المعازف فى اللغة هى الملاهى أو الملاعب التى يضرب بها، وهى آلات الطرب كالعود والطنبور، ومفردها معزف ومعزفة - بكسر الميم فيهما وفتح الزاى - وصوت المعازف هو ما يطلق عليه مؤخرًا الموسيقى.
والموسيقى لفظ يونانى يطلق على فنون العزف على آلات الطرب، ويطلق على الصوت الذى يتم ترتيبه فى قوالب تثير فى النفس إحساسًا بالسرور أو المتعة أو الحزن، ويستخدمها الناس فى الكثير من الأنشطة الثقافية والاجتماعية، كما يستخدمونها للتعبير عن مشاعرهم وعن أفكارهم، وتستخدم للترفيه وبعث الراحة والاسترخاء، ويطلق على من احترفها موسيقار، كما يطلق على المنسوب إليها أنه موسيقى.
والموسيقى فى اصطلاح أهل الفن: علم يعرف منه أحوال النغم والإيقاعات وكيفية تأليف اللحون وإيجاد الآلات.
وجاء فى «الموسوعة العربية العالمية» أن الموسيقى من أقدم الفنون التى عرفها الإنسان، وربما بدأ الإنسان عملية الغناء بمجرد تطويره للغة، أو ربما قام الإنسان البدائى بطرق أدوات الصيد معًا لإنتاج الموسيقى، وإن كان من الثابت أنه بحلول عام عشرة آلاف قبل الميلاد كان الإنسان قد اكتشف كيف يصنع الناى من العظام المفرغة، وقد استخدمته شعوب قديمة متعددة من بينها المصريون والصينيون والبابليون الموسيقى داخل بلاط الملوك وفى بعض الطقوس الدينية القديمة. وقد ورد أول تسجيل لقطعة موسيقية عام 2500 قبل الميلاد.
وذكر الفقهاء أنواعًا كثيرة من المعازف للبحث عن حكم استعمالها، لتنوعها بين الأداء الوترى كالعود، وبين الأداء النفخى كالمزمار، وبين الأداء القرعى كالطبل، ومن تلك المعازف القرعية: الدف والكوبة والكبر والمزهر والصفاقتان، ومن تلك المعازف النفخية: اليراع والمزمار، ومن تلك المعازف الوترية: العود والطنبور والرباب والكمنجة والقانون، وسنذكر تعريف الفقهاء لتلك الآلات لبيان اهتمامهم بالبحث عن حكمها.
(1) أما الدف فهو نوع من الطبل عرفه بعض الفقهاء بالغربال وهو المغشى بجلد من جهة واحدة، سمى بذلك لتدفيف الأصابع عليه، أو القرع بالأصابع، وقد يكون للدف صراصر أى جلاجل أو جرس لزيادة الإطراب. (2) وأما الكوبة فهى طبل طويل ضيق الوسط واسع الطرفين، وقد يكون طرفاها مسدودين أو أحدهما فقط، كما قد يكون اتساعهما على حد واحد أو يكون أحدهما أوسع من الآخر. (3) وأما الكبر – بفتحتين، على وزن جبل – فهو الطبل الكبير. (4) وأما المزهر فهو الدف المربع المغلوف. (5) وأما اليراع فهو الزمارة التى يقال لها الشبابة، وهى ما ليس لها بوق، وسمى اليراع بذلك لخلو جوفه، ويخالف المزمار العراقى فى أنه له بوق والغالب أنه يوجد مع الأوتار. (6) وأما المزمار فهو آلة من خشب أو معدن تنتهى قصبتها ببوق صغير. (7) وأما الصفاقتان فهو عبارة عن دائرتين من نحاس تضرب إحداهما على الأخرى، وتسميان بالصنج أيضًا. (8) وأما العود فهو آلة وترية يضرب عليها بريشة ونحوها، والجمع أعواد وعيدان. (9) وأما الطنبور – بضم الطاء مشددة – فهو آلة للطرب ذات عنق وأوتار. (10) وأما الرباب فهو آلة وترية شعبية ذات وتر واحد. (11) وأما الكمنجة أو الكمان فهو آلة طرب ذات أربعة أوتار وقوس. (12) وأما القانون فهو آلة طرب ذات أوتار تحرك بالكشتبان، وهو قطعة من المعدن مفتوحة الطرفين تلبس فى السبابة ويضرب بها على القانون.
وقد ورد فى السنة مشروعية الضرب بالدف فى عقد الزواج وفى عودة الغائب، ومن ذلك ما أخرجه الترمذى بسند فيه ضعيف عن عائشة، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «أعلنوا هذا النكاح واجعلوه فى المساجد واضربوا عليه بالدفوف»، وأخرج الطبرانى وأحمد والحاكم وصححه عن محمد بن حاطب، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «فصل ما بين الحلال والحرام الصوت وضرب الدف». وأخرج الشيخان عن عائشة، أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان فى أيام منى تدففان وتضربان والنبى صلى الله عليه وسلم متغش بثوبه، فانتهرهما أبوبكر، فكشف النبى صلى الله عليه وسلم عن وجهه فقال: «دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد، وتلك الأيام أيام منى». وأخرج البخارى عن عائشة أن أبا بكر دخل عليها والنبى صلى الله عليه وسلم عندها يوم فطر أو أضحى وعندها قينتان تغنيان بما تقاذفت الأنصار يوم بعاث، فقال أبوبكر: مزمار الشيطان – مرتين – فقال النبى صلى الله عليه وسلم: «دعهما يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا، وإن عيدنا هذا اليوم».
وأخرج الترمذى بإسناد صحيح عن بريدة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إنى كنت نذرت إن ردك الله صالحًا أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كنت نذرت فاضربى وإلا فلا». فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهى تضرب ثم دخل على وهى تضرب، ثم دخل عثمان وهى تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت استها، ثم قعدت عليه، فقال صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إنى كنت جالسًا وهى تضرب فدخل أبوبكر وهى تضرب، ثم دخل على وهى تضرب، ثم دخل عثمان وهى تضرب، فلما دخلت أنت ألقت الدف».
كما ورد فى السنة النهى عن المعازف فى الجملة وعن بعض أنواعها فى الخصوص. ومن ذلك ما أخرجه البخارى تعليقًا بسند فيه انقطاع كما قال ابن حزم، وأخرجه أبوداود موصولًا عن أبى عامر أو أبى مالك الأشعرى، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «ليكونن من أمتى أقوام يستحلون الحر (أى الزنى، والحر اسم للفرج) والحرير والخمر والمعازف». وأخرج أحمد بسند فيه ضعيف عن أبى أمامة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله بعثنى رحمة وهدىً للعالمين، وأمرنى أن أمحق المزامير والكبارات – يعنى البرابط – والمعازف والأوثان التى كانت تعبد فى الجاهلية»، وزاد فى رواية: «ولا يحل بيعهن ولا شراؤهن ولا تعليمهن ولا تجارة فيهن وثمنهن حرام». يعنى الضاربات. وأخرج الترمذى بسند ضعيف عن على بن أبى طالب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إذا فعلت أمتى خمس عشرة خصلة حل بها البلاء»، فقيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: «إذا كان المغنم دولًا، والأمانة مغنمًا، والزكاة مغرمًا، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وبر صديقه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات فى المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وشربت الخمور، ولبس الحرير، واتخذت القينات والمعازف، ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحًا حمراء أو خسفًا أو مسخًا». وأخرج أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن ابن عباس، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله حرم علىِّ – وفى رواية: عليكم – الخمر والميسر والكوبة». قال الخطابى: الكوبة تفسر بالطبل، ويقال بل هو النرد، ويدخل فى معناه كل وتر ومزهر ونحو ذلك من الملاهى.
وبسبب ما ورد مما يفيد مشروعية الضرب بالدف فى الزواج وقدوم الغائب، وما ورد مما يفيد النهى عن المعازف بجميع أنواعها أو بعضها مما يعتمد على النفخ أو الضرب على الوتر، مع ما يعترى تلك الروايات من ضعف أو مقال، فقد اختلف الفقهاء فى حكم تلك المعازف أداءًا واستماعًا فى حكم الأصل على ثلاثة مذاهب فى الجملة. وللحديث بقية.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة