التطرف ليس له دين معين، وليس مقصوراً على عقيدة معينة، ولكنه يحمل أيديولوجية محددة وتوجهات معينة، سواء كانت تلك الأيدلوجيات دينية يجمع أفرادها عقيدة معينة كالأيدلوجيات اليهودية المتشدد أو المسيحية أو الإسلامية، فكلهم خرجوا من عباءة واحدة، وذوى أهداف واحدة، وعقائدهم باطلة ومغايرة تماماً لصحيح الأديان التى يدعون إليها، وقد تكون أيديولوجيات فكرية يربط بين أفرادها خيط فكرى معين أو ترابط عصبى أو قبلى مثل الميليشيات المسلحة فى ليبيا وفى سوريا وفى غيرها من أماكن الصراع والنزاع فى العالم.
وهذه الجماعات المتطرفة نشأت بطريقتين إما على عين الدولة وبرعايتها لتحقيق أهداف معينة، مثلما نشأت فى أمريكا العصابات المتطرفة التى يأتى على رأسها بن لادن والبغدادى وغيرهما، وإما بعيداً عن أعين الدولة ومعاداة لها مثل بقية التنظيمات الإرهابية على شاكلة أنصار بيت المقدس وبوكو حرام وأنصار الشريعة وغيرهم من الجماعات المتطرفة والمليشيات المسلحة التى تصبح بمرور الوقت دولة داخل الدولة.
والتاريخ ملىء بالعبر، والأحداث كلها تنبئ عن خطورة تكوين هذه الجماعات تحت أى توجه أو أيدلوجية، إذ أن معنى تكوين هذه الجماعات، تحويل الدولة إلى اللادولة، أو بمعنى آخر، غياب القانون وسيادة مبدأ قانون الأقوى، والذى يُعرف مشاعاً باسم الفوضى أو دولة الغاب.
ويقص لنا التاريخ عن أسوأ ما نتج عن هذه الجماعات من نتائج كارثية، قد تصل إلى الحرب ضد الدولة ذاتها بمنطق الإسلام والكفر، وهذا هو عين ما حدث فى لبنان، حيث سمحت الدولة بتكوين حزب الله على أمل معاداته وحربه ضد إسرائيل المحتلة، وحدث ذلك بالفعل وطرد حزب الله إسرائيل من لبنان، ولكن لم يتوقف هذا الحزب عن الدماء، فقد أصبح نهماً ومتعطشاً إلى إراقة الدماء، أى دماء حتى لو كانت الدماء الوطنية الحرام، فوجه سهام قتله وبطشه إلى الداخل اللبنانى فى حرب شرسة ضد السنة راح ضحيتها آلاف الأبرياء، ثم لم يتوقف الحزب عند هذا الحد، بل راح يُعمل سلاحه الآثم فى النزاع السورى، ليزيد من القتلى والجرحى باسم الدين أو باسم الأيدلوجية الشيعية.
ذاك هو ما فعله حزب الله، نشأ بادئاً بدعوى الجهاد ضد إسرائيل، ولما انتهى الجهاد ضد إسرائيل أصبح يجاهد ضد المسلمين، بل وضد أبناء وطنهم، ونفس الشىء نجده لدى جماعة بيت المقدس التى يدل اسمها على أنها نشأت لأجل الجهاد لنصرة القدس، ولكن الاسم شىء، والواقع شىء آخر، فبدلاً من أن توجه درعها وسيفها إلى إسرائيل لنصرة القدس كما تدّعى، وجهتهم إلى صدور المصريين الأبرياء الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى أى صراع، وتحولت تلك الميليشيات المسلحة بمرور الوقت إلى دولة داخل الدولة.. وذات الشىء تجده فى ليبيا، ميليشيات مسلحة تنازع الدولة سلطانها، لتتحول ليبيا إلى بحار من الدماء، ولتهدم قائمة الدولة وتدك بنيانها ويسود قانون "الحق للأقوى أو البقاء للأصلح".
إذن، التاريخ يشير بأصابع الاتهام إلى كافة هذه الجماعات المسلحة، فعنوانهم القتل ورائحتهم الدماء، وقلوبهم أشد قسوة من الحجارة، ويهددون وجود السلام والأمان لأبناء الجنس البشرى، بل يهددون وجود هذا الجنس بالأساس، فما هو الحل إذن.. هناك أربعة محاور رئيسية للحل، لابد من الأخذ بها متضامنة:
الأول: حلف الفضول، وأقصد به اجتماع كافة الدول فى العالم على محاربة الإرهاب ووضع اتفاقية تضمن ذلك، وتقسيم النفقات التى يتكلفها على جميع الدول، ليشارك الجميع فى صناعة عالم آمن خال من الإرهاب، وهذا الحلف يشبه حلف الفضول فى مكة تعاقد فيه الجميع على نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف.
الثانى: إلغاء سياسة الكيل بمكيالين وتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية حقيقةً، حتى لا يكون الظلم ذريعة لتكوين مثل هذه الجماعات، وبالتحديد إنهاء الاحتلال الإسرائيلى للمناطق العربية وحلول سلام عادل وشامل لينعم الجميع بالأمان.
الثالث: وجود دور رقابى لكل دولة على حدة للمراقبة الصارمة لمثل هذه الجماعات ومواجهتها فكرياً وقانونياً وعسكريا، وفقا لهذا الترتيب:
1- فكريا، بحل الجماعات الدينية لأن الإسلام دين الوحدة والاعتصام وليس دين التفرق والتشدد.
2- قانونيا، وذلك بسيادة دور الدولة على جميع الأفراد، وفى حالة حرب ضد الدولة فإنها تصبح الجهة الوحيدة المنوطة بالجهاد والكفاح ضد المحتل، وعلى من يرغب فى مساندتها الالتحاق بجيشها الوطنى، لتكون الدولة هى المسئولة عن تدريبه وتسليحه، ولتكون الدولة هى صانعة القرار وصاحبة الرأى، ولينتهى دور هؤلاء المتطوعين بانتهاء الحرب، ثم توجه لهم الدولة الشكر والثناء على تضحياتهم لأجل وطنهم، هنا، وهنا فقط، يصبح جهادهم مقبولا ومشروعاً، لأنهم داخل الجسد الوطنى، داخل الأم الأصلية، وليسوا خارجين عليها أو مكونين لهيئات مستقلة.
3- عسكريا وذلك بتوجيه ضربات قاسية للإرهاب فى معاقله، وهى الحرب التى تقودها الدولة المصرية ضد المتطرفين فى سيناء.
أما المحور الرابع، فهو وضع قانون دولى لمعاقبة الدولة التى تسلح أو تنفق على هذه الجماعات التى تشاكلها فى الأيدلوجية أو الفكر لأنها تُعد دولاً راعية للإرهاب، ومثالها الواضح دعم إيران لحزب الله أو دعم روسيا للصربيين، أو غير هذه الأشكال من الدعم فهنا فقط، وبهذه الشروط، الأمل فى صناعة عالم خالى من الفوضى ومن شريعة الغاب.
د. محمد ممدوح عبد المجيد يكتب: حتى لاتسود شريعة الغاب
الأربعاء، 20 أغسطس 2014 04:16 م
داعش
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة