مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" ..الحلقة18..مبارك وأسرار مطبخ صفوت الشريف وكمال الشاذلى ..الشريف كان يقدم لمبارك تقريرا يوميا بخطوط سير الوزراء وعلاقاتهم العامة والخاصة
الأربعاء، 09 يوليو 2014 12:53 م
غلاف الحلقة
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى السنوات الأولى من حكم مبارك ظلت السياسة مرتبكة ومعها الاقتصاد، لم يفكر مبارك فى اقتحام المشاكل السياسية أو مواجهة الارتباك الاقتصادى، وأبقى على النظام السياسى والحزبى كما كان فى السنوات الأخيرة للسادات، ظل الحزب الوطنى هو المسيطر على الحياة السياسية، والمنفرد بالأغلبية البرلمانية، وتشكيل الحكومة، ولعب صفوت الشريف وزير الإعلام، وكمال الشاذلى ويوسف والى دورا مهما فى إقناع مبارك بخطورة أن يترك مساحة كبيرة للمعارضة، وأقنعوه بأن تبقى تحت السيطرة.
فى عام 1984 جرت الانتخابات البرلمانية، بالقائمة النسبية المشروطة، وفاز الحزب الوطنى بالأغلبية، بينما فاز تحالف حزب الوفد والإخوان بـ70 مقعدا، وهو ما أثار قلق الحزب الوطنى، ومبارك شخصيا، حيث أطاح بوزير الداخلية اللواء حسن أبو باشا، بعد أن حمله مسؤولية فوز شقيقه سامى مبارك على قائمة الوفد والإخوان، فضلا على خلافه مع رئيس الوزراء فؤاد محيى الدين، الذى مات فجأة فى مكتبه بأزمة قلبية فى 5 يونيو 1984.
ويقول الدكتور كمال الجنزورى إن صفوت الشريف وزير الإعلام ابتكر احتفال عيد الإعلام والإعلاميين، وحدد له يوم 31 مايو من كل عام، بدءا من 1984، وكان يدعو الرئيس فقط، ولا يدعو الوزراء غير من هم ضمن تحالفه وأصدقائه، وكان العيد مناسبة لتقديم فقرات فنية وأغانى صنعت خصيصا لمبارك، ويقول الجنزورى فى مذكراته: وقت الاحتفال كان الدكتور فؤاد محيى الدين مريضا فى نوبة قلب خطيرة، وعند علمه وهو فى منزله، أن الرئيس فى مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون بماسبيرو، ذهب فورا إلى مكان الاحتفال دون دعوة، ويشاء الله أن يتوفى الدكتور فؤاد محيى الدين بعد ذلك بأربعة أيام، وهو جالس على كرسيه بمكتبه فى مجلس الوزراء. كان صفوت الشريف يقنع مبارك بأنه فى هذا العيد يجب أن يكون وحده فى الصورة، لأنه الرئيس وراعى الإعلام.
رحل فؤاد محيى الدين، وعين مبارك الفريق كمال حسن على نائبا أول لرئيس مجلس الوزراء، وتولى الرئيس رئاسة الوزارة، واستمر هذا الأمر نحو 6 أسابيع ليشكل الفريق كمال على الوزارة فى 17 يوليو 1984 وانضم إليها عبدالهادى قنديل وزيرا للبترول، والدكتور عاطف عبيد وزيرا لشؤون مجلس الوزراء، والمهندس محمد عبدالوهاب وزيرا للصناعة، وتولى الجنزورى وزارة التخطيط والتعاون الدولى، بعد أن كان وزيرا للتخطيط، وتم الإبقاء على المشير أبوغزالة للدفاع، وأحمد رشدى للداخلية، بعد خروج أبوباشا، الذى شغل وزير الحكم المحلى، وهى وزارة كانت بلا مهام.
