يعد المجتمع المدنى أحد مظاهر الديمقراطية الحديثة ونتيجة من نتائجها، وعلامة من علاماتها، فإذا كانت مؤسسات المجتمع المدنى ذات تأثير كبير فى المحيط السياسى والاجتماعى لدولة ما دل ذلك على مقدار ما تؤمن به هذه الدولة من ديمقراطية، فى حين إذا كانت هذه المؤسسات تفتقد إلى التأثير الواضح فى مجريات الحياة السياسية والاجتماعية للدولة دل ذلك على مقدار ما تؤمن به هذه الدولة من حظ قليل بالديمقراطية وأهلها.
وقد تغيرت وجهة نظرنا للمجتمع المدنى، والدليل على ذلك ما شهدته بلادنا العربية من توجه نحو الاهتمام بالمجتمع المدنى إيمانًا بدوره فى الفترة الراهنة، فى حين لم يكن هناك سابقًا ما يسمى بالمجتمع المدنى بالصورة المطلوبة. ومن ثم فإن الفرصة أصبحت سانحة لإقامة شراكة حقيقية بين المجتمع المدنى والمؤسسات التعليمية - بدءًا بالمدرسة وانتهاءً بوزارة التربية والتعليم - تكون كفيلة بالارتقاء بجودة التعليم فى مصر.
إننا أمام بعض الأسئلة التى أظنها فى غاية الأهمية، وتوضح إلى حد كبير أهمية مؤسسات المجتمع المدنى فى علاقتها بالدولة كشريك أصيل فى جودة التعليم فى مصر، هذه الأسئلة مؤداها: ما دور مؤسسات المجتمع المدنى فى مجتمعاتنا الآن تجاه التعليم وما هو المأمول الذى ينبغى أن تكون عليه؟ وما ميادين الشراكة الحقيقية بين المجتمع المدنى والمؤسسات التعليمية والتى يمكن أن تؤدى إلى المساهمة فى حل مشاكل التعليم فى مصر؟ وما الأسس واللوائح التى يجب أن تحكم مثل هذه الشراكة الوليدة؟ فالمجتمع المدنى هو مجموعة من الكيانات أو المؤسسات غير الحكومية التى لا تقوم على أساس التعصب – سواء أكان هذا التعصب للقبيلة أو العشيرة أو الدين أو العرق أو اللون، أو الأيديولوجية الفكرية أو غيرها من مظاهر العصبية – وإنما يقوم على إرساء قيم المواطنة وتنوير المجتمع - بما له من حقوق وما عليه من واجبات - والعمل الجاد المبنى على إرادة تطوعية حرة لا تقوم على الربح أو الارتزاق، وينظم أفرادها شئونها، بما لا يخل بمبادئ الحق والخير التى تقوم على رعايتها الدولة بما لها من حق الإشراف والمراقبة.
فهل تحقق هذا المفهوم فى مجتمعاتنا أو فى أى من دولنا العربية؟ إننا نظن أن الهوة واسعة بين ما عليه المفهوم الحق للمجتمع المدنى وبين ما نشاهده فى وطننا من مهام مؤسسات المجتمع المدنى، فهناك بون شاسع بين الواقع والمأمول، خاصة فيما يتعلق بعلاقة المجتمع المدنى بالمؤسسات التعليمية، ومع ذلك فإن الصورة ليست قاتمة على إطلاقها؛ لأننا نجد بعض المؤسسات التى تنطلق من فهم لأبعاد المجتمع المدنى وتطلعاته وأدواره المنوط به القيام بها فى مجال التعليم.
ومن ثم يمكن القول مؤكدين أن الدول المتقدمة علميًا لم تصنع تقدمها العلمى هذا باعتمادها على الحكومات فقط، وإنما بالاستعانة بمؤسسات المجتمع المدنى أيضًا، بما تقدمة من إمكانات فنية ومادية وتقنية. ومن ثم يمكن القول إن جودة التعليم فى مصر لا تقوم على الدولة بمفردها، ولا على المجتمع العام بمفرده، ولكن تقوم عليهما بمشاركة المجتمع المدنى الذى أثبتت النتائج والبحوث فعاليته على الصعيد العالمى.
د.محمود كيشانه يكتب: المجتمع المدنى وجودة التعليم
الجمعة، 15 أغسطس 2014 12:19 م
أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة