إبراهيم عبد المجيد

التطهير العرقى فى العراق وفلسطين!

الجمعة، 15 أغسطس 2014 07:30 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليس بعيدًا عن فلسطين توسع تنظيم داعش «دولة المسلمين فى العراق والشام» بشكل مريب فى شمال العراق.. فى ساعات معدودة استولى على الموصل، مركز محافظة نينوى، وما حولها، وهرب الجنود العراقيون أمامه، وتركوا عتادهم. وباعتباره أكثر الإسلاميين تطرفًا الآن، بدأ على الفور هدم المساجد والمقامات باعتبارها من مظاهر الكفر، وهو المعتقد الوهابى الذى تسلل بعيدًا عن المملكة السعودية، وبلغ من التطرف مداه، وكان مما تم تدميره مسجد ومقام النبى يونس عليه السلام.. كان لتفجير هذا المسجد أثر سيئ على نفسى لأمر شخصى، هو أنى دخلت هذا المسجد فى ثمانينيات القرن الماضى، وصليت فيه.. أذكر وقتها أننى كنت أمشى فى طريقى ومعى شاب عراقى، ورأيت الجامع، فسألته عنه، فقال إنه مقام سيدنا يونس.. وقفت أشعر بالخشوع والراحة، وتركته ودخلت صليت وقرأت الفاتحة على روح سيدنا يونس، وعدت لأجده يبتسم ويسألنى: هل تصدق أن به جثمان سيدنا يونس؟، قلت له أعرف أنه ليس موجودًا مما قرأت من كتب التاريخ، وأعرف أن شكوكًا فى القصة كلها، لأن نينوى على نهر دجلة، وفى النهر لا تعيش الحيتان.. سيدنا يونس هو الذى اختبره الله بأن بلعه الحوت ثلاثة أيام.. أعرف الكثير عن الأصل الأسطورى للحكاية فى التوراة قبل القرآن، وقبلهما معًا، لكن الإيمان شىء والعلم شىء آخر، الإيمان هو ما وقر فى القلب، وهو معيننا فى هذه الحياة وعليها. وكانت قد تداعت إلى ذهنى حكاية الرسول الكريم محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وسلم، حين ذهب برسالته إلى «ثقيف» وطاردوه بالحجارة، واستراح حزينًا إلى حديقة أحد البيوت، فجاء خادم البيت مشفقًا عليه، وقدم له العنب يأكل، والماء يشرب، فسأله النبى: من أى البلاد أنت؟، فقال: نينوى، فقال النبى: بلد أخى يونس، وردد الرسول حزينًا الدعاء العظيم «اللهم إن لم يكن بك غضب علىّ فلا أبالى.. اللهم إلى من تكلنى، إلى قريب يتجهمنى، أم غريب ملكته أمرى»، ثم إننى وجدت فى الموصل الأعداد الكبيرة من الناس تسمى «ذو النون»، وهو اسم النبى يونس.. قلت للشاب: الإيمان هو سبب انتشار هذا الاسم الذى استراحت إليه الناس، فكيف تريدنى أن ألجأ للعلم هنا؟، دع العلوم تطور حياتنا، ودعنا كلٌ يؤمن بما يريد ليستريح فى حياته بأن هناك إلهًا يضمن العدل والرحمة فى الدنيا والآخرة.

توقعت أن تفعل «داعش» ما فعلته بمقام النبى يونس، وفعلت ذلك بكل المساجد التى بها أضرحة، ثم فعلته بالكنائس، ثم طردت المسيحيين من الموصل واستولت على أموالهم ومتاعهم. ومن عجب أن العالم وقف يتفرج كأنه لا يحدث شىء، ثم طارد تنظيم «داعش» الإيزيديين إلى جبال سنجار بالشمال الكردى.. لم يقتل من المسيحيين إلا القليل، لأنه يعرف ماذا سيحدث فى العالم، لكنه فى النهاية طردهم من بلادهم الموجودين فيها منذ أكثر من ألفى سنة كمسيحيين، وثلاثة آلاف كأهل المكان القدامى قبل الإسلام والمسيحية، ومعروف أن العراق بها طوائف عديدة، منها الإيزيدية والسنة والشيعة والمجوس أيضًا، لم يعرفوا التصفية العرقية ولا الحروب بينهم تحت الاستعمار البريطانى، ولا تحت الحكم الملكى..
والإيزيدية هم العباد المخلصون فى عبادتهم لله، وهذا هو معنى الأزيدية، ولا ينسبون إلى أى يزيد، كان أمويًا أو عباسيًا، ولهم طقوسهم الدينية، ولهم معبدهم. ويتمركز الإيزيدية فى مناطق شاريا، وخانك، وديرة ‌بون فى دهوك، وفى القامشلى بسوريا، وعفرين، ومنطقة الجراح والقرى التابعة لها، كما ينتشرون فى تركيا، وفى جورجيا، وأرمينيا، ومناطق القوقاز الروسى، وتتفرق منهم عائلات وأفراد فى كل أوروبا وأمريكا، مهاجرين إليها كما يهاجر غيرهم. وقد أقر مجلس النواب العراقى منذ عامين تقريبًا ديوان الأوقاف الذى يضم الإيزيديين والمجوس والصابئة المندائية.

وكان هذا اعترافًا رسميًا بهم فى عراق ما بعد صدّام.. بات للإيزيديينمقعد فى مجلس النواب العراقى، ومقعد آخر فى مجلس محافظة نينوى، ومجلس قضاء الموصل، وبدا أن فى ذلك الاعتراف قيمة للإيزيديينوالمجوس، ولم يكونوا يعرفون ما هو مخبّأ لهم.. الإيزيدية فى العراق معروفون بالبساطة، والروح المرحة، والسلام، وهم يؤمنون بالتوحيد والإله الواحد، ولا يؤمنون بالأرواح الشريرة، ولا إبليس، لأنهم يرون الإنسان مسؤولًا عن أفعاله ولا مبرر آخر له، لأنهم يعتقدون أن الإقرار بوجود قوى أخرى تسيّر الإنسان يعنى تبريرًا لما يقوم به البشر من أفعال، لذا فإن الإنسان فى العقيدة الأزيدية هو المسؤول عما يفعله، وليس الجن أو الأرواح الشريرة، وإن الله هو كله خير، أما الشر فيأتى أيضًا نتيجة لأفعال البشر، لذلك الصراع بين الخير والشر هو فى الأساس صراع بين النفس والعقل، فإذا انتصر العقل على النفس نال الإنسان خيرًا. ويعتقد الإيزيدية بتناسخ الأرواح، وأن لهم زعماء دينيين فى كل القرون والعصور، أرواحهم خالدة، لها بين البشر أرواح تمثلها على الأرض.. هذه الفكرة الدالة على استمرارية قوة الدين، وبخلاف ذلك تدخل روح الآثم فى جسم حيوان لتتعذب إلى الأبد، وهذا كله تجده مبعثرًا فى ديانات عديدة قديمة، أو مذاهب عدة، منها فكرة المخلص التى هى أقرب للمهدى المنتظر عند الشيعة. هذا كله لم يكن له محل من النقاش مع غيرهم، فهم فئة تعيش فى صمت، ولا تسعى للتبشير بعقائدها، والعراق مكانها الأول، وعددهم يصل إلى النصف مليون.

هل لطرد الإيزيديين والمسيحيين علاقة بما يحدث، أو مخطط له أن يحدث فى فلسطين؟.. أجل، فلقد قامت إسرائيل على التطهير العرقى.. طرد سكان البلاد الأصليين من العرب، ليحل محلهم اليهود تحت دعوى أرض الميعاد، وإقامة الدولة اليهودية من النيل إلى الفرات، كما جاء فى كتابهم المقدس من وعد الله لإسرائيل، النبى يعقوب. وكلنا نعرف أن وراء ذلك عملًا سياسيًا استغل فيه الدين توسيعًا سريعًا فى الطريق لهم.. حلم إسرائيل بالدولة اليهودية الخالية من العرب، مسلمين ومسيحيين، هو حلم نتنياهو الذى أعلنه دائمًا.. «داعش» تفتح الطريق لإسرائيل للتطهير العرقى المنتظر يومًا، و«داعش» التى أقرت بأن الدين الإسلامى لا مشكلة بينه وبين اليهود تعليقًا على أحداث غزة، تعرف ماذا تفعل، لسان حالهم يقول: نحن نمهد الأرض لكم يا بنى إسرائيل بإعلان التصفية العرقية حتى تفعلوها مثلنا تمامًا، وهذا هو التفسير الوحيد لسكوت الغرب والأمم المتحدة عن جرائم داعش. لقد تحركت أخيرًا أمريكا ليس من أجل الإيزيديين الذين يقتلون فى الجبال، حتى بعد هروبهم، واغتصاب نسائهم وبيعهم سبايا فى أسواق الرقيق، هجوم أمريكا الآن حتى لا تنتقل «داعش» إلى كردستان التى فر الإيزيدية إليها.. اثبت مكانك، وقم بالتطهير العرقى الذى سيساعد إسرائيل فيما بعد، لكن لا تتجاوز الحدود إلى مقاطعة أخرى.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة