حالة من الطوارئ الدينية تكسو كل شىء، بداية من طريقة الملابس، وحتى رنات التليفون، فبمجرد الإعلان عن بداية شهر رمضان المعظم، تتبدل الحياة التقليدية ويكسوها الطابع الدينى، هذا هو وصف مصر باختصار على مدى ثلاثين يومًا يحاول فيهم الجميع التنافس على إظهار هذه اللمسة الدينية.
فمع إطلاق مدفع السحور لليوم الأول فى شهر رمضان تنطلق ثورة النغمات الدينية، و«الكول تون» بأصوات التواشيح والمبتهلين، فيبدأ الجميع فى تغيير رنات التليفونات المحمولة، ووضع أغنيات دينية وابتهالات، وهى واحدة من العلامات الواضحة بما لا يدع مجالاً للشك بأن «رمضان جانا». وعلى الرغم من عدم وجود علاقة واضحة بين حلول الشهر المبارك، ونغمات التليفون، فإنها تحولت إلى علامة مميزة فى مصر منذ عدة سنوات، ارتبط طوالها الشهر الكريم بالنغمات الدينية، والامتناع عن الاستماع للأغانى.
وعلى الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعى، وتحديدًا الفيس بوك، مخصصة فى الأساس لأهداف أخرى، تختلف تماما عما هو موجود حاليا، إلا أنها تحولت إلى مؤشر لتغيير الأوضاع الاجتماعية والسياسية وغيرها، إلى جانب وضعها كوسيلة للتعبير عن المناسبات الدينية المختلفة، خاصة شهر رمضان الذى تنتشر فيه صفحات الوعظ الدينى، والبوستات الإرشادية للحلال والحرام، وغيرها من الصفحات التى تشتمل على الأحاديث والأدعية والأذكار التى تقوم بالمهمة، وتؤدى الغرض.
أما فى المواصلات فلا يوجد سبب واضح وراء الإمساك بالمصحف وقراءة القرآن بصوت مرتفع فى مواصلة عامة مزدحمة بالركاب، وهو المشهد الذى تجده منتشرا كل عام طوال أيام رمضان فى المواصلات العامة والمترو، وتتعدد المشاهد التى يجلس فى أحدها أحد الأشخاص يقرأ القرآن مدعيا التركيز والخشوع، بينما يجلس آخر ممسكا بتليفونه ليجبر كل من حوله على الاستماع إلى هذه الآية القرآنية الدائرة على تليفونه الشخصى، إلى جانب تطبيق الأذان الذى يستخدمه العديد من متابعى أحدث تقاليع رمضان، ومشاهد أخرى لن تراها بالتأكيد إلا فى شهر رمضان، فمثل هذه السلوكيات ارتبط ظهورها مع قدوم الشهر الكريم، وأصبحت خاصة وحصريا فى رمضان.
وهناك مجموعة من الخطوات قادرة على أن تنقلك من «المود» العادى إلى «المود» المتدين، ففى مثل هذا الوقت من العام يتخذ عدد من الفتيات غير المحجبات قرارا بارتداء الحجاب لمدة ثلاثين يوما، هذا فيما يخص الفتيات، أما الرجال فمنهم من يكن حريصا على تربية ذقنه لتتناسب مع الأجواء الدينية المسيطرة على كل شىء من حولنا، ومنهم من يلجأ لحمل السبحة معه أينما ذهب، كذلك الملابس التى تطرأ عليها عدة تغيرات، فبعض الفتيات يرتدين الجلباب، ويمتنعن عن المكياج، ويلتزم الشباب بالجلباب الأبيض ليتناسب مع طقوس «المود» الدينى.
وإذا كنت متابعا جيدا لبائعى الكتب على الأرصفة، وأمام محطات المترو فستلحظ هذا التغيير الغريب فى نوعية الكتب المعروضة، فبعد أن كانت متنوعة بين قصص بوليسية وعاطفية وروايات، تنقلب تماما ويتحول معظم الكتب المعروضة إلى كتب جميعها يتحدث عن شهر رمضان ومبطلات الصوم، وغيرها من الأمور المتعلقة بهذا الأمر، على الرغم من أنها موجودة طوال العالم، فإنه فى هذا الوقت يتم التركيز عليها بشكل لافت للنظر.
محمد مصطفى، دكتور الطب النفسى، يتحدث عن ظاهرة التدين التى تسيطر على مصر قائلاً: «المصريون دائما ما يقدسون المناسبات الدينية، ويحبون الأجواء الخاصة بها، ويحاولون التعايش معها بكل الطرق، من خلال الملابس المناسبة لها وكذلك قراءة القرآن ،وغيرها من السلوكيات التى تجعلهم فى قلب الحدث، بالتأكيد هناك الكثير من المبالغات التى تحدث، لكنها فى النهاية سلوكيات فطرية رغبة منهم فى التعايش مع هذه الأجواء الروحانية، أما فيما يخص تغيير مثل هذه الأجواء بعد نهاية شهر رمضان فهذا يتعلق بامتياز المصريين بميول مختلفة فى الأوقات الدينية، وفى الفرح وهكذا».
يضيف «مصطفى»: على الرغم من كون هذه المظاهر الدينية متعارفا عليها فى مصر منذ سنوات، فإن بها الكثير من المبالغات التى أخشى أن تتحول إلى أفكار ضارة بالمجتمع، وبمفاهيم كثيرة، كما أنها تنتقل عبر الأجيال، ومن الممكن أن تتطور فى المستقبل إلى الحد الذى يجعل هذه السلوكيات واجبات اجتماعية ودينية لابد منها.


