محمود خليفة جودة يكتب: من هنا كانت المشكلة

الأربعاء، 30 يوليو 2014 02:07 ص
محمود خليفة جودة يكتب: من هنا كانت المشكلة صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعجز القلم عن الكتابة ويعتصر الألم قلبى, ولن تفى كلماتى بحق وصف هذا الحزن والقلق، الذى رأيته فى عيون بعض أبناء قريتى - هذه القرية التى تقع فى مركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم - حين تم تداول الأنباء حول مصرع 15 مصريًا بمنطقة الكريمية بالعاصمة الليبية طرابلس، إثر سقوط صاروخ جراد على مسكنهم.
فهناك العديد من الأسر التى يعمل أحد أبنائها أو أكثر فى ليبيا, وهنا بدأت أتسائل ويدور فى رأسى العديد من الأفكار, ما الذى يدفع هؤلاء الشباب إلى السفر لليبيا فى ظل هذه الأوضاع الأمنية شديدة الخطورة أو غيرها من البلدان ؟ ما الذى يجب أن تفعله الدولة المصرية لحماية رعاياها ؟ لماذا يستهدف الليبيون المصريون على وجه التحديد ؟ ماذا لو فقدت أحد هذه العائلات أبناء لها ؟ ما الذى يجب أن تفعله الدولة المصرية ؟ .... تساؤلات كادت تجعل عقلى يتوقف عن العمل وتصيب جسدى بالشلل لكم الحزن والألم الذى سببته لى حينما بدأت أبحث عن الإجابة عليها.
والإجابة على هذه التساؤلات تطول ولكن دعونا نقف عند لب المشكلة ونتعرف على أسبابها وجذورها, فلو بحثنا عن السبب وراء سفر هؤلاء الشباب لليبيا أو غيرها والمخاطرة بحياتهم, لوجدنا كارثة بمعنى الكلمة, فهؤلاء الشباب هم ضحية فساد هذه الدولة, فقليل جدًا ذوى التعليم العالى من شباب القرية, وهذا ليس راجع لفشل هؤلاء الشباب, بل لفشل المنظومة التعليمية, فأننى تعلمت فى الريف وإدرك جيدا أن التعليم غائب تمامًا عن المدارس الريفية, فما جعل منى اتفوق وأدخل كلية القمة – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – ليس هذه المدارس الريفية بل ما كانت تنفقه عليا أسرتى من دروس تقوية ومراجعات وملازم يصعب على جل الأسر فى الريف توفيرها لأبنائها لصعوبة المعيشة، فالتعليم هو حجر الأساس فى تقدم الشعوب ورقيها, فلو توفر لهؤلاء الشباب تعليم مناسب منذ الصغر, لكانت النتيجة غير ما شعرت به اليوم, فمن ناحية سوف يساعدهم ذلك على إيجاد الوظيفة المناسبة وبالتالى توفير لقمة العيش وأساسيات المعيشة بما لا يجعلهم لا يخاطرون بحياتهم لأجل المال، ومن ناحية أخرى كلما ارتقى تعليم الفرد ارتقى فكره, فلا يجعل هؤلاء الشباب يفكرون بتهور بحثًا عن المال ويلقون بأنفسهم فى جحيم ليبيا.
وليس التعليم فحسب هو السبب, فالأسباب متعددة, إذا ما أردنا البحث فى جذور المشكلة وحلها. فنجد أيضا أن غالبية هؤلاء الشباب أسرهم لا تمتلك أراض زراعية, أو أنها تمتلك مساحات صغيرة. وفى ظل ارتفاع تكاليف البذور وقلة مياه الرأى وعدم دعم الدولة الحقيقى للفلاح المصرى, بات امتهان مهنة الفلاحة أمر غير مرغوب فيه لدى جل هذا الجيل من الشباب، كما نجد أن بعضهم يدفعه الرغبة فى الثراء للمخاطرة, ولكن دعونى أوضح لكم معنى كلمة الثراء هنا !, فالثراء فى لغة الريف بالنسبة لشاب هو أن يبنى سكن متواضع له ويستطيع أن يدفع مهر زواجه وتكاليفه.
إذا كان هذه هى الأسباب وجذور المشكلة فى الريف, فأن الدولة على المستوى الكلى هى المسئول الرئيسى عن هذه المشكلة, فيجب أن يحظى الريف وصعيد مصر بالاهتمام, ولكن للأسف دائما يعامل الفلاح على أنه مواطن درجة ثانية, ولا يحظى الفلاح سوى بوعود قبل الانتخابات سرعان ما تتبخر مع الجلوس على كرسى الحكم أو البرلمان. فيجب أن تولى الدولة جل اهتمامها بالفلاح وضمان تزويده بالبذور بأسعار منخفضة والسماد وتوفير مياه الرأى والسولار الازم لتشغيل ميكانات الرأى .. إلخ من مستلزمات الإنتاج الزراعى والتى باتت تشكل حملا وعبئا على الفلاح المصرى. ويجب أن تأخذ الدولة بعين الاعتبار ما يتعرض له الفلاحين من بنوك الائتمان الزراعى وتسهيل عمليات السداد وتقديم الإعفاءات للمتعثرين.
كما يجب على الدولة أن تنهض وتعمد على توفير المشروعات العملاقة التى تستوعب هذه الثروة البشرية الهائلة من سواعد شباب مصر، على الدولة أن تعيد بناء المنظومة التعليمية فى كل المراحل التعليمية والاهتمام بالتعليم فى الريف وتسليط الضوء عليه, فريف مصر دائما ما كان يجود على مصر بالنوابغ والعلماء فى كل المجالات, وهناك الكثير ولكن نظام التعليم والفقر يقتلا مواهبهم وقدراتهم، على الدولة أيضا أن تضع نظاما حقيقًا يضمن تحقيق العدالة وضمان وصول الدعم لمستحقيه.
ويبقى أن أقول لكم نيابة عن فلاحى مصر وعلى لسانهم تلك الكلمات التى اختم بها:
أنا المنسى فى وطنى
أنا اللى عمرى ما رفعت صوتى
وقلت عاوز حقى
عايش وبقسمتى راضى
لا قاعد على كرسى
بل بكافح بفاسى
حياتى صعبة
ومحصول أبيعه بأرخص ثمن
وبنك زراعى يمص دمى
فيا حكومة أعدلى
ويا ساسة اسمعوا صوتى
فين أنا حقى
فين أنا حقى
فين أنا حقى





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة