كان العالم فى مثل هذا اليوم "27 يوليو 1956" غير العالم الذى قبله بساعات قليلة، والتى أعلن فيها جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، فعواصم العالم الكبرى مشغولة برد الفعل على هذه الخطوة التى علق عليها "أنتونى إيدن" رئيس الوزراء البريطانى غاضبا من عبد الناصر: "لقد ذهب بعيدا، لقد فقد صوابه، ولابد أن نعيده إليه"، وقال فى اجتماع مجلس الوزراء الذى عقد لمناقشة ما حدث: "أيها السادة، إنكم علمتم ما حدث فى مصر، إن المصرى قد وضع إصبعه على قصبتنا الهوائية، ويجب أن لا نكتفى برفع إصبعه عن رقبتنا، ولكن يتعين علينا أن نقطع يده".
أما "عبد الناصر" وحسب كتاب "ملفات السويس" للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، فاختار البقاء بعض الوقت فى الإسكندرية التى أعلن منها قرار التأميم، وفى اليوم التالى له "27 يوليو"، ركز على موضوع واحد وهو حركة المرور فى قناة السويس، كان يريد الاطمئنان على نتائج يوم الامتحان الأول للإرادة المصرية، ومع ذلك لم يتصل مباشرة بـ"محمود يونس" قائد عملية التأميم، لأنه وجد أن مثل هذا الاتصال سوف يشغله ويربكه، وطلب من الجميع أن لا يبادروا بطلب "يونس" حتى بالتليفون، فلا ينبغى لأحد أن يقطع عليه شواغله، ويجعله يحس بأن هناك من يساورهم القلق وراءه، وقال للجميع إن محمود يونس له حق الاتصال بمن يشاء فى أى وقت يشاء، ولكن هذا الحق له وحده.
وأجرى "يونس" اتصالا وحيدا بـ"عبد الناصر"، أوضح فيه أن بعض البواخر العابرة للقناة ترفض دفع الرسوم للهيئة الجديدة، فرد عبد الناصر عليه بأن يدعها تمر، وأن يرسل إلى كل باخرة منها مذكرة بإضافة الرسوم إلى حسابات شركاتهم، وأكد على أن الملاحة لابد أن تستمر، ويتواصل مرور كل البواخر بغير تعطيل لاستيفاء الحسابات أو لغير ذلك من أسباب، فتعطيل باخرة واحدة فى هذا اليوم سيكون الذريعة التى ينتظرونها.
فى قلب هذا الحدث العظيم، كان كل أبطاله العظام نموذجا فى الإرادة الوطنية والعطاء، وفى طليعة هؤلاء محمود يونس (توفى يوم 18 إبريل 1976 )، والذى يصفه مساعده فى العملية المهندس عبد الحميد أبو بكر فى مذكراته: " كان يونس معروفا بقوة الشخصية، والصلابة والحنكة، وكان بحق مدرسة كبيرة فى القيادة والإدارة، كان مثلا أعلى فى جميع تصرفاته لكل من عمل معه، كان عملاقا فى عصر العمالقة".
كان يونس المولود فى يوم 3 أبريل 1912 زميلا لمناضلين كبار هما "فتحى رضوان" و"أحمد حسين" كما كان زميلا لـ"محمود مختار التتش" لاعب ورئيس النادى الأهلى التاريخى، والتحق بكلية الهندسة، وكان من زعماء الطلبة الذين قادوا المظاهرات عام 1936 ضد الاحتلال الإنجليزى، والتحق بعد تخرجه بالكلية الحربية بكلية أركان الحرب ليصبح مدرسا فيها، وتعرف فيها على جمال عبد الناصر الذى كان طالبا فى صفوفها لتبدأ بينهما صداقة طويلة.
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 27 يوليو 1956.. العالم يقف على أطراف أصابعه بعد قرار تأميم القناة.. و"يونس" وفريقه يديرون المعركة بكفاءة مبهرة
الأحد، 27 يوليو 2014 08:36 ص