يوسف أيوب يكتب: نحتاج رؤية جديدة لسياستنا الخارجية وإعادة تحديد مفهوم الأمن القومى.. "الخارجية" مطالبة بوضع تصور جديد يعيد لمصر مكانتها ويبتعد عن سياسة رد الفعل
الخميس، 24 يوليو 2014 02:45 م
سامح شكرى
كتب يوسف أيوب
كان العالم العربى مشغولا بما يحدث فى ليبيا، الكر والفر بين قوات اللواء خليفة حفتر والميليشيات الليبية المسلحة فى معارك ممتدة لبسط السيطرة على الأراضى الليبية فى معركة أطلق عليها «الكرامة»، وفجأة استيقظ العرب والعالم على خبر صادم وهو أن قوات «داعش» بدأت تسيطر على عدد كبير من المدن العراقية وتقترب من العاصمة بغداد، وبعدها بعدة أيام أعلن الدواعش عن تأسيس الخلافة الإسلامية فى العراق وتنصيب أبوبكر البغدادى خليفة للمسلمين، لتبدأ العراق مرحلة جديدة من الصراع ما بين الدواعش من جهة والشيعة والمسيحيين من ناحية أخرى، وهى معركة أقل ما توصف بأنها «حرب بالوكالة»، خاصة وأن داعش هى صنيعة مخابراتية لدول إقليمية أرادت أن تغير قواعد اللعبة فى المنطقة خاصة فى العراق وسوريا التى يمسك الشيعة بتلابيب الحكم فيهما، وهو ما أعطى لإيران قوة نسبية.
بعد السيطرة الداعشية على عدد من المدن العراقية حدث ما يشبه الانتفاضة العربية والدولية بعدما شعروا بخطورة ما يحدث وإمكانية امتداده لدول أخرى، فبدأت الاتصالات واللقاءات التى تحاول وضع نهاية لهذا السيناريو الخطير، وفى هذا الوقت بالتحديد تفجر الوضع من جديد فى قطاع غزة بسبب تهور من حركة حماس وتلهف إسرائيلى لتحقيق عملية عسكرية تنتشل تحالف نتنياهو من أزماته الداخلية، ومع تفجر الوضع فى غزة واستمرار العدوان الإسرائيلى عادت إلى الوجهة مرة أخرى الخلافات العربية – العربية.. ظهر من جديد التحالف القطرى الحمساوى فى مواجهة مصر ودول عربية أخرى، لكن ظل هدف هذا التحالف هو مصر، فى محاولة لرد الاعتبار لجماعة الإخوان التى أسقطها الشعب المصرى من على كرسى الحكم فى الثلاثين من يونيو 2013، فشاهدنا للمرة الاولى حركة حماس تجاهر بعدائها لمصر ورفضها لما طرحته من مبادرة لوقف العدوان على غزة، وهى المبادرة التى لاقت ترحيبا وتأييدا دوليا وموافقة إسرائيلية، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن قيادات حماس ممن كانوا يتمنون اليوم الذى يزورون فيه القاهرة، رفضوا تلبية الدعوة التى وجهها الأمين العام للجامعة العربية لزيارة مصر، وفضلوا البقاء فى العاصمة القطرية الدوحة، مع التنقل إلى عواصم خليجية أخرى.
حدث ما حدث فى العراق وليبيا وغزة، والوضع فى مصر لازال فى مرحلة الخطورة، فالإرهاب لم يمت بل إن يده تنشط فى أماكن غير متوقعة بالنسبة لنا، وكانت النتيجة أن 32 ضابطا وجنديا مصريا ارتقