د. مصطفى الفقى يكتب: الدول لا تعيش على الإعانات والقروض.. والشعوب لا تأكل شعارات وطنية أو وعودا براقة.. وعلاج مشكلاتنا يحتاج إلى دواء مر

المفترض تاريخيا هو أن الثورات الشعبية تسعى بعد خمود نيرانها إلى الاتجاه نحو برنامج إصلاحى طويل المدى يقوم على الرؤية البعيدة، وتتصور الشعوب- وهمًا- أن النهضة والرقى سوف يسعيان إليها على طبق من فضة، وهذا تفكير واهم وتصور مغلوط، إذ إن الذى يحدث هو أن الشعوب التى خرجت من رحم المعاناة والتى تمثلت فى القهر والعوز أى الاستبداد والفساد تكون محتاجة إلى تضحيات جديدة ولكن من نوع مختلف إذ إن «فاتورة الإصلاح» غالية كما أن «روشتة النهوض» عالية التكلفة فهى بحق كالدواء المُر، فإذا أردت أن تنقذ الاقتصاد وهو يكاد يحتضر فى غرفة الإنعاش فإن عليك القيام بتغييرات جذرية تتناول قضايا الدعم السلعى والخدمى فى محاولة للوصول بالسلعة أو الخدمة لسعرها الحقيقى، وهو أمرٌ صعب خصوصا على الطبقات الفقيرة وأصحاب الشرائح الدنيا من الدخل.

ولعل الحالة المصرية هى نموذج لذلك، فقد أفرط المصريون فى التفاؤل وارتفع سطح توقعاتهم من الرئيس الجديد لكى يصبح بغير حدود وكأن لديه «عصا موسى» أو هو صانع المعجزات والأمر ليس كذلك على الإطلاق، فثورات «الربيع العربى» خلفت من ورائها مشكلات وأزمات وقضايا معقدة تكاد تطيح بالمعنى الحقيقى لتلك الثورات ولتجعلها بحق ثورات ذات أشواك ولا تعرف الورود والزهور، وهنا تظهر المعادلة الصعبة أمام الحكام الجدد الذين جاءوا فى أعقاب الثورات، فالجماهير تطلب منهم ما لا يستطيعون وتتوقع أن يأتى على أيديهم الرخاء المفاجئ والجنة الواعدة، وهذا غير ممكن على الإطلاق، فالدول لا تعيش على الإعانات والقروض، والشعوب لا تأكل شعارات وطنية أو وعودا براقة أو أحلاما وردية، وهنا تكمن المعضلة ويظهر جوهر المشكلة!