كثير هؤلاء الذين يستخدمون الدين لخدمة أهدافهم وتنفيذ أفكارهم، فالدين يضيف هالة من التعظيم والتبجيل على صاحبه، تجعله فى سمو وارتقاء يدفع الكثيرين للتقرب منه والتبرك به، وكما أبدع موليير فى مسرحية "تاراتوف" فى رسم شخصية رجل الدين الانتهازى الذى لم يكل فى أن يطوع الدين لأهدافه الدنيئة، وكما برعت الكنيسة الكاثوليكية فى اللعب بعقول البسطاء فاخترعت صكوك الغفران التى تبرئهم من الخطايا، لم يخل التاريخ من الشخصيات التى نسجت من الدين خيوطاً وأحاطت نفسها بها، فارتكبوا الحماقات باسم الدين.
زعيم طائفة الحشاشين الحسن الصباح واحد من هؤلاء الذين اتخذوا الدين وسيلة لتحقيق أهدافهم، اتخذ الحسن الصباح من قلعة الموت ببلاد فارس وكراً له وقام بتأسيس طائفة عرفت باسم طائفة الحشاشين، وأصل هؤلاء الحشاشين من الفرق الباطنية أتباع إسماعيل بن جعفر الصادق الذين خرجوا على الخلفية المستعلى بالله الفاطمى لأنهم كانوا يروا أن أحقية الخلافة تعود لأخيه نزار ابن المستنصر بالله، كان من ضمن طائفة الحشاشين جماعة تعرف باسم الفدائيين وهم أعلى مراتب ذلك التنظيم، وكان موكلا لهم القيام بسلسلة من الاغتيالات للعديد من الشخصيات الكبيرة، وقد حاولوا اغتيال صلاح الدين الأيوبى، لكنه نجا من تلك المحاولة.
ويذكر أحد الرحالة أن الحسن الصباح قام ببناء حديقة كبيرة بين جبلين وجعل فيها أنهارًا من الخمر والعسل واللبن، وفيها الفتايات العذارى الذين يجدن العزف والغناء، وأوهم أتباعه بأن هذه هى الجنة التى وعد الله بها المتقين، ولم يكن يدخل تلك الحديقة إلا من وقع عليه الاختيار أن يكون فدائياً.
ويقوم الشيخ بأخذ من وقع عليهم الاختيار بعد إعطائهم جرعة من المخدر إلى الجنة الزائفة، فالفتيات بجوارهن يعزفن ويغنين، ومن حولهن الأنهار والأشجار والزهور، وكل ما تشتهى الأنفس، ثم يحملون عائدين لمنزل الشيخ وبعد إفاقتهم يسألون عن ما رأوا هناك فيعتقدون أنهم كانوا فى الجنة حقاً، والسبيل الوحيد للعودة إلى هناك كان بتنفيذ مخطط الاغتيالات الذى يحدده الشيخ.
"المقنع الخرسانى" الذى سلك نفس الطريق ولكنه غلفه بشىء من الفانتازيا والغريب أن الناس آمنوا به وصدقوه فبعد مقتل أبو مسلم الخرسانى على يد الخلفية العباسى أبو جعفر المنصور لم تهدأ ثورات أهل خرسان ضد الخلفاء العباسين، المطالبة بالثأر لمقتله، وفى ظل تلك الظروف ظهر رجل يدعى حكيم ولقب فيما بعد بالمقنع لأنه كان يخفى وجهه الدميم بقناع من الذهب، وكان يبرر للناس ارتدائه للقناع بأنهم لا يستطيعون تحمل نور وجهه فلهذا اتخذه لكى لا يحترقوا بنوره، وانضم له عدد كبير من أتباع الثورات الأخرى التى لم يكتب لها النجاح، وساعده فى انضمام الناس إليه أنه قال إن أبو مسلم لم يمت وأنه طلب منه عن طريق الوحى الثأر لمقتله، وقد زاد عدد أتباعه نتيجة لتلك الأفكار خاصة وأنه قام بإسقاط التكاليف عنهم ومنحهم المغريات فأبطل الصلاة والصوم وأباح لهم الأموال والنساء واكتفى بأن يسجدوا له فقط عند رؤيته مستنداً لآية (وإذا قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا) وأن من لا يسجد له تحل عليه اللعنة والسخط، وبعد أن كثر أتباعه قال إن الروح الإلهية انتقلت له، فقد كانت الروح الإلهية فى آدم وانتقلت إلى ابنه شيث ثم إلى نوح فإبراهيم ثم عيسى ومحمد عليه الصلاة والسلام ثم إلى على ابن أبى طالب ثم محمد بن الحنفية ثم إلى أبى مسلم الخرسانى واستقرت أخيراً فيه.
ولما قويت شوكته قام بالخروج المسلح على دولة الخلافة العباسية، فأرسل له المهدى جيشاً جراراً استطاع أن يلحق الهزيمة به، فلما أيقن بالهلاك انتحر هو وأتباعه انتحاراً جماعياً عن طريق شرب السم.
وفى العصور الوسطى كان الدين هو شعار الحروب الصليبية لتحقيق مطامعهم مستغلين الفقر المدقع الذى عاناه أبناء أوروبا فى تلك الفترة، وكان من بين هؤلاء الطامعين المستغلين راهب يدعى بطرس الناسك ساق 25 ألف مواطن من أوروبا تحت مسمى الحروب المقدسة ليلاقوا حتفهم على يد السلاجقة المسلمين ولم يعود منهم سوى 3 آلاف مقاتل بصعوبة بالغة.
كان بطرس الناسك يشتهر بفصاحة اللسان وبلاغته وأضاف عليه مظهره البسيط بحماره وعصاه وشعره المتطاير وجسمه الممتلئ قدراً من احترام وحب الناس، طاف أرجاء أوروبا يدعو الناس للحروب الصليبية لتخليص القدس من أيدى المسلمين فاستجاب له جمع غفير من الفقراء والمعدمين من فلاحى أوروبا الذين وجدوا فى تلك الدعوة مخلص لهم من آلامهم ومعاناتهم فى أوروبا فاصطحب الكثير منهم أطفاله ونسائه فيما عرفت بعد بحملة البسطاء، وتوجهوا للقتال غير مدربين على فنون القتال وأساليبه فتعاملوا بهمجية ووحشية وعاثوا فى البلاد التى مروا عليها فسادا، ونتيجة لهذه الفوضى الذى أشاعوها فى البلاد أمر الإمبراطور البيزنطى بنقلهم إلى الساحل الأسيوى عبر مضيق البسفور، بعد أن وعدهم بتوفير الحماية لهم عن مرورهم بأراضى الأتراك السلاجقة، ورغم تنبيه الإمبراطور عليهم بانتظار أوامره، إلا أن الحملة دخلت الأراضى التركية فهاجمهم الأتراك وهزموهم هزيمة ساحقة فعاد بطرس الناسك إلى القسطنطينية فى يأس طالباً نجدة الإمبراطور.
وأخذ السلاجقة يتعقبون فلول الحملة إلى داخل حدود الدولة البيزنطية وقضت قواتهم التى كانت أكثر عدداً وتنظيماً على معظم أفراد حملة الفقراء وأسرتهم، رغم ما وعدهم به بطرس النساك من حماية الرب لمسيرتهم.
وفى العصر الحديث ورغم العلم والتكنولوجيا والانفتاح العقلى لم يسلم الدين من الاستغلال فقد قام رجل يدعى جيم جونز فى عام 1956 بتأسيس طائفة دينية عرفت باسم كنيسة الشعب، وقد كان واحد من هؤلاء الذين سيطرت عليهم الأفكار الشيوعية، حيث إنه كان عضوًا فى الحزب الشيوعى الأمريكى، استطاع جونز ببلاغته أن يجمع الكثير من الأتباع فى وقت قصير كان يستغل حاجات من يدعوهم لينضموا إليه فحدث الفقراء عن الحياة الكريمة والمساوة بين الطبقات أما الأفارقة المعدمين كان يحدثهم عن العدالة والمساواة ونبذ الفرقة، لذلك لم يكن هناك استغراب أن نجد معظم أتباعه من الأفارقة والفقراء.
بعد 9 سنوات من تأسيس جماعته انتقل جونز مع أتباعه إلى ولاية كاليفورنيا، وبدأت فى التكاثر وأنشئوا العديد من المعابد، كان جونز الذى فضل أن يظهر للناس بمظهر الطاهر النقى المحب للسلام يدارى خلف هذا الستار رجل آخر يرى فى نفسه المسيح المخلص أو الإله ذاته.
ومع هذه الصفات التى امتلكها جونز لم يكن أتباعه يعصون له أمرا، كانوا يروا فيه المخلص للأزمات التى يعانون منها، والكوارث التى ستحل بالعالم، ولكن مع تدهور أحوالهم ، والمشقات التى عانوه فى رحلتهم وفى إقامتهم، فضلاً عن الأعمال الشاقة الذين كانوا مكلفين بها، رغب الكثير منهم فى المغادرة، لكن جونز لم يكن يسمح لهم بذلك أبداً.
وصل أمر تلك الجماعة لنائب فى الكونجرس الأمريكى يدعى (ليو رايان)، فاصطحب وفداً برفقته وطار إلى هناك ليقف على حقيقة الأمر، وحينما وصل هناك وصلت ورقة لأحد أفراد الوفد المرافق له مكتوب فيها أسماء الأشخاص الراغبين فى المغادرة ولكنهم خائفين من جونز، فقرر حينها ليو رايان أنه سيصطحب منهم الراغبين فى المغادرة، لكن لم يكن يمر الأمر بهذه السهولة، فقبل أن يرحل النائب والوفد المرافق له خرج عليهم مجموعة من المسلحين أثناء انتظارهم استقلال الطيارة التى ستقلهم إلى وجهتهم فقتل النائب وبصحبته خمسة أشخاص آخرين.
وأدرك جونز فى ذلك الوقت أنه هالك لا محالة، وأن الحكومة الأمريكية لن تتركهم بعد مقتل النائب قائلاً لهم "أتعلمون ما الذى ينتظركم عند نزول المظليين على أرضنا؟ سوف يعذّبونكم عذاباً شديداً، سيعذّبون أطفالنا الصغار أمام أعيننا وسيسلخون عجائزنا أحياء ونحن نسمع صرخاتهم وتأوّهاتهم، لم نسمح بحدوث هذا"، فأقنع أتباعه بأن عليهم جميعاً الانتحار وهذا هو الانتحار الثورى، وبالفعل قام قيادات الجماعة بحقن الأتباع بغاز السيانيد السام، وانتحر فى ذلك اليوم ما يقرب من 900 شخص ثلثهم من الأطفال، وانتحر بعدها جونز برصاصة فى رأسه.
الانتحار الجماعى لطائفة معبد الشعب
الحسن الصباح
الراهب بطرس الناسك
المقنع الخرسانى
بطرس الناسك يوجه حملة البسطاء
جيم جونز زعيم طائفة معبد الشعوب
قلعة الموت التى اتخذها الحسن الصباح مقراً له
هزيمة حملة البسطاء على أيد الأتراك السلاجقة
"التجارة بالدين" ظاهرة تاريخية.. المقنع الخرسانى ادعى الإلوهية وأمر الناس بالسجود إليه.. وزعيم "الحشاشين" بنى حديقة وزعم أنها الجنة.. وراهب خرج على رأس 25 ألف فقير للقتال فعاد بـ3 آلاف
الجمعة، 01 أغسطس 2014 06:21 ص
قلعة الموت التى اتخذها الحسن الصباح مقراً له
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود شوقى
أفة العصر
المتاجرة بالدين أفة كل العصور
عدد الردود 0
بواسطة:
على حسن
فتش عن الاخوان
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسين
وضيف .... الخ
عدد الردود 0
بواسطة:
حسام
الجهل يعمل أكتر من كده
عدد الردود 0
بواسطة:
عبودى
الحشاشين
زعيم الحشاشين ده واضح ان دماغه كانت متكلفة
عدد الردود 0
بواسطة:
فكرى محمد الفساخ
الدين افيون الشعوب
وسبب تخلف البلاد العربية هو الهوس الدينى
عدد الردود 0
بواسطة:
سماره العمده..
العلماء الربانيين !!!
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
ضيف ليهم الاخوان والسلفيين
ضيف ليهم الاخوان والسلفيين
عدد الردود 0
بواسطة:
عامر
تجارة الدين
عدد الردود 0
بواسطة:
محمودعبدالرسول
محنا قولنا دول خوارج