وفى حين بدأت سنوات مبارك الأولى بتحالفات الحزب الوطنى وبقايا منظمة الشباب على السياسة، بقيت المشكلة الاقتصادية قائمة، بلا حديث عن التحرر السياسى، ولم تكن السياسات الاقتصادية واضحة، تضاعفت أعداد العاطلين من نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، توقف دور الدولة فى تعيين الخريجين فى الحكومة والقطاع العام، لمواجهة ما سمى بظاهرة البطالة المقنعة، لكن وقف التعيينات فى الدولة لم يقابله تغيير النشاط الاقتصادى لضمان اتساع الاستثمارات، وبدأت تتزايد ظاهرة توارث الوظائف فى الجامعات والبنوك والخارجية، وكان الحديث يدور علنا حول الاتجار فى قبول الطلاب بكليات الشرطة، وأحيانا النيابة، وحتى فى الوظائف العادية كـ«الفراشين والسائقين».
احتفظ حسنى مبارك بكل الأنظمة الاقتصادية فى نظام واحد، فالدعم استمر من الستينيات والسبعينيات، وسياسة الانفتاح الاقتصادى، التى بدأها الرئيس السادات وتركزت فى الاستيراد، ولم توفر استثمارات وفرص عمل باستثناء تجارة الشنطة، والصناعات الاستهلاكية قليلة العمالة. مبارك بدأ فترة حكمه بالدعوة لعقد مؤتمر اقتصادى جمع له كل الخبراء من كل التيارات والاتجاهات، أخذ ببعض التوصيات عن وقف البطالة المقنعة، ولم يأخذ بالباقى ومنه توسيع الاستثمارات فى الصناعات كثيفة العمالة. كانت توصيات المؤتمر الاقتصادى دعت لإعادة النظر فى نظام الدعم الذى لا يصل إلى مستحقيه، وتعديل النظام التعليمى حتى يتماشى مع السوق واحتياجاته، والربط بين التحرر الاقتصادى والتحرر السياسى، إلا أن التوصيات تم وضعها فى الأدارج، أو أخذ بعضها وترك الآخر، فلم يتم تحرير الاقتصاد تماما، ولم يتم تحرير السياسة نهائيا، وتم الاعتماد على نظام شبه موجه وشبه رأسمالى.
وبقى النظام الاقتصادى مع تولى حسنى مبارك الحكم خليطا من الاشتراكية والرأسمالية، يجمع من كل اتجاه قطعة، فى خليط يصعب الإمساك بقوانينه الحاكمة، بقى الدعم جزءا من التركيبة الأمنية، أكثر منه أداة اقتصادية لتوزيع العدالة الاجتماعية، وتوزيع الأعباء بين الفئات المختلفة، واحتفظت الحكومات المتوالية بالدعم مع الاعتراف دائما بأنه لم يكن يصل إلى مستحقيه وأن سوء توزيع الخدمات جعل من الصعب تبين شكل النظام.
كان قانون الاستثمار والمناطق الحرة قد صدر فى عام 1975، وبدأت عملية الانفتاح التى تركزت على الاستيراد، وهو ما تعرض لانتقادات كثيرة من خبراء الاقتصاد، الذين اعتبروه انفتاحا «سداح مداح»، وتولى مبارك الحديث عن الانفتاح الإنتاجى، بحيث يتم استيراد المواد الخام أو المنتجات نصف المصنعة ليتم تقفيلها فى مصر لتضاف إليها قيمة إنتاجية، والحديث عن اقتصاد السوق يتزامن مع الحديث عن إعادة النظر فى القطاع العام. كانت أراء الاقتصاديين من أنصار الاقتصاد الحر، ترى ضرورة التخلص من القطاع العام بكل ما فيه من مصانع وشركات وهيئات، وأن تنقل ملكيته وإدارته إلى القطاع الخاص، ولم يضع هؤلاء فى نظرهم مستقبل ملايين العمال والموظفين فى القطاع العام والحكومة. كانت هذه الأفكار متزامنة مع «مدرسة التاتشرية» نسبة إلى مارجريت تاتشر، رئيس وزراء بريطانيا، التى فازت أول مرة فى الانتخابات العامة 3 مايو 1979، وأعلنت عن سياسات حملت اسمها، ونسختها الدول الاشتراكية الخارجة من الحكم الشمولى، كانت تعتمد على الخصخصة، وتخفيف الضوابط، وتخفيض الضرائب، والتخلص من قيود صرف العملات، وإضعاف سلطة النقابات العمالية، والاحتفاء بتوليد الثروة بدلاً من توزيعها.
كانت تاتشر قد بدأت الخصخصة أوائل الثمانينيات، وفرنسا برئاسة فرانسوا ميتران، تندفع نحو التأميم الشامل للبنوك والمجموعات الصناعية، لكن ميتران اضطر فى 1982 إلى العودة عن سياسته، وأصبح من دعاة الخصخصة التى انتشرت كعدوى فى أوروبا الشرقية، والهند، والاتحاد السوفيتى، و بعد 20 سنة واجه الاقتصاد البريطانى مشاكل عميقة، وعادت السياسات التى كانت تاتشر تعارضها مثل التأميم، وزيادة الضرائب.
«التاتشرية» لم تكن بعيدة عن أفكار بعض الاقتصاديين فى مصر، وكانت الأفكار التى تدور فى العالم تتردد فى مصر، وعندما تولى الفريق أول كمال حسن رئاسة الوزراء بعد وفاة الدكتور فؤاد محيى الدين، كان الصراع على أشده، بين أنصار الاقتصاد الحر، وأنصار الاقتصاد الاشتراكى، وسجل كمال حسن على فى مذكراته أن قضية الدعم كانت أخطر قضية تواجه حكومته، لأنها تكلف الدولة ملايين، ولم يذهب لمستحقيه، وكان يتحول بطرق غير مشروعة إلى تجارة سوداء يستفيد منها عدد محدود من المستغلين، وبدأت وزارة كمال حسن على التفكير فى خفضه طبقا لتوصيات المؤتمر الاقتصادى، لكن الحقيقة أن مبارك، بناء على تقارير أمنية وتوصيات الحزب الوطنى، أبقى على الدعم، من دون أن يطوره، والنتيجة أنه كان يكلف الموازنة مليارات لا تصل إلى المواطنين، وتصب فى جيوب الأثرياء، وسوف تظل هذه القضية معلقة طوال حكم مبارك.
يروى كمال حسن على جانبا من الجدل الذى كان دائرا حول التعليم والمجانية، وينقل نقاشا دار فى النادى السياسى للحزب الوطنى، وكان الدكتور حمدى السيد، عميد كلية الطب والقيادى بالحزب الوطنى، يقول: إن الطالب فى كلية الطب يدفع 6 جنيهات مصروفات والكلية تدفع 11 جنيها، وأن هناك 5 آلاف سيارة فارهة فى الكلية، واعتبر هذا تناقضا يدعو إلى إعادة النظر فى مجانية التعليم بحيث لا يتجه الدعم للأغنياء، وكان كمال حسن على، رئيس الوزراء، قد داخل النادى السياسى للحزب الوطنى ومعه الدكتور حمدى السيد وغيرهما مع إعادة النظر فى مجانية التعليم، بينما كان الدكتور رفعت المحجوب يرى أن الاقتراب من مجانية التعليم خطر، وأنها حق دستورى مقدس لا يجوز الاقتراب منه، وطلب المحجوب من حمدى السيد أن يصمت، لكن كمال حسن على، رئيس الوزراء، رفض منع حمدى السيد من الكلام، وقال: إن الدستور ليس قرآنا مقدسا، وأن تغييره مطلوب حسب الحاجة.
كان كمال حسن على من تيار يرى أن مجانية التعليم انتهت فى مصر، وأن أولياء الأمور يدفعون للدروس الخصوصية الكثير، واعترف هو شخصيا بأنه يدفع لابنته فى الجامعة الآلاف فى الدروس الخصوصية، وتساءل : أليس الأجدى أن ندفع هذه الأموال لتحسين التعليم الجامعى، وتطوير مستوى الكليات والجامعات، بدلا من أن يبقى المستوى التعليمى قائما على الدروس الخصوصية.
كانت تلك المناقشات تعكس حيرة ظلت قائمة فى نظام مبارك الذى لم يحسم موقفه من النظام التعليمى ولا من القطاع العام، فهو نظريا لم يلغ المجانية ولا الدعم، وعمليا كان التعليم يتراجع والفقراء لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا حيال التعليم، وكانت مجانية التعليم لا تعنى تطويرا حقيقيا أو تكون تعليما ينتهى إلى تخريج شباب قادر على العمل والتطوير وشغل المناصب العليا.
والأمر نفسه فيما يتعلق بالقطاع العام، فهو تحدث عن عدم بيعه أو الاقتراب منه، مع تطويره، وفى الوقت نفسه بعد سنوات، تسامح فى بيع بطريقة عشوائية لم تخل من فساد.. ففى خطابه فى عيد العمال بعد توليه، قال مبارك: إن القطاع العام حجر الزاوية فى عملية التنمية وقلعة الصناعة الوطنيه، ويكفى أن نذكر أنه حقق فى العام الماضى إنتاجا بلغت قيمته 3968 مليون جنيه بزياده قدرها %13 عن الأهداف المقررة، وأضاف: «يجب أن يكون واضحا أن تدعيم القطاع العام وزيادة إمكاناته وقدراته هو خط أساسى ثابت فى أى إصلاح اقتصادى، ولا يمكن المساس بهذا المرفق الحيوى.. وإذا كانت هناك مشاكل وسلبيات يعانى منها، فإن العلاج له مزيد من الدعم والتطوير والرعاية»، كانت تلك رسالة أولى يعلنها مبارك، ليؤكد أن القطاع العام جزء من استراتيجية البلد.
لكن السنوات التى تلت ذلك بداية من عام 1985 وما بعدها، ظل الحديث عن القطاع العام والقطاع الخاص متناقضا، بين دعاوى تنادى بضرورة التخلص من القطاع العام الذى يمثل عبئا على الموازنة ولا ينتج عائدا، وتداخل الحديث عن مكافحة الفساد والبيروقراطية داخل القطاع العام، وبين إنهاء وجوده وبيعه وتصفيته، وكانت الأفكار غير واضحة فيما يتعلق بالتعامل مع القطاع العام والخاص، وظلت الرواتب والدخول والمعاشات ثابتة، بينما أسعار السلع والخدمات ترتفع حسب قوانين السوق التى تعطلت فى جهات وعملت فى جهات أخرى.
ذهب كمال حسن على، وجاء على لطفى، ولم تكن عملية اختيار الوزراء والمسؤولين بعيدة عن الحزب الوطنى، والتركيبة التى بدأت تنمو على سطح نظام مبارك، فهو صاحب القرار الأول والأخير، لكن هناك روافد مختلفة تمده بالمعلومات والتقارير، وتضع الخطط وتمارس التآمر لضمان استمرار تحالفها، وضمن عدد من رجال الاتحاد الاشتراكى والتنظيم السياسى الواحد فى عهد عبدالناصر، كلاهما بقيا من أعمدة نظام مبارك، قادمين من نظام السادات، ومن الجيل الذى ارتبط فى شبابه بالاتحاد الاشتراكى، التنظيم السياسى الواحد فى عهد
عبدالناصر، ونصف عصر السادات، واستمرا داخل النظام مرتبطين بحزب مصر ثم الحزب الوطنى مع السادات، ثم مبارك، ومثل صفوت الشريف ويوسف والى وكمال الشاذلى، شهدت السنوات الأولى من حكم حسنى مبارك استمرارا وتصعيدا لكبار رجال الاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعى، ومنظمة الشباب التى كانت هى المصدر الأساسى لمد نظام مبارك بالكوادر السياسية، وكون هؤلاء فيما بينهم تحالفا غير مكتوب، مارسوا من خلاله بقدر كبير عملية فرض السياسات والمسؤولين وإبقائها فى سياق الإدارة السياسية والاستقرار فى السلطة، من دون مواجهة حقيقية أو سياسات واتجاهات واضحة للاقتصاد والسياسة.
ومن الشخصيات التى لعبت دورا مهما فى نظام مبارك خلال سنواته الأولى، كان الدكتور رفعت المحجوب الذى لعب دورا محوريا داخل الحزب الوطنى خلال الفترة الأولى من حكم مبارك، وجزء من الفترة الثانية، وعلى المستوى السياسى والشعبى كان صفوت الشريف وكمال الشاذلى اللذان لعب كلاهما دورا فى تحالف السلطة والسياسة، وكان الشاذلى أحد الذين صعدوا بقوة فى نظام مبارك، حتى قبل أن يصل إلى منصب أمين تنظيم الحزب الوطنى، فقد استغل كمال الشاذلى علاقاته مع الاتحاد الاشتراكى وبدأ فى تكوين شبكة من كوادر الحزب الوطنى فى المحافظات، استخدمها على أنها لخدمة الحزب والرئيس، الأمر الذى منحه مكانة قريبة، متحالفا مع صفوت الشريف وزير الإعلام الذى كان الوزير الوحيد الذى يقدم لمبارك تقارير يومية بتحركات كل الوزراء والمسؤولين والمعارضة والأحزاب، وملخص مركز لكل ما يجرى فى البلد، ومثل الشريف والشاذلى كان هناك كثيرون من نخبة تربت داخل التنظيم السياسى، كانت تختزن خبرات سياسية وتنظيمية، داخل الجامعات، وسوف تلعب أدوارا مهمة فى رسم شكل النظام السياسى، وتدعيم سلطة مبارك السياسية، مقابل استمرار مصالحها داخل السلطة، ومن هؤلاء كانت أسماء مثل: الدكتور فتحى سرور، والدكتور مفيد شهاب، والدكتور على الدين هلال، والدكتور حسين كامل بهاء الدين.
ولد صفوت الشريف عام 1933، وهو ضابط مخابرات عمل مع صلاح نصر، وكان مسؤولا عن التجنيد، وجرت محاكمته عام 1968 فى قضية انحراف المخابرات فى عهد صلاح نصر وبعض من أفراد الجهاز، لكنه خرج بشكل أقوى مما كان عليه. غادر المخابرات وانضم للاتحاد الاشتراكى، وإلى حزب مصر مع السادات، ثم انتقل معه إلى الحزب الوطنى عام 1977 وتولى رئاسة الهيئة العامة للاستعلامات، إحدى الهيئات التى كانت تجمع بين العمل الدبلوماسى والإعلامى والاستخبارى ثم وزارة الإعلام منذ حكومة فؤاد محيى الدين، وكانت هذه التحالفات الحزبية بتنويعات مختلفة، تصدر الصف الثانى المناصب، من خلال شبكة علاقات بين أطراف مختلفة داخل دولاب البيروقراطية، والتنظيم السياسى، وأجهزة الأمن، والقضاء والجامعة، لتشكل البنية الأساسية لنظام مبارك.
ولم تخل عملية اختيار رؤساء الوزارات والوزراء من مصادفات، وظلال لتحالفات حزبية من الدائرة التى تحلقت حول مبارك، وشهدت السنوات الأولى لحكم مبارك ارتباكا فى اختيار الحكومات ورؤساء الوزارات، فقد تولى الفريق كمال حسن على رئاسة الحكومة بعد وفاة الدكتور فؤاد محيى الدين، لكنه خلال عام واحد تقريبا، استقال لأسباب صحية، بعد أن اشتد عليه مرض «الروماتويد»، وأجرى عدة عمليات، وقرر مبارك وقتها اختيار الدكتور كمال الجنزورى وزيرا للتخطيط فى حكومة كمال حسن على رئيسا للحكومة خلفا له، وأصدر القرار بالفعل، واتصل بالجنزورى، ثم تراجع عن القرار خلال ساعات واختار الدكتور على لطفى لرئاسة الحكومة، التى كانت هى أيضا واحدة من أقصر حكومات مبارك عمرا، ويقول الدكتور كمال الجنزورى: فى 1 سبتمبر 1985 وصلنا إلى نهاية حكومة الفريق كمال حسن على، وكان الرئيس فى برج العرب، وفوجئت بمكالمة منه، حيث سألنى «تفتكر مين يخرج من الوزارة؟!».. كانت مفاجأة بسبب حداثتى، فقلت: إنها مفاجأة، وهذا أمر مهم يحتاج إلى تفكير، و فى مساء اليوم التالى أى يوم 2 سبتمبر 1985، طلبت الرئيس وعرضت بعض الأسماء التى يمكن أن تدخل الوزارة، واستقالت حكومة الفريق كمال حسن على يوم 3 سبتمبر 1985، وتشكلت وزارة جديدة برئاسة الدكتور على لطفى، بعد ذلك بشهرين كنا فى المطار، واقترب منى السيد جمال عبدالعزيز سكرتير الرئيس، وقال: «المرة القادمة إن شاء الله».
قلت: على ماذا؟
فقال: لقد طلبك الرئيس من برج العرب وأنت فى القناطر وقال: لنذهب إلى القاهرة لنغير الوزارة واختارك رئيسا للوزراء.
ويقول الجنزورى: عجبت وقلت له: وماذا غيَر الأمر؟!
فقال: بسبب اعتراض أحد الكبار وأشار بيده إلى الأخ العزيز والصديق المشير أبوغزالة، لهذا حرص الرئيس على أن يأتى أحد الأشخاص الأقدم، لكن ما لم يعلمه الجنزورى أن اختياره رئيسا للوزراء قوبل باعتراضات من أشخاص مثل: صفوت الشريف والدكتور رفعت المحجوب وكمال الشاذلى، وعدد من كبار قيادات الحزب الوطنى، الذين قالوا لمبارك: إن الجنزورى من خارج الحزب الوطنى، واقترحوا عليه الدكتور على لطفى الذى كان رئيس اللجنة الاقتصادية للحزب الوطنى.
كان الدكتور على لطفى وزيرا للمالية عام 1978 ورئيسا للجنة الاقتصادية بالحزب، ويقول الجنزورى: إن اللجنة الاقتصادية كانت تجتمع أسبوعيا وبانتظام. ويرسل الدكتور على للرئيس مبارك كل أسبوع ورقة عن الاجتماع بها موضوعات بعناوين جاذبة تدعو إلى الشعور بأهميتها، وأمر ثالث، كان هناك لقاء مع الرئيس لمجموعة كبيرة من الوزراء والوزراء السابقين لبحث مشكلات تواجه الجهاز المصرفى، وتحدث فى ذلك اليوم الدكتور على لطفى بتوفيق كبير... وأخيرا كان هناك تأييد من الدكتور مصطفى خليل رئيس الوزراء الأسبق للدكتور على لطفى، الذى كان معه وزيرا للمالية.
وقد تكرر هذا الأمر مع الدكتور كمال الجنزورى الذى كان أكثر مرشح لرئاسة الحكومة ويتم استبعاده، ويقول: إنه بعد أن قرر الرئيس انتهاء صلاحية وزارة الدكتور على لطفى، طلب منى تشكيل الوزارة، واعتمد قرار التكليف، وطلب من كل من الدكتور مصطفى الفقى والسيد جمال عبدالعزيز الحضور إلى مقر الرئاسة الساعة السادسة والنصف مساء 11 نوفمبر 1986. إلا أن الذى حدث أن تدخل كل من الدكتور رفعت المحجوب، والدكتور يوسف والى، والدكتور أسامة الباز محذرين من صعوبة التعامل معى واتخاذ القرار دون الرجوع للرئيس، وأننى كمرؤوس لست سهل الانقياد.
ويشير الجنزورى هنا إلى وجود تحالف داخل النظام كان يحمل ضد الجنزورى مشاعر سلبية، تبدو أنها تراكمت خلال سنوات، فقد كان الجنزورى يبدو على غير وفاق مع مجموعات الحزب الوطنى، وقال أكثر من مرة إنه لم يكن ضمن كوادر الحزب الوطنى، وعندما طلب منه مبارك الترشح عام 1984 على قوائم الحزب الوطنى، أصر على أن يترشح فى دائرة الباجور فى المنوفية، وكانت حكرا على كمال الشاذلى، وهو ضمن دائرة الحزب الوطنى المسيطرة، وبالطبع حمل له كمال الشاذلى ذلك بالرغم من موافقة مبارك على ترشحه فى الباجور، كما كان على غير وفاق مع فؤاد محيى الدين رئيس الوزراء حتى رحيله، فضلا على اصطدامه مرات مع صفوت الشريف وزير الإعلام، وكلها كانت عوامل جعلته خارج الدائرة الضيقة المحيطة بمبارك، فضلا على أنه كان يتعامل بقدر من الرسمية مع الشلة الأصلية للحزب الوطنى، وكان على غير وفاق مع الدكتور مصطفى السعيد الذى دخل الوزارة باعتباره من الحزب الوطنى وقريبا من فؤاد محيى الدين، وخرج من الوزارة بعد تفجر قضية تجارة العملة وسامى على حسن، وبقى ضمن اللجنة الاقتصادية للحزب الوطنى التى كانت ضمن فريق محيط بمبارك، ولهذا رشحوا على لطفى لرئاسة الوزراء، باعتباره كان ضمن اللجنة الاقتصادية وأقرب لفريق الحزب الذى بدأ يتصاعد نفوذه، كما كان الدكتور رفعت المحجوب أحد القيادات الكبرى ذات الصوت المسموع داخل النظام، لكن الجنزورى كان فى الوقت نفسه كثيرا ما يتعامل بخشونة وفردية، وكان قربه من المشير عبدالحليم أبوغزالة من بين الأسباب التى استغلتها شلة كمال الشاذلى وصفوت الشريف، الذى كان هو أول من يتصل بمبارك فى الصباح ليقدم له التقرير حول كل وزير أو مسؤول، وكانت له طرقه الخاصة فى الحصول على خطوط سير المسؤولين حتى اللقاءات الخاصة والعلاقات، وهو أمر كان يجعل مبارك على اطلاع بتفاصيل صغيرة فيما يخص المسؤولين.
كلف حسنى مبارك الدكتور على لطفى رئيسا للوزراء فى 4 سبتمبر 1985 ليستمر فيها حتى 9 نوفمبر 1986، وقد تم تكليف الدكتور لطفى من الرئيس مبارك بتشكيل الحكومة وهو فى طريقه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وروى هو نفسه أنه تلقى تليفونا فى الولايات المتحدة طلب منه فيه مبارك العودة، وكانت أول وزارة فى تاريخ مصر تشكل فى الطائرة، لتبدأ مرحلة من أخطر مراحل الارتباك الاقصادى فى عهد مبارك والتى ستترتب عليها نتائج تستمر حتى سنوات مبارك الأخيرة.
◄ مبارك الفرعون الأخير .. الحلقة الأولى:كيف تصرف مبارك فى اليوم التالى للتنحى؟..طلب الاتصال بالنائب والمشير.. وانقبض من مشهد الأفراح فى الشوارع.. وتذكر شاوشيسكو وصدام وقال بلدنا مش كده
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الثانية:قال لأوباما: أنت لا تعرف وبعدها سأل نفسه:من يكون هذا الشعب ولماذا ثار ضدى؟..عندما سقط الإخوان اعتبره تحقيقا للنبوءة..وأصيب بأزمة بعد تأكده أنه متهم
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الثالثة.. رحلة أجداد مبارك من البحيرة إلى المنوفية.. قصة صاحب الكرامات..عبد العزيز باشا فهمى توسط لتوظيف والده حاجبا.. وأدخل مبارك الكلية الحربية
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الرابعة..قصة مبارك وعبد الناصر..دخل مبارك الكلية الحربية عام 1947 بوساطة المحامى الشهير عبدالعزيز باشا فهمى وبعد عامين دخل الطيران
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الخامسة..مبارك وسوزان الطريق للسلطة..ليلى والدة سوزان البريطانية رفضت خطبة حسنى لابنتها ثلاث مرات بسبب فرق السن والمستوى الاجتماعى
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة السادسة.. قصة أسر العقيد حسنى مبارك فى المغرب.. السادات قال لمبارك بعد عودته من الاتحاد السوفيتى: أنت طلعت عُقر.. وهيكل أشار لمشاركته فى اغتيال زعيم المهدية
مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة السابعة.. المخابرات الأمريكية كانت تحتفظ بفيديو عن مبارك وزوجته سوزان وقال باحث أمريكى زوجته الإنجليزية سبب اختياره .. كيف فضل السادات مبارك
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الثامنة.. مبارك وأبوغزالة.. أسرار الحرب الخفية والإطاحة بالمشير.. خطط مبارك للتخلص من المشير بعد ظهور اسمه مرشحا للرئاسة فى أول اجتماع بعد اغتيال السادات
◄مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة التاسعة.. مبارك يطيح بأبوغزالة بضربة قاضية..صفقة مبارك وحسين سالم لتصدير 10 آلاف حمار للمشاركة فى الحرب بأفغانستان ضد السوفيت
◄مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة العاشرة.. مبارك خطط للإطاحة بمنافسه منصور حسن وقال له: ماتبقاش تلعب معايا تانى..تقرير المخابرات الإيطالية عن مبارك أثار غضب السادات فقال: حسنى بيلعب
◄مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة 11..مبارك وأشرف مروان..عندما هدد مروان: مبارك لا يمكنه منعى من دخول مصر.. أنا ..مبارك تقدم جنازة أشرف مروان وحرص على تبرئته من تهمة الجاسوسية
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة 12.. لماذا أصر مبارك على سجن الفريق الشاذلى؟..مبارك غير صور حرب أكتوبر بالفوتوشوب ووضع نفسه مكان الشاذلى.. وابنة الفريق اتهمته بالتزوير
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة 13.. مبارك واغتيال أنور السادات..مبارك قال: علاء أصيب بفقدان وعى أمام التليفزيون وجمال أخذوه من أمامى بالمنصة بعد إطلاق الرصاص
مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة 14.. مبارك وأبوباشا ومعركة عيد الأضحى فى أسيوط..عقب اقتحام مديرية أمن أسيوط وقتل 106 أفتى عمر عبدالرحمن لعناصر التنظيم بصوم 60 يوماً كفارة لعدم مشورته
مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة 15..كيف أقنع فؤاد محيى الدين مبارك برئاسة الحزب الوطنى.. ظهر فى صورة الرئيس المتواضع.. يرتدى ملابس سفارى صناعة مصرية وأمر بعدم نشر التهانى فى الصحف
مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" .. الحلقة 16 ..الرئيس الأسبق يستسلم لمؤامرات فؤاد محيى الدين.. عندما قال مبارك ليحيى الجمل: «أول مرة أعرف إن الشيوعيين بيصلوا»
مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" ..الحلقة 17.. أسرار حرب مبارك..القصة الكاملة للإطاحة بوزير الداخلية أبوباشا من أجل الحزب الوطنى..مبارك «شخط» فى وزير الداخلية: سامى أخويا مش هيدخل مجلس الشعب
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة