استمع أعضاء "الديوان" فى آخر اجتماع له، إلى آخر رسالة تُليت عليه وكانت من الجنرال"منو" القائد الثالث لـ"الحملة الفرنسية"، وأوصى فيها بزوجته السيدة "زبيدة "، وأبدى أسفه لوفاة "مراد بك"، وأطرى فضائله وعزى الست "نفيسة خاتون" زوجته، وقال إن جيوش الجمهورية الفرنسية انتصرت فى أوربا، وعما قريب ستنتصر فى مصر، وختم رسالته بدعوته إلى الله تعالى "أن ينعم عليكم وعلى عيالكم فى الأيام بالبشرى والإقبال"، ووقع عليها باسم "عبد الله جاك منو"، كان اجتماع الديوان فى مثل هذا اليوم "6 يوليو 1801"، وكان الأخير فى عمره الذى بدأ يوم 25 يوليو 1798 بقرار من نابليون، وبعد مرور 25 يومًا من غزوه لمصر.
كانت رسالة "منو" حدثًا طريفًا فى سياق انعقاد اجتماع "الديوان"، حيث أرسلها وهو فى الإسكندرية يحارب الجيش الإنجليزى والعثمانيين، بينما كانت المفاوضات تتواصل فى القاهرة من أجل جلاء قوات الحملة الفرنسية عن مصر، وفى يوم 27 يونيو 1801 تم توقيع اتفاق رحيلها، وعقد "الديوان" اجتماعًا كجلسة وداع، ويقول المؤرخ "عبد الرحمن الرافعى" فى كتابه "تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر" الجزء الثانى، إن الفرنسيين أظهروا تلطفًا كبيرًا مع أعضاء الديوان، وجاملهم الأعضاء كذلك فى جوابهم، وأنه من غرائب المصادفات، أن الجنرال "منو" كان يجهل توقيع الصلح، وكان يظن وهو فى الإسكندرية أن الحرب مستمرة، فأرسل رسالته إلى أعضاء الديوان قبل انعقاد آخر جلسة، وتليت على مسامع الأعضاء، رغم أنها صارت لغوًا بعد التوقيع على الصلح.
طويت بهذه الجلسة قصة الديوان الذى مر بدورين، يشرحهما "الرافعى" على نحو، أنه بدأ بتأسيس نابليون لـ"ديوان القاهرة"، وتألف من تسع أعضاء، وديوان فى كل مديرية، ثم أسس ديوانًا عامًا، وهو هيئة تتألف من مندوبين يمثلون القاهرة وسائر مديريات القطر المصرى، ولم يجتمع الديوان العام إلا مرة واحدة فقط.
أما الدور الثانى فجاء بعد ثورة القاهرة الأولى "أكتوبر 1798"، حيث أبطل نابليون ديوان القاهرة عقابا لأهلها على ثورتهم، ثم بدا له بعد إخماد الثورة أن يعيده على نظام جديد فى ديسمبر عام 1798، فجعله من هيئتين "الديوان العمومى"، وهو مؤلف من 60 عضوًا يمثلون سكان القاهرة على اختلاف طبقاتهم، و"الديوان الخصوصى"، من أربعة عشر عضوًا ينتخبهم أعضاء الديوان العمومى، أما دواوين الأقاليم فبقى نظامها كما وضعه نابليون.
استمر هذا النظام متبعًا فى جملته طوال عهد كليبر، أى بعد مغادرة نابليون مصر عائدًا إلى فرنسا، وتولى كليبر قيادة الحملة، وجرى وقف العمل بنظام "الديوان" بعد إبرام معاهدة العريش، واستمر موقفه مع ثورة القاهرة الثانية حتى مقتل كليبر، وبعد أن خلفه "منو" أعاد الديوان على نظام جديد إذ جعله هيئة واحدة مؤلفة من تسعة أعضاء ووسع فى اختصاصه.
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 6 يوليو 1801.."منو" يوصى بزوجته "زبيدة" فى جلسة وداع "الديوان" ويدعو لأعضائه بالنعيم عليه وعلى "عيالهم"
الأحد، 06 يوليو 2014 07:59 ص