فضيلة المفتى د. شوقى عبدالكريم علام يكتب: خطابنا الدينى فى رمضان «2» هذا الخطاب عليه أن يستقى من معانى الشهر الكريم ما يعود على المسلمين بالنفع والمثوية

السبت، 05 يوليو 2014 08:35 ص
فضيلة المفتى د. شوقى عبدالكريم علام يكتب: خطابنا الدينى فى رمضان «2» هذا الخطاب عليه أن يستقى من معانى الشهر الكريم ما يعود على المسلمين بالنفع والمثوية فضيلة المفتى د. شوقى عبدالكريم علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مما لا شك فيه أن الصيام من أعظم أسباب تطهير النفوس من أدرانها، وتزكيتها بتهذيب أخلاقها، وتنقيتها من عيوبها، مع ما فيه من إصلاح القلوب وترقيقها، وزرع التقوى فيها وتقوية خشيتها من خالقها وبارئها. قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ»، فبين سبحانه وتعالى أن الحكمة من فرض الصيام هى تحقيق التقوى؛ فالتقوى كلمة جامعة لكل خصال الخير من فعل الطاعات، وترك المعاصى والسيئات، والحذر من مزالق الشهوات، واتقاء الشبهات. كما أن للصوم أثرًا واضحًا فى الإعانة على التقوى، فإنه يلين القلب ويذكره بالله، ويقطع عنه الشواغل التى تصده عن الخير أو تجره إلى الشر، ويحبب إلى الصائم الإحسان وبذل المعروف؛ وهذا ما يتضح من مشاهدتنا لتسابق معظم الصائمين إلى الخيرات، وبعدهم عن المحرمات والشبهات، وتنافسهم فى جليل القربات.

نحن اليوم فى أيام رمضان المباركة ننعم فيها بمزيد من الطاعة لله عز وجل، من خلال قراءة القرآن والصلاة والذكر والدعاء والزكاة والتكافل وصلة الأرحام كل ذلك ممزوج بتقوى الله عز وجل، والخطاب الدينى فى رمضان يختلف عن غيره فى غير رمضان، فهذا الشهر هو موسم الطاعات والعبادات والتقرب إلى الله، وهو مناسبة للناس من أجل التقرب إلى الله، وعليه فالخطاب الدينى فيه يختلف عن غيره فينبغى تكثيف الجرعات الإيمانية والأخلاقية لأن النفوس فى رمضان عندها من الاستعداد والتقبل لأخذ هذه الجرعات فيه من غيره.

فعليه أن يبين للناس أن تقوى الله هى سفينة النجاة يوم القيامة علاوة على أنها سفينة النجاة فى الدنيا أيضًا، وأنها التزام طاعة الله وطاعة رسوله، وأنها التزام بأداء ما فرض الله واجتناب ما حرم الله سبحانه وتعالى، فمن التزم بها كان من أحباب الله وأحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» ولقول النبى صلى الله عليه وسلم فى مسند الإمام أحمد: «إن أولى الناس بى يوم القيامة المتقون من كانوا وحيث كانوا».

فهذا الخطاب الدينى عليه أن يستقى من المعانى العظيمة فى الشهر الكريم ما يعود على المسلمين فى أمور دينهم وحياتهم بالنفع والمثوبة، هذا الخطاب لا ينبغى أن يكون خطابًا سطحيًّا أو خطابًا عفويًّا بقدر ما يكون خطابًا عميقًا يحمل من الفكر واستقراء الأحداث والوقائع ما ينفع المسلمين، وإذا كان رمضان موسمًا للطاعات وفيه من الدروس ما تستحق التوقف عندها، فلا بد لهذا الخطاب أن يقرأ الأحداث بل ويستنطقها، ولعلنا اليوم قد توقفنا عند قيمة التقوى لما لها من قيمة عظيمة فى نفوس المسلمين.

هذه التقوى التى تحث على حفظ النفس مما يؤثم، وذلك بامتثال الأوامر واجتناب النواهى تبعًا لشرع النبى صلى الله عليه وسلم، بمعنى أن يجعل العبد بينه وبين ربه وقاية عملية، تقيه غضبه سبحانه وسخطه وعقابه، وذلك كما قلَّت بفعل الطاعات واجتناب المعاصى، ولعل كلمات الحسن البصرى قد جمعت ما تشتمل عليه التقوى من معانٍ فقال: «لأهل التَّقوى علامات يُعرَفون بها: صدقُ الحديث، والوفاءُ بالعهد، وصِلةُ الرّحم، ورحمةُ الضّعفاء، وقلةُ الفخر والخُيلاء، وبذلُ المعروف، وقِلةُ المباهاة للنَّاس، وحُسنُ الخُلق، وسِعةُ الخَلق؛ مما يُقرِّبُ إلى الله عَزَّ وجَلَّ»، وفى موضع آخر قال: «ما زالت التقوى بالمتقين؛ حتّى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرَام».

فلو تدبرنا كل هذه المعانى التى تحصلنا عليها من التقوى التى يحققها لنا الصوم لنا، وجعلناها منهج حياة لنا جميعًا، نبيع ونشترى بناءً على معانيها، نتزاور ونتعارف بها، نصل أرحامنا بها إلى غير ذلك لاختلف الأمر ولتبدلت حياتنا من حسن إلى أحسن، ومن الضيق إلى السعة، ولشعرنا بلذة عظيمة فى تحقيق طاعة الله تعالى، فى وقت صرفتنا جميعًا هموم الدنيا عن هذه الطاعة، وانصرفنا عن أبواب العبادات إلى أبواب المتاجر والسعى على الرزق أو التلاسن والسباب وما شابه، مضيعين عن أنفسنا لذة القرب إلى الله عز وجل التى لا تعدلها لذة أخرى.

ولما يكن طلبنا لتجديد الخطاب الدينى أن يكون تقليديًّا فى موضوعاته أو حتى فى أدواته لكن حثنا على خطاب دينى جديد أن يكون خطابًا عقليًّا يرى الأمور من منظور العقل ويحاول أن يستنطق النصوص الشرعية ليخرج للناس بحلول تيسر عليهم سبل العبادة والتعاون، ولعلنا قد أشرنا فى موضع سابق إلى قيمة العقل وكيف حث الإسلام على التفكير للنهوض بالأمم، ونحن اليوم نحرك العقول لكى ننهض بالهمم، فى شهر نتمنى على الجميع أن يشد المئزر وأن يعلى من همته لنيل الدرجات العلى وأعلى قيمة يحققها فى هذه الأيام المباركة هى قيمة التقوى التى لا يجب أن يفارقها بعد انقضاء الشهر الكريم.

ولعلنا تستوقفنا مقولة أخرى لهذا الزاهد الإمام الحسن البصرى وهي: «إنَّ العبد لا يزالُ بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همِّه»، وسؤالنا هنا لمن يتصدرون المشهد الدعوى من خلال خطابهم الدينى، كيف ينتقل الوعظ من خارج الفرد إلى داخله؟ أى يكون له من نفسه واعظ؟ مراقبًا لأعماله وأفعاله وأقواله، تغلفها جميعًا تقوى الله عز وجل، هل هذا الأمر من الصعوبة بمكان لأجل أن يتحقق؟ هو ليس بالأمر الصعب إذا اجتهد هؤلاء الدعاة إلى رد الناس إلى طريق الله الصحيح، وإلى المذهب القويم، بعدها سيجد المسلم من نفسه مراقبًا على كل أفعاله وأقواله، ستعود الفطرة إلى سابق عهدها مع الله عز وجل، وستتخلى عما أصابها من أمراض الدنيا.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة