أحمد خيرى باشا يكتب: هل تعرفون هذا الرجل..؟ "2"

السبت، 05 يوليو 2014 10:06 ص
أحمد خيرى باشا يكتب: هل تعرفون هذا الرجل..؟ "2" ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ولد هذا الرجل فى المدينة المنورة وتربى فى كنف أبيه، العبّاد الزهاد صوام الهواجر قوام الأسحار وبأخلاق جده تخلق ورأى فيه أبوه علامات التقى والهدى وأخلاق القرآن فأحبه حبا جما وأنشد فيه شعرا ردا على من يلومه فى حب ابنه صاحب هذه الحلقة فأخذ الأب يعلم ولده ويفقه فى الدين ويمليه من كتاب الله ثم دفع به إلى الحرم الشريف فتعلم وتفقه فى الدين تحت راية علماء وصحابة وتابعين وكان ولاة الأمر يأمرون القضاة إذا عرضت عليهم القضايا أن يدفعوا بها إلى هؤلاء العلماء وكان أسعد القضاة حظا وأطيبهم حديثا وأقربهم إلى قلوب الناس وأوثقهم عند الخلفاء من يأخذ بمشورة هذا الرجل الذى نتحدث عنه.

كان زاهدا فى الدنيا وزينتها ولقد جرب خلفاء بنى أمية أن يغدقوا عليه الخير كما فعلوا مع غيره ولكنهم وجدوه زاهدا بما فى أيديهم... مستصغرا للدنيا وما فيها... جاء سليمان بن عبد الملك خليفة المسلمين مكة ليحج البيت ولما أخذ فى الطواف رأى الرجل الذى نتحدث عنه يجلس قبالة الكعبة فى خضوع ويحرك لسانه بالقرآن فى خشوع ودموعه تسح على خديه..فلما فرغ الخليفة من طوافه وصلى ركعتين توجه حيث يجلس الرجل وأفسح الناس للخليفة حتى وصل وجلس بجوار الرجل حتى كاد يمس بركبته ركبته فلم ينتبه له الرجل لأنه كان مستغرقا فى ذكر الله والخليفة يرقب بطرف خفى ويلتمس فرصه يتوقف فيها الرجل عن التلاوة ويكف عن النحيب حتى يكلمه..فلما جاءت الفرصة مال عليه وقال السلام عليك يا أبا عمر ورحمة الله...فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته..

فقال الخليفة بصوت خفيض.. سلنى حاجة أقضيها لك يا أبا عمر... فلم يجبه الرجل بشىء.
فظن الخليفة أنه لم يسمعه فمال عليه أكثر وقال رغبت بأن تسألنى حاجة لأقضيها لك.
فقال الرجل للخليفة..والله إنى لأستحى أن أكون فى بيت الله عز وجل، ثم اسأل أحدا غيره..
فخجل الخليفة وسكت، ولكنه ظل جالسا فى مكانه، ولما قضيت الصلاة ونهض الرجل ليلحق برحله لحقت به جموع الناس هذا يسأله عن حديث لرسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام...وهذا يستفتيه فى أمر من أمور الدين، وثالث يستنصحه فى شأن من شئون الدنيا.. ورابع يطلب منه الدعاء.. وكان فى جملة من لحق به خليفة المسلمين سليمان بن عبد الملك فلما رآه الناس وسعوا له حتى حازى منكبه أو كتفه كتف الرجل فمال عليه وهمس فى أذنه قائلا..ها نحن أولاء قد غدونا خارج المسجد فسلنى حاجة أقضيها لك...؟
فقال الرجل..من حوائج الدنيا أم من حوائج الآخرة..؟
فارتبك الخليفة وقال.. بل من حوائج الدنيا...
فقال له الرجل.إننى لم أطلب حوائج الدنيا ممن يملكها، فكيف أطلبها ممن لا يملكها..؟
فخجل الخليفة منه وحياه، وانصرف عنه وهو يقول..ما أعزكم آل الخطاب بالزهاده والتقى..؟
وما أغناكم بالله عز وجل...... بارك الله عليكم من آل بيت.
أمضى عزيزى القارئ متعجبا مرة ومندهشا مرة وباكيا مرة وأنا سائحا فى بستان وسيرة هذا الرجل الذى يشبه جده فى الإعراض عن الدنيا والزهاده وكان يشبهه أيضا فى الجهر بكلمة الحق مهما كانت ثقيلة شديدة التبعات، وحتى لا أطيل عليكم وتكون الحلقات مقبولة وخفيفة ومفيدة أختم سريعا.. ذهب هذا الرجل الذى نتحدث عنه للحجاج لقضاء حاجة من حوائج المسلمين فرحب به الحجاج فى مجلسه، وبالغ فى إكرامه. وفيما هم كذلك إذا أتى الحجاج بطائفة من الرجال شعث الشعور صفر الوجوه مقرنين فى الأصفاد أى القيود والسلاسل فالتفت الحجاج للرجل وقال.. هؤلاء بغاة مفسدون فى الأرض، مستبيحون لما حرم الله، من الدماء.. ثم أعطاه سيفه وأشار إلى أولهم وقال عليك به..فقم واضرب عنقه....
فأخذ الرجل السيف من يد الحجاج ومضى نحو الرجل...وقد شخصت أبصار القوم نحوه تنظر ماذا يفعل...؟
فلما وقف أمام الرجل قال له..أمسلم أنت...؟فقال نعم..ولكن ما أنت وهذا السؤال...امض لإنفاذ ما أمرت به.
فقال صاحبنا للرجل المقيد فى السلاسل..وهل صليت الصبح...؟
فقال الرجل.. قلت لك إنى مسلم، ثم تسألنى إن كنت صليت الصبح.. وهل تظن أن هناك مسلما لا يصلى..؟
فقال صاحنبا..أسألك أصليت صبح هذا اليوم....؟فقال الرجل..هداك الله قلت لك نعم..وسألت أن تنفذ ما أمرك به هذا الظالم وإلا عرضت نفسك لسخطه.. فرجع صاحبنا إلى الحجاج ورمى السيف بين يديه وقال..إن الرجل يقر بأنه مسلم ويقول إنه صلى صبح هذا اليوم، وقد بلغنى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال(من صلى الصبح فهو فى ذمة الله) وإنى لا أقتل رجلا دخل فى ذمة الله عز وجل...فقال له الحجاج..إننا لا نقتله على ترك صلاة الصبح وإنما نقتله لأنه ممن أعان على قتل الخليفة عثمان بن عفان..
فقال له صاحبنا..إن فى الناس من هو أولى منى ومنك بدم عثمان..فسكت الحجاج ولم يرد جوابا..
عاش صاحبنا الذى تحدثنا عنه عمرا مديدا حافلا بالتقى..عامرا بالهدى وأعرض فيه عن زينة الدنيا وأقبل خلاله على ما يرضى الله..عزيزى القارئ الرجل الذى نتحدث عنه هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة