استقر فى أعماقنا دائما أن التحديث هو التغريب، أى أن التقدم والتطور مرتبطان بالغرب وحده، وهذه نظرة سطحية ورؤية فاسدة، ففى التجارب الشرقية، والآسيوية تحديدا، ما يمثل البديل المحلى، فقد تعودنا منذ قرون الاستعمار والتبعية أن تشخص أبصارنا نحو الغرب نقلد ما يجرى فيه ونحاكى أساليبه فى التقدم، ولعلنا ندرك جيدا أن هناك ثلاث تجارب آسيوية برغم التفاوت بينها فى درجة التقدم، لكن «اليابان» و«الصين» و«الهند» تبقى مراكز إشعاع ومصدر ضوء للدول التى تتجه صوب المستقبل، وتريد أن تستلهم تجارب الآخرين، ولننظر كيف كنا وكيف أصبحنا، «فاليابان» أوفدت فى القرن الثامن عشر من يستطلع أسباب النهضة وميلاد مصر الحديثة فى عصر «محمد على»، و«كوريا الجنوبية» أوفدت فى ستينيات القرن العشرين من يدرس «التجربة الناصرية» وبناء القاعدة الصناعية، لذلك يتعين علينا الآن أن نقوم بعملية نقل ذكية ومحاكاة انتقائية لما يناسبنا من تجارب ناجحة فى الشرق الآسيوى، ومازلت أتذكر من سنوات أمضيتها فى «الهند» كيف أنهم كانوا يستغلون الميزة النسبية لديهم فى تحقيق التقدم دون النظر للنمط الغربى، فقد رأيتهم فى دورة «الآسيان» الرياضية يقومون ببناء ثمانية عشر «كوبريا» علويا فى العاصمة «نيودلهى» استعدادا لاستضافة الدورة بالجهد البشرى والعمالة اليدوية بسبب وفرتها، وتعلمت يومها أنه ليس من المهم أن تحاكى الآخر، وأن تنقل عنه، ولكن الأهم أن تعرف إمكاناتك الحقيقية وتستطيع توظيفها وفقا لما تملكه من مزايا قد لا يتمتع بها من هو أكثر تقدما منك، فالعودة إلى نظام تعليمى تقليدى قد تكون أنفع فى القرى الصغيرة من الانتظار لاستكمال منشآت مدرسية.. إننا يجب أن ندرك أيها السادة أنه لا يوجد التزام شرطى بين التحديث والتغريب.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة