ممر ضيق طويل مظلم موحش يقطنه رجل أضنته قسوة الحياة، بعد أن هجر موطنه «المغرب» واستقر فى مصر مارا بدولة ليبيا واستقراره بها بعد أن عاد من عرض البحر إثر غرق مركب تقله مع 60 شخصا كانوا يتجهون إلى إيطاليا فى محاولة بائسة منه للنجاة من الفقر.. محاولة بدت كلها مخاطر تحتمل الموت والسجن أو النجاة.. والنجاة أمر مستحيل بسبب حظه التعيس.
من بلده المغرب سافر إلى ليبيا ومنها فشل فى الوصول إلى ميلانو بطريقة غير شرعية وعاد إليها مجددا بعد أن فقد تحويشة عمره وبعدها التقى سيدة مصرية تزوجها وجاءت به إلى مصر واستقرت معه داخل غرفة أقل ما توصف به «قبر» بصحبته طفلاهما الصغيران ثم هجرته وانفصلت عنه بسبب الفقر ليعانى الشقاء ويموت فى اليوم ألف مرة بسبب عدم قدرته على إيجاد لقمة العيش له.
هذه أبرز ملامح معاناة «إدريس» المغربى الجنسية قاطن إحدى الغرف بقرية عرب الوراق فى الجيزة والذى روى مأساته لـ«اليوم السابع».
قال إدريس: قضيت طفولتى وشبابى فى بلدى «المغرب» التى لم أجد فيها ما يمكن أن يحقق طموحاتى وأحلامى، فقررت السفر بحثا عن مستقبل أفضل غير مبالٍ بغضب والدى الرافض لبعدى عنه.
وأضاف إدريس: وصلت إلى شواطئ ليبيا فوجدت هذه الدولة أسوأ من المغرب بكثير، لكنى قضيت بها 5 سنوات مجبرا، فأنا لا أمتلك قيمة تذكرة تعيدنى إلى بلدى وبعد فترة فكرت فى المخاطرة هربا من هذا الواقع.
ادخرت 1200 دولار قررت بها الهجرة بطريقة غير شرعية إلى ميلانو بإيطاليا، وبدأت الرحلة ورأيت الموت بعينى بعد أن استقللت مع 60 شخصا مركب صيد لا تتحمل 10 أشخاص وكان أمامى 3 خيارات «أموت أو يقبض عليا أو أنجو» والأخيرة مستحيلة بسبب حظى التعيس.
وتابع «إدريس» فى تأثر بالغ متذكرا لحظات ظهور شبح الموت له وصرخات الاستغاثة التى أطلقها رفاقه وهم يحاولون النجاة: المركب كانت عبارة عن «كهنة» وغرقت بنا ووجدنا أنفسنا وسط المياه نصارع الموت، وأتذكر كيف أن الذعر كان يتملكنى وأنا أحاول السباحة والابتعاد عمن كانوا معى خوفا من أن يتسببوا فى غرقى.
بعد فترة بسيطة -قال إدريس- استسلم بعضنا للموت ومنا من وصل إلى شواطئ ليبيا وأنا منهم حيث استقبلنا ضباط ليبيون قدروا ظروفنا بعد أن عرفوا مأساتنا فتركونا لأبدأ حياتى من الصفر مرة أخرى.
وأكمل «إدريس»: الغربة صعبة، لكن لما تكون فى بلدك مش مرتاح لازم تهرب عشان تترحم من العذاب اللى أنت عايش فيه ودا اللى عملته طول حياتى.
ولكن للأسف محاولاتى كلها باءت بالفشل.. بعد عودتى إلى ليبيا تعرفت على رجل طيب عملت معه فى شركة للحديد والصلب، وفيه تعرفت على سيدة مصرية وافقت على الزواج منى وأحببتها فهانت عليا صعوبة العيش وشعرت لأول مرة أننى وجدت الأمل الذى أبحث عنه، لكن ما نغص حياتى هو غضب أبى ورفضه الحديث معى بسبب زواجى من مصرية.. «دماغه ناشف» أصلى إحنا بربر سكان المغرب الأوائل اللى جاءوا عن طريق الشام والحبشة ولغاية دلوقتى مش راضى يسامحنى.
صبرت معى زوجتى على البهدلة والفقر- واصل إدريس حديثه- وربنا كرمنا بـ«رشيد» و«فاتيما» ولأن صعوبة الغربة استمرت، اضطررت أن أجىء بناء على طلبها إلى مصر عشان خاطر الأولاد.. وعندما جئت إلى مصر ازدادت الحياة صعوبة وعملت عند شخص يملك ملايين لكنه يبخل على بالملاليم رغم عملى أكثر من 13 ساعة يوميا.. كنت أعمل صنايعى وصبى وشيال «زى العبد» عشان آخد آخر الشهر 800 جنيه، ولما أتعب وأستأذنه أرتاح شويه يقلب زى العيال، وعندما طالبته بزيادة مرتبى قامت الدنيا ولم تهدأ وقالى لى «عايز تقعد عندى ماشى مش عايز امشى اشتكى للى تشتكى ليه.. فرددت عليه: هشتكيك لربنا أصلك هتعيش 80 سنة أو 90 سنة وفى الآخر هتموت.. فرد: «اخبط دماغك فى الحيط».
وأضاف «إدريس»: أصبحت بلا عمل وتحملت زوجتى كثيرا، لكن المشاكل لم تتركنا، فذهبت للمحكمة وحصلت على الطلاق، وأصبحت عاطلا لا أجد وظيفة ومطلقا ومعى طفلان لا أستطيع توفير لقمة العيش لهما، وبعدها أخذت طفلىّ وعشت معهما فى غرفة بأحد الأزقة فى قرية عرب الوراق بالجيزة أحيانا وأنا نائم أستيقظ أكثر من مرة بسبب خوفى على أولادى من أن يلدغهم ثعبان فالمكان غير آدمى وحالته مزرية.
قال «إدريس» فى نهاية حديثة لـ«اليوم السابع»: عشت فى غربة طوال حياتى، ورغم قسوة الحياة فى مصر «ارتحت» بها، وكل أمنيتى أن أعمل عشان أصرف على أولادى أنا مش بتاع سرقه وعمرى ما دخلت قسم شرطة.. عشت 10سنين فى ليبيا معملتش مشكلة.
«إدريس المغربى»: رحلتى مع الشقاء استمرت فى غرفة تشبه القبر بالجيزة.. هاجرت إلى ليبيا وشوفت الموت بعد غرق المركب اللى كانت بتهربنى لـ«ميلانو»
السبت، 02 أغسطس 2014 06:02 م
إدريس يروى لـ«اليوم السابع» رحلته مع العذاب
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة