما قال المنجم، عرف فيها بالعدل والنزاهة.
الحلقة الأولى من روايات ابن بطوطة "ووصف الإسكندرية".. كتب عن أبوابها ومنارتها.. وتعجب من عمود السوارى.. وجسد بروعة حكاية مُنَجم تنبأ بتولى "الريغى" قضاءها 40 عامًا
الأحد، 24 أغسطس 2014 02:12 م
ابن بطوطة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة