عندما تثور الشعوب للاعتراض على وضع سياسى واجتماعى قائم يشوبه نقص فى العدالة أو حالة اقتصادية متردية، غالبًا لا تمتد الثورات لأكثر من أشهر معدودة، يسود بعدها الاستقرار والأمن فى البلاد لإعطاء الفرصة لإعادة البناء والتنمية وإيقاف نزيف الخسائر اليومية البشرية أو المادية أو المعنوية.
ولأن الكثيرين منا مازالوا بعيدين عن ثقافة الثورات السلمية، وضرورة حصرها فى مجرد التعبير السلمى عن الرأى وإبداء الرغبة فى التغيير بأسلوب متحضر لا يضر بالأمن القومى للدولة، فقد عانت مصر من مد ثورى استمر لأكثر من ثلاث سنوات منذ ثورة يناير 2011، كان قدر رجال الشرطة تحمل مسئولية مواجهة كل الاضطرابات الداخلية، سواء التى قامت ضد النظام السابق بسبب الوهن الاقتصادى والبطالة والفساد السياسى، أم التى تحولت إلى تحطيم جهاز الشرطة نفسه باستهداف أفراده ومعداته ومنشآته صحبها اقتحام وحرق للأقسام والسجون وأجهزة البحث والمعلومات الأمنية، بالإضافة إلى وقفات احتجاجية واعتصامات وإضرابات مستمرة، منها ما قام على أسس مقبولة للاعتراض على سياسات بعض الوزارات والمؤسسات، ومنها ما قام على أسباب واهية فقط من أجل استمرار استنزاف مقدرات الأمن القومى، لم يدفع ثمنها فى النهاية حقًا سوى جهاز الشرطة المكلف دائمًا بمواجهة كل السلبيات التى ترتكبها الجهات الأخرى بإستخدام الحلول الأمنية، بدون قيام المسئولون فى البحث عن حلول واقعية للأزمات التى تخص نطاق إشرافهم.
بالإضافة إلى سعى بعض وسائل الإعلام إلى زيادة الضغوط على رجال الشرطة بالتركيز على السلبيات وتضخيمها دون الإيجابيات، مع إغفال المساحة الواجبة لرجال الشرطة للدفاع عن أنفسهم وإيضاح الحقائق، ما ساهم فى زيادة الفجوة بين الشرطة والشعب، وارتفاع نسبة الإحباط بين أفراد الجهاز، خاصة مع شعورهم بعدم التقدير للتضحيات التى يقدمونها فى ظل عدم وجود قانون قوى آنذاك يوفر غطاء من الحماية اللازمة لرجال الشرطة عند ممارستهم لمهامهم.
واليوم وبالرغم من استمرار العمليات الإرهابية التى تستهدف رجال الشرطة ومنشآتهم بصورة مباشرة، استطاع الجهاز التماسك وتعويض الكثير ما افتقده فى السنوات الماضية والعمل على تحسين العلاقة مع أطياف الشعب فى ظل مبادئ الشرطة المجتمعية وإقرار القانون بشكل أفضل مما قبل، وفى خضم كل ذلك بذل الجهود لتأمين انتقال مصر لحقبة ديمقراطية جديدة بتأمين الاستفتاء على الدستور الجديد، والانتخابات الرئاسية، والمراسم التاريخية لتنصيب الرئاسة، ثم العمل على تأمين الانتخابات البرلمانية القادمة، بجانب الحرص على القيام بالمشاركات الدولية المستمرة ضمن قوات حفظ السلام، فى ظل جهود متواصله وضغوط مادية ومعنوية يندر أن يتحملها أى جهاز شرطى فى العالم، لذلك استحق رجال الشرطة المصرية أن يطلق عليهم "رجال المستحيل".
افراد شرطة - أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة