تركت الأحزاب السياسية هموم الوطن وحاضره المحفوف بالمخاطر وراء ما يمكن تسميته بالأفق الضيق والمصلحة الشخصية، وكانت الحاضر الغائب فى المعركة النضالية التى يخوضها الشعب المصرى فى مواجهة مخاطر عدة، أهمها مواجهة الفكر الظلامى والتخريبى الذى تمخض وولد فى مصر وهو جماعة الإخوان التى توارت خلف سلاح بعض الحركات الإرهابية.
لم يكن الحكم الذى صدر عن المحكمة الإدارية العليا بحل حزب الحرية والعدالة، إلا صافرة إنذار وناقوس خطر يجب أن ندركه جيدا، فى ظل ما نعانيه من حالة الخمول التى أصابت الحياة الحزبية عقب 30 يونيو 2013، وكأن المعركة السياسية التى خاضتها القوى الوطنية ضد الحكم الإخوانى أرهقتها، وكانت أقصى ما يمكن أن تقدمه للوطن فى محنته.
بعد حكم حل حزب الحرية والعدالة يتبقى فى الساحة 91 حزبا، وما يمكن توقعه أن المواطن المصرى لا يعلم أسماء أحزاب تتجاوز أصابع اليد الواحدة، خاصة أن أمرها فُضح أمام الرأى العام، عندما فضلت الدخول فى صراعات على تكوين تحالفات فيما بينها لحصد أغلبية مجلس النواب القادم، وتلك التحالفات لم يصب أحدها حتى الآن النجاح، ولن تحصل على أغلبية المجلس التشريعى لأن من ينشغل عن مصر يخسر ثقة شعبها.
غابت الأحزاب عن دعم إرادة الشعب المصرى عقب 30 يونيو وأصبح شغلها الشاغل توحيد صفها الذى لن يُوحد على ما يبدو لتضارب المصالح، قد غابت عن نشر قادتها ومثقفيها - إن كانت تمتلك هؤلاء - عن الشارع لتوعية المواطن بمخاطر المرحلة، والمشاركة فى إعادة تأهيله. غابت عن مساندة مصر وتقديم العون لصندوق دعمها والاقتصاد المصرى.. لم تُكمل نضالها خارج البلاد لتوضيح حقيقة ما يحدث فى مصر، واكتفت بحالة التشرذم التى أصابتها بحثا عن عدد من مقاعد «النواب».
التعددية الحزبية جزء أصيل من الديمقراطية، لكن مصر وشعبها فى حاجة لأحزاب حقيقية تمتلك عددا من الأعضاء الفاعلين يفوق المئة ألف، فى وطن قارب عدد سكانه من المئة مليون نسمة، لكن كيف يحدث ذلك، وحقيقة الأمر تؤكد أن أكبر عدد للأعضاء فى كشوفات الأحزاب المصرية تجاوز ما ذكرناه بقليل، والفاعلون منهم أقل مما ذكرناه بكثير، والأنشطة الحزبية كما يقال «على ما تُفرج» إن وجدت فى الأساس.
يخرج علينا فلان أو علان ليتحدث فى مصير أمة بأكملها، وعندما تبحث عن وظيفته يتباهى بأنه رئيس حزب كذا، وكأنه ابتلاء أن يتحدث فى شؤون مصر من هم غائبون عن الحقائق إلا قليلا، ممن يسمون قيادات حزبية «كرتونية»، على غرار ما ذقناه من مرارة اختراع «الناشط السياسى» التى جعلت من عاطلين كُثر نجوما للفضائيات فى مرحلة ربما تكون ولت.
سهولة تأسيس حزب سياسى فتحت الباب أمام المنتفعين وأرباب المصالح، للوقوف فى وجه الديمقراطية الحقيقية، وطموح الشعب فى وطن قائم على أعمدة ثابتة وصلبة وليست كرتونية، لنعلم جميعا أن الإجراءات المحددة لتصبح رئيسا لحزب مصر تتطلب منك أن تتقدم بطلب كتابى موجهاً إلى رئيس لجنة شؤون الأحزاب والتنظيمات السياسية موقعاً عليه لا يقل عن خمسة وسبعين مؤسساً، ويصادق على توقيعاتهم رئيس أى محكمة من المحاكم الابتدائية فى الجمهورية.
واستكمالا لأهم إجراءات تأسيس حزب سياسى يجب ألا يقل عدد طالبى العضوية عن ألفين وخمسمائة عضو، كحد أدنى عند تقديم طلب التأسيس، ويشترط أن يكون الأعضاء من أغلب محافظات الجمهورية بما فيها أمانة العاصمة، ويرفق بطلب التأسيس جميع المستندات وبصفة خاصة البرنامج السياسى والنظام الداخلى، وبيان موارده المالية، وممتلكاته، ومصادرها، والمصرف المودعة فيه، واسم من ينوب عن الحزب أو التنظيم السياسى فى إجراءات التأسيس.
يعتبر البعض أن الإجراءات الثلاثة السابقة تمنحك حزبا سياسيا، وتكفل لك مركزا اجتماعيا مرموقا وحق «الفيتو» فى انتقاد مصر ونظامها السياسى داخل وخارج مصر، وتضعك على مائدة الكبار إن كنت تبحث عن مصالح أو حصانة بعينها، لذا فإن مصر التى قاربت على مئة مليون نسمة يبحثون عن نهضة وتنمية، تستحق إجراءات أكثر جدية لتأسيس كيان سياسى.. لنكن صادقين مع أنفسنا ونضع إجراءات حقيقية تجعل من الأحزاب قادرة على حماية التعددية فى وطن لا يستحق منا إلا الإخلاص والتضحية.
الأحزاب.. «الحاضر الغائب» فى مواجهة الإرهاب ودعم الاقتصاد .. توارت خلف صراع التحالفات الانتخابية وفكرة توحيد الصف «المستحيلة»
الأربعاء، 13 أغسطس 2014 07:32 م