سعيد حسين القاضى يكتب: قراءة منزوعة الدسم

السبت، 02 أغسطس 2014 06:06 م
سعيد حسين القاضى يكتب: قراءة منزوعة الدسم صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الجسد غذاؤه الطعام والشراب.. والروح غذاؤها العبادة..
أما العقل فغذاؤه القراءة والمعرفة.. والكتب هى الكنوز والأوعية التى حفظت لنا خلاصة التجارب الإنسانية وهى المعلبات التى تمتلئ بعصائر الأفكار التى توصل لها العلماء والمفكرون عبر القرون فى شتى أنواع المعرفة، ونحن نعلم أن أول ما نزل من القرآن الكريم "اقرأ".. فالقراءة أهم روافد المعرفة.

ونقطة الانطلاق للتقدم يجب أن تبدأ من بناء الإنسان منذ الصغر، والاهتمام بتنمية قدراته العقلية وحثه على الإبداع والخيال، وتشجيعه على الرؤية النقدية القادرة على وضع فواصل بين الخطأ والصواب، ولن يتم ذلك إلا إذا جعلنا القراءة الحرة وجبة يومية يشتهيها الإنسان منذ التحاقه بمراحل التعليم الأولى خاصة فى عصر صارت فيه شاشات التليفزيون والنت منافساً شرساً للكتاب فى ظل الارتفاع المطرد لأسعاره..

وحتى تكون وجبة القراءة كاملة الدسم تغذى العقل وتنمى المعرفة فلابد من الابتعاد عن تلك الطريقة المبتسرة التى ابتدعها أباطرة الدروس الخصوصية، حيث عوّدوا التلاميذ منذ الصغر على قراءة ملخصات موجزة مضغوطة دون أن يقرأ التلميذ كتاباً كاملاً أو يستوعب الفكرة الشاملة التى يتناولها الكتاب، وخطورة هذه الطريقة فى القراءة أن التلميذ ينشأ اتكالياً يعتمد دائماً على الغير، وسيتوقف النشاط العقلى للتلميذ، ويصبح مجرد متلقى يحفظ فقط ما يملى عليه دون تفكير، وستضمر لديه حاسة الإبداع والتخيل.. وستموت عنده المواهب وملكات النقد والاستدلال والاستنباط، وسيفقد القدرة على ابتكار حلول جديدة للمواقف الطارئة التى لم يتعود عليها، وستكون المحصلة النهائية للتعليم وللقراءة بهذه الطريقة، هى تكوين عقلية متكلسة تحفظ ولا تفكر.. تقلد ولا تبتكر.. وقد رأينا أثر ذلك فى هروب التلاميذ فى المرحلة الثانوية من دراسة العلوم والرياضيات.

نعم قد يؤتى التلخيص ثماره إذا قام به القارئ بنفسه.. بعد أن يكون قد قرأ كل صفحات الكتاب.. فى هذه الحالة سيكون لكل سطر، بل ولكل جملة فى التلخيص خلفية من المعلومات تساندها وتدعمها..
أما أن يكتفى التلميذ منذ البداية بحفظ الملخص دون القراءة الكاملة للكتاب فسيصبح كالطفل الذى استبدل "بزازة" الحليب بعد أن كبر "ببزازة" الملخصات.. وتلك هى السطحية العلمية أو الجهل المغلف بقشور المعرفة.. والذى يفرز جيلاً هشاً يحمل شهادات ورقية لا يعترف بها عصر المعلومات ولا يقبلها سوق العمل.

وليت المشرفين على قاعات القراءة يوجهون الأبناء للطريقة الصحيحة للقراءة حتى نربى عقولاً خلاقة قادرة على الإبداع والاختراع والتمييز بين الأفكار، وإلا فستصبح القراءة الحرة أو المدرسية "قراءة منزوعة الدسم" تنتج عقولاً مشفرة، وأفكاراً مبعثرة، ورؤوساً مخدرة، وهياكل ثقافية تعانى من هشاشة العظام.






مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة