عطر الأحباب..العزيمة.. أفضل فيلم مصرى فى القرن العشرين..تضمن مشهدًا غراميًا بين فاطمة رشدى وحسين صدقى فى ليلة رمضانية ولم يعترض أحد!

الجمعة، 01 أغسطس 2014 10:24 ص
عطر الأحباب..العزيمة.. أفضل فيلم مصرى فى القرن العشرين..تضمن مشهدًا غراميًا بين فاطمة رشدى وحسين صدقى فى ليلة رمضانية ولم يعترض أحد! فيلم العزيمة
إشراف - ناصر عراق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى..

أجمل ما فى السينما أنها تعد وثيقة مدهشة للزمن الذى أنتج فيه هذا الفيلم أو ذاك، وأخطر ما فيها أنها تكشف طبيعة العلاقات الاجتماعية التى كانت سائدة وقت العرض، وها هو فيلم «العزيمة» يقدم لنا خريطة عامة لطبقات المجتمع المصرى قبل 75 عامًا، إذ عرض للمرة الأولى فى 6 نوفمبر عام 1939 بسينما ستوديو مصر.

المدهش أن كوكبة من كبار نقاد السينما اختاروا فيلم «العزيمة» ليتصدر قائمة أفضل فيلم مصرى فى القرن العشرين، وقد جاء هذا الاختيار أثناء الاحتفال بالدورة العشرين لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، وكان اختيارهم صائبًا بحق.


تعالوا نتجول معًا فى حوارى القاهرة وقصورها فنتعرف على أحوال الفقراء والبسطاء ونشاهد كيف كان باشوات الثلاثينيات وأثرياؤهم ينفقون أموالهم ويقضون أيامهم!

فى الحارة

فى إحدى المرات القليلة التى التقيت فيها المخرج الرائد صلاح أبوسيف «1915/ 1996» قال لى: إن فيلم العزيمة كان له فى البداية اسم آخر هو «فى الحارة»، لكن الرقابة رفضت هذا الاسم، باعتبار أن السينما يجب أن تعرض على الناس القصور والحدائق والمطاعم الفاخرة، لا الحوارى والأزقة والمقاهى الشعبية، وهكذا غيرنا الاسم إلى «العزيمة»، ولا تنس أن صلاح أبوسيف عمل مساعد مخرج فى هذا الفيلم.

أما المخرج فهو كمال سليم، رائد المدرسة الواقعية كما لقبوه عن حق، وقد بلغ الرجل فى إنجاز هذا الفيلم مستوى غير مسبوق، حيث استطاع أن ينقل إلينا للمرة الأولى قطعة حية من حياة أهل القاهرة الطيبين والبسطاء، ولم ينس الخبثاء والأشرار بطبيعة الحال.

فى البداية نطالع الأسماء المساهمة فى إنجاز الفيلم، وقد كتبت فاطمة رشدى «1908/ 1996» قبل اسم الفيلم بخط بارز بوصفها أهم نجمة سينمائية ومسرحية فى ذلك الزمن، ثم نعرف أن الفيلم من إنتاج ستوديو مصر، وأن التأليف والإخراج من نصيب كمال سليم، والحوار كتبه بديع خيرى، أما التصوير فمن اختصاص فنان اسمه ف. فاركاش، وواضح من اسمه أنه أجنبى، الأمر الذى يؤكد أن مصر كانت تحتضن الأجانب بكثافة دون قلق أو انزعاج، ومن باب الدعاية نقرأ فى النهاية أن الملابس من إنتاج شركة مصر للغزل والنسج، وشركة مصر لنسج الحرير، وكلها شركات أسسها بنك مصر الذى يعد أول بنك برأسمال مصرى خالص أسس عام 1920.


يبدأ الفيلم باقتراب الكاميرا من قنديل معلق على باب الحارة ينطفئ مع أذان الفجر الذى يرفعه شيخ الجامع، ثم نرى لافتة مكتوبا عليها بخط الثلث الجميل «درب معتوق»، لندرك على الفور أننا فى قلب حارة مصرية أصيلة، وهكذا يتوجه الحلاق - الممثل الرائد عمر وصفى - والد حسين صدقى إلى المسجد فى الوقت الذى يتوجه فيه رجال الحارة من كل ناحية نحو المسجد نفسه لأداء صلاة الفجر.

بإيقاع سريع نتابع الحياة وهى تدب فى أرجاء الحارة تدريجيًا، فهذا الجزار يحمل اللحم ليعلقه، وهذا بائع اللبن يصبه بمقدار لسيدة البيت، وهناك شاويش يتخذ مكانه لحماية الحارة فى الليل قبل أن يغادر موقعه، وذاك صاحب الفرن السكير - حسن كامل - يدندن بمطلع أغنية «قمر له ليالى»، ويطمئن من أحد عماله على أن زوجته - مارى منيب - لم تعلم شيئا عن سهره فى الخمارة كعادته كل ليلة، ثم نرى النادل يمسح زجاج المقهى ويعد الشيشة للأسطى حنفى، فى الوقت الذى يصل فيه الحاج روحى الحانوتى - الفنان البديع مختار عثمان - حيث تتناثر دعوات الصباح المعتادة وهو يوزع خفة ظله على الجميع، حتى ظهر فى الكادر الممثل الخطير عبدالعزيز خليل - المعلم العتر - ممتطيًا حماره، ومتوجهًا نحو محل الجزارة الذى يملكه، وقد ألقى التحية على الحانوتى ساخرًا: «صباح الخير يا معلم عزرائيل»، فجاوبه على الفور «صباح الخير يا زبون المستقبل»!



فى المقابل نتابع فاطمة رشدى - فاطمة - وهى تفتح باب البلكونة لتضع السجادة على سورها لتتعرض للشمس، كما تفعل كل البيوت فى الصباح، لتلمح فى البلكونة المقابلة جارها حسين صدقى - محمد - وهو يضبط رابطة العنق استعدادًا للخروج، ليتبادلا تحية نعلم من خلالها أنهما مرتبطان عاطفيًا. لاحظ من فضلك أمرين، أن بلكونة حسين صدقى مزدانة بأربع إصص زرع، برغم أنه شاب من أسرة بسيطة، ما يعنى اهتمام المصريين حتى الفقراء بتزيين بيوتهم، كما أن والدته - ثريا فخرى - تخبره - وتخبرنا - أن أباه - الحلاق - قد أنفق على تعليمه «اللى وراه واللى قدامه» كما قالت بالحرف، وهكذا نعرف أن التعليم لم يكن مكلفاً فحسب فى عهد الملك فاروق، بل كان باهظ التكاليف!

مفارقات مدهشة

الفيلم كما تعرف يعرض كثيرًا فى الفضائيات، وهو متاح على موقع اليوتيوب، لذا لن أخوض فى سرد حكايته، وسأكتفى بأن ألفت انتباهك إلى عدة مشاهد تكشف كيف كنا فى ذلك الزمن البعيد، عسى أن نفهم أحوالنا الحالية بصورة أفضل.



خذ عندك.. حين كانت فاطمة رشدى توزع على الجارات شربات نجاح حسين صدقى وحصوله على دبلوم التجارة - أى البكالوريوس، ستجد إحدى الجارات تنهر ابنتها محرضة «اكشفى دراعاتك.. مانتيش شايفة المقاريص وبحلقتهم فيها»، وبالفعل نزعت الفتاة الشال من فوق ذراعيها، حتى تلاحظ أم محمد جمالها وفتنتها فتخطبها لابنها، لأن الجارات - المقاريص - يتفرسن فى فاطمة رشدى التى تتحرك فى بيت حسين صدقى سافرة، كذلك نرى ضمن الجارات إحدى النساء التركيات تعلن صراحة أنها جاءت لتبارك لا لتنافق، فليس عندها بنات فى سن الزواج! الأمر الذى يعنى أن غير المصريين كانوا يعيشون بيننا فى الأحياء الشعبية معززين مكرمين ويرتبطون بصلات عميقة مع المصريين، كذلك نرى صاحب محل الجزارة المعلم العتر يسخر من التعليم والمتعلمين ويتباهى بأنه يربح جنيهين يوميًا! أما الوظيفة الحكومية فيتم التقليل من شأنها مقابل كيل المديح إلى العمل الحر، أى إلى تشجيع الفكرة الرأسمالية، وهو ما كانت الدولة المصرية آنذاك تفعله وتدعو إليه!



فى الجانب الآخر، وبين الحياة المخملية للأثرياء نستمع إلى مفردات فرنسية تتداول بين أهل هذه الطبقة، مثل «بنجور وبنسوار»، التى يرددها عدلى ابن الباشا - أنور وجدى - الأمر الذى يشير إلى أن أغنياء المصريين رفضوا استعمال اللغة الإنجليزية لأنها لغة المحتل، وفضلوا تطعيم مفرداتهم العربية بكلمات فرنسية، ربما اكتسبوها من زمن وجود الحملة الفرنسية فى مصر، أو من خلال إقامتهم بباريس، حيث كانوا يفضلون السفر إلى فرنسا، لا إلى بريطانيا، كما نلاحظ أن النادل فى البار الذى يرتاده أنور وجدى وأصدقاؤه التالفون اسمه نيقولا، وهو واحد من آلاف الأجانب المقيمين بالقاهرة. وحين زار حسين صدقى الباشا - زكى رستم - فى قصره وجده يلعب البيلياردو، وأظن أن المصريين الفقراء الذين شاهدوا الفيلم حينئذ لم يعرفوا ما هذه اللعبة ولم يشاهدوها من قبل!

أما أجرأ المشاهد وأكثرها فتنة وجمالا، فهو المشهد الذى يضم حسين صدقى وفاطمة رشدى وقد جلسا على السلم الداخلى للبيت فى إحدى ليالى رمضان، حيث تبادلا الغرام حتى اشتعل قلباهما باللهفة، فالتقت الشفاه فى قبلة ساخنة طويلة نسبيًا، ومع ذلك تلقى جمهور زمان ذلك المشهد بروح متسامحة ولم يعترض أحد!



إن فيلم العزيمة يحتشد بعشرات المشاهد التى تعكس أحوال الناس وأمزجتهم فى النصف الأول من القرن الماضى، كما يوضح طبيعة الصراع الاجتماعى فى مصر مع اندلاع الحرب العالمية الثانية، ولأنه أول فيلم يضع يده برفق على قلوب البسطاء ويربت عليهم، فقد ذكره شاعرنا الرائد فؤاد حداد فى إحدى قصائده التى تشيد بنهضة مصر التى اتقدت قناديلها بعد ثورة 1919. يقول عم فؤاد: «النهار روحه سليمة/ والمسا مسرح وسيما/ ويا فاطمة فى العزيمة/ قولى سى محمد كمان/ يا أمل دق البيبان/ يا جديد اظهر وبان».

عند هذا الحد انتهت رحلتنا مع العزيمة، وهى رحلة مثيرة وممتعة!



موضوعات متعلقة..


شارع عماد الدين.. رائحة الريحانى والكسار فى قبضة الخرابات ومحلات قطع الغيار!..تجاعيد الإهمال والبيزنس تملأ وجه القاهرة!

«سرايا عابدين» عمل درامى أحدث شرخًا فى تاريخ مصر وجرحًا فى عقول المصريين..المؤرخ ماجد فرج ذهب إلى ما هو أبعد ووصف «سرايا عابدين» بالمؤامرة على الخديو إسماعيل وعلى تاريخ مصر وسمعتها وهويّتها

عز الدين نجيب الفنان الثائر..الفن هو المفتاح الأول لتغيير سلوك الناس إلى الأفضل..فى سبيل قناعاته تعرض عز الدين للاعتقال مرتين فى زمن السادات «1972/ 1975»، ومرة أخرى فى زمن مبارك «1997»





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة