سامى مختار بوادى يكتب: شمعة تحترق لتضىء للآخرين

الجمعة، 04 يوليو 2014 06:05 م
سامى مختار بوادى يكتب: شمعة تحترق لتضىء للآخرين صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كلمة خالدة لفولتير قال فيها: "كنت أتمنى أن أكون محاميًا، لأن المحاماة أجل مهنة فى العالم". وفى الحق أنه ليس بين المهن ما يسمو على المحاماة شرفًا وجلالاً، ولا ما يدانيها روعة وتضحية ومجدًا، ذلك أن رسالتها هى تحقيق العدالة بالوقوف إلى جانب المظلوم والأخذ بناصر الضعيف، والدفاع عن شرف الأفراد وحياتهم وحرياتهم وأموالهم، والمحامى يقوم بإسداء النصيحة للكبير، يلجأ إليه الأغنياء والفقراء على السواء، ومن عملائه الأمراء والعظماء، يضحى بوقته وصحته وأحيانًا بحياته فى الدفاع عن متهم برىء أو ضعيف مهضوم الحق.

ومن أبلغ ما قيل فى وصف المحاماة وتقديرها ما قاله دوجيسو رئيس مجلس القضاء الأعلى بفرنسا فى عهد لويس الخامس عشر: (المحاماة عريقة كالقضاء - مجيدة كالفضيلة - ضرورية كالعدالة - هى المهنة التى يندمج فيها السعى إلى الثروة مع أداء الواجب - حيث الجدارة والجاه لا ينفصلان - المحامى يكرس حياته لخدمة الجمهور دون أن يكون عبدًا له - ومهنة المحاماة تجعل المرء نبيلاً بغير ولادة، غنيًا بلا مال رفيعًا من غير حاجة إلى لقب، سعيدًا بغير ثروة) .

وفى تقدير عمل المحامى قال المغفور له الأستاذ عبد العزيز فهمى رئيس محكمة النقض عند افتتاح أولى جلساتها فى سنة 1931 (إذا وازنت بين عمل القاضى وعمل المحامى لوجدت أن عمل المحامى أدق وأخطر: لأن مهمة القاضى هى الوزن والترجيح، أما مهمة المحامى فهى الخلق والإبداع والتكوين).
هذه شهادة قاضى القضاة فى مصر، وتلك شهادة كبير القضاة فى فرنسا، وكلاهما من الشهود العدول الذين لا سبيل إلى اتهامهم بالتحيز للمحاماة أو محاباة المحامين.

يخطئ من يظن أن مؤهلات المحامى هى فقط الحصول على شهادة الليسانس أو الدكتوراه فى القوانين، كما يخطئ من يعتقد أن صناعة المحامى هى مجرد الكلام أو أن دراساته قاصرة على كتب القانون، إذ المحامى النابه يجب أن تستمر دراساته يوميًا طوال حياته، وتتناول - إلى جانب كتب القانون والموسوعات العلمية والقضائية - كتب الأدب والتاريخ والفلسفة والمنطق والاجتماع والاقتصاد وعلم النفس.

بل أن عمل المحامى يحتاج إلى ثقافة متنوعة متجددة واطلاع شامل دائم على مختلف العلوم والفنون، حتى يستطيع الاضطلاع بمهمة الدفاع فى القضايا المختلفة التى يوكل إليه أمرها من مدنية وتجارية وجنائية وعسكرية وسياسية وإدارية وتأديبية وضرائبية، وما لم يكن المحامى مطلعًا على شتى العلوم والفنون ومختلف القوانين والقرارات وكتب الشراح وأحدث الأحكام، فى كل فرع من تلك الفروع، فإنه يجد نفسه عاجزًا عن القيام بواجبه فيما يعرض له يوميًا من مشكلات وما قد يواجهه أمام المحاكم من مناقشة الفنيين من الخبراء والتعليق على آرائهم.

كما أن المحاماة أجل مهنة فى العالم فإنها أيضًا أشق مهنة فى العالم، فهى تفرض على المحامى أن يكرس لها كل وقته ومجهوده، وهى لا تدع له وقتًا للراحة أو الرياضة، يبدأ المحامى دائمًا عمله مبكرًا ويقضى ساعات الصباح عادةً فى أداء واجبه أمام مختلف المحاكم متنقلاً بين دار القضاء العالى والمحكمة الكلية والمحاكم الجزئية ومحكمة القضاء الإدارى - فضلاً عن المحاكم والمجالس العسكرية والشرعية والملية وغيرها - هذا إذا كان محاميًا بالقاهرة، أما إذا كان محاميًا بإحدى المحافظات أو المديريات أو المراكز فإن عمله يكون أشق إذ يقتضيه السفر بالقطارات والتنقل بالسيارات بين مقر المحكمة الكلية التى يعمل فى دائرتها، ومقر محكمة الاستئناف التى تستأنف الأحكام أمامها والمراكز التى تقع فيها المحاكم الجزئية التابعة لها .

فإذا عاد المحامى بعد الظهر إلى منزله محطم الأعصاب لا يكاد يجد وقتًا لتناول الطعام أو للراحة، إذ يتعين عليه أن يعود إلى مكتبه لاستقبال عملائه - حيث يقضى شطرًا من الليل فى تفهم ما يعرض عليه من مشكلات، والإفتاء فيما يستشار فيه من منازعات، وتدوين ملاحظاته عما يعهد به إليه من قضايا، حتى إذا ما انتهى من هذا العمل المضنى بين إزعاج التليفون ومضايقات بعض العملاء ومساوماتهم - ولم يستدعِ لحضور تحقيق أو مجلس صلح أو تحكيم - كان عليه أن يبدأ دراسة قضايا اليوم التالى وإعداد دفاعه فيها مستعينًا بالمراجع القانونية، كما أن عليه تحرير المذكرات فى القضايا التى حجزت للحكم والقضايا التى لا زالت فى التحضير، وهو مضطر لتحريرها ومراجعتها لتقديمها فى المواعيد المحددة لها وإلا تعرض للمسئولية فى حالة التأخير عن تقديم مذكرة فى قضية محجوزة للحكم، وعرض موكله للحكم عليه بغرامة فى حالة التأخير عن تقديم مذكرة فى قضية معروضة على قاضى التحضير، والموكل لا يرحم والقاضى لا يعذر، والمحامى فوق هذا وذاك مسئول أمام ضميره عن أداء واجبه على الوجه الأكمل، ولهذا فهو يقضى الليل ساهرًا باحثًا منقبًا، حتى إذا ما أتم عمله وأرضى ضميره آوى إلى فراشه ليقضى ما بقى من الليل مسهدًا يستعرض أعمال اليوم ويفكر فى مشكلات الغد.

هذا موجز للعمل اليومى للمحامى، ومنه يتضح أن المحامى كالشمعة يحترق ليضىء للآخرين، ومع ذلك فكثير ما تقابل مجهوداته وتضحياته الغالية بالجحود ونكران الجميل.







مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة