د.كرم علام يكتب : أفيدونا أفادكم الله

السبت، 05 يوليو 2014 04:30 ص
د.كرم علام يكتب : أفيدونا أفادكم الله صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كلمة (أستاذ) معربة من الفارسية، ومعناها (الماهر بالشىء). والأستاذية كما قالت دكتورة كاميليا عبد الفتاح لا تعنى الحصول على درجة علمية وتأليف الكتب وحضور المؤتمرات، ولكن الأستاذية كما خبرناها فى أساتذة عظام هى إعداد علمى رصيده: إيمان بمذهب علمى والتألق فيه.. وموسوعية الثقافة.. عطاء فكرى يتضمن الريادة والإنجاز.. حدب على الطلاب وتتبع نجاحاتهم.. تمسك بالقيم البناءة.. رؤى موضوعية تقبل الاتفاق والاختلاف.. التسامح والتسامى الخلقى.

أستاذى الأمريكى المشرف على رسالة الدكتوراه هو أحد أساتذة جراحة التجميل بجامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس وأحد مؤسسى جراحة الوجه والفك والجمجمة فى العالم، ومن أهم جراحيها، اعتدت أن أقرأ أبحاثه العلمية وأذاكر من الفصول التى يكتبها فى الكتب، وكان لى حلم أن ألتقيه فى أحد المؤتمرات العلمية، أما أن تدور الأيام وأتعلم على يديه، وأقف إلى جواره فى نفس العملية الجراحية فهو مالم يخطر لى قبلها ببال ولكن هذا ما كان.

بعيدا عن عطائه العلمى الضخم ودوره الريادى فى تأسسيس فرع جراحى بالغ الأهمية وتلاميذه الذين انتشروا بطول الأرض وعرضها، بعيدا عن ذلك كله يهمنا أن نتعرف على الرجل كإنسان.. على معنى الأستاذية لدى رجل أمضى أكثر من خمسة وثلاثين عاما يربى ويعلم الجراحين من شتى أنحاء العالم ليكونوا مشاعل نور تضىء طريق بلادهم، كيف يكون معنى الأستاذية لدى رجل بلغ من النبوغ هذا المبلغ.

عايشت الرجل لفترة طويلة وتلمست الفروق الجوهرية بينه وبين كثيرا ممن عرفت من أساتذة داخل وخارج مصر.. رأيت رسوخ القدم فى العلم وكيف ينعكس إيجابيا على روح المعلم وأدائه ودوره التربوى.

رغم أن الرجل يخطو إلى العقد التاسع من عمره إلا أنه يحافظ على نشاطه بشكل ملفت للنظر، يمضى أيامه فى إطار برنامج زمنى واضح كل شىء فيه يمضى بإعداد وترتيب لا مجال فيه للعشوائية.

أول ما يسترعى الانتباه فيه هو علاقته بمرضاه.. بداية من نجوم ونجمات هوليود المشاهير.. وحتى المرضى البسطاء.. لم ألحظ فى تعامله معهم طوال احتكاكى به أية تفرقة بين مريض ومريض على أى أساس أو خلفية سوى مرضه.. نفس الابتسامة والاهتمام والقدرة المبهرة على التواصل مع جميع المرضى.. وهم يبادلونه حبا بحب.. فتجد مركزه الطبى ملىء بتلك الهدايا التذكارية المفعمة بايات الحب والولاء.. صبر عجيب على التواصل حتى مع أكثر المرضى إملالا وإفقادا للصبر.. وتذكرت على الفور حالنا مع مرضانا فى مصر وكيف أن وضع المريض ومكانته المادية والاجتماعية تهيئة لأنواع مختلفة من الرعاية حتى وإن كان مقدم الرعاية هو نفس الشخص أو المستشفى.. وهذا ما يدفع المريض دوما إلى البحث عن الواسطة والمحسوبية والتذكية حتى وهو يطلب حقه المشروع فى تلقى الخدمة الطبية.

رأيت علاقة تلاميذه ومن يتلقون عنه العلم، رأيت طالب الطب يدخل اليه ليسأله سؤالا ما ويجلس على الكرسى المقابل له وقد يضع قدما على قدم أثناء النقاش.. تعجبت لما رأيت فلا الطالب يخشى شئا ولا هو يشعر لذلك بأى ضيق.. وللإنصاف فإن هذا الوضع ليس مقصورا عليه.. العلاقة بين الطالب والأستاذ فى التعليم الغربى بوجه عام تحررت من عقدة السيد والعبد التى لازلنا نرزح فى نيرها فى عالمنا الشرقى حتى الآن.. القدرة على التواصل والتحاور والتشاور بلا رهبة.. الاحترام محفوظ بكل تأكيد ولكنه مفهوم فى نطاقه الصحيح والإنسانى.. لم أر شخصا يقف لشخص عند وصوله أو دخوله مهما كان هذا الشخص.. هو سلوك ينظر إليه هنا على أنه سلوك غير مبرر أو غير إنسانى.. ما الداعى إلى هذا التصرف العجيب وما دلالته على الاحترام أو عدمه؟.. رأيت الطلاب ممن يحضرون عيادته للمرة الأولى يصافحونه ويعرفون أنفسهم بأسمائهم الأولى فيبتسم وهو يصافحهم ويعرف نفسه " هنرى".. هكذا ببساطة.. لم أستمع شخصا من مرؤسيه يناديه بباشا أو بيه بل هو مع أقصى درجات الاحترام دكتور.. ورأيت من نناديهم عندنا باشا وبيه وهم يحادثونه فى لقائهم به بخشوع ومذلة مما تعودنا عليه.. سلوكيات نفسية مرضية اعتدناها وألفناها حتى أصبحت جزء لا يتجزأ من موروثنا البالى.

رأيته فى ساعة الغداء يجلس فى غرفة الطعام لتناول غدائه على نفس المائدة مع عاملة النظافة والتمريض والسكرتارية وسائقه الشخصى.. رأيتهم فى كل الحفلات التى يقيمها فى منزله أو خارجه.. رأيتهم ضيوفا لا خدما كما يحدث فى بلادنا.. رأيتهم فى احدى الحفلات فى منزله ضيوفا يجلسون على المقاعد وهو يعد مائدة الطعام.. يقدم لهم المشروبات.. يضع الفحم فى المدفئة.. يصنع لهم القهوة ويقدمها بنفسه فهو لا يستعين بخدم.. ويرفض حتى أن يساعده أحد ويقول أنتم ضيوفى.. وضع غريب وعجيب فعلا.. وضع يذكرنى بعهد الاسلام الصحيح وقلت لنفسى.. لهذا يتقدموا ونتأخر.. فليأت مرضانا النفسيين الذين احتلوا المراكز والوظائف ليشاهدوا حال عظماء الدنيا وكيف يتصرفون.. تذكرت ما يجرى فى بلادنا وجامعاتنا ومدارسنا.. تذكرت أفعال صغار النفوس.. تذكرت أحد أساتذة الجامعة ممن قام ذات مرة بإغلاق باب المدرج وعلى كل من يريد الخروج أن يشترى مذكراته أولا.. تذكرت من يأخذون كشوفا بأسماء من اشترى تلك المذكرات لامتحانات الشفوى ومن يضعون أسئلة الامتحانات من مذكراتهم فقط.. تذكرت استعباد الأستاذ الشرقى لطلابه وكأنهم ملك يمينه.. ولن أتحدث عن تعاملاتهم مع مرؤسيهم كالموظفين والعمال والسائقين وخلافه.

ترى متى نتحرر من الفقر الروحى المتغلغل حتى فى أصحاب المناصب العلمية.. هل هو جزء من منظومة عدم احترام حقوق الإنسان.. هل هى جينات متعفنة تجعل القوى دوما يستلذ بإهانة الضعيف.. أم هو انعدام لموروث إيمانى يدعو إلى عكس ما نأتى فى كل شىء.. أم ماذا؟
أفيدونا أفادكم الله





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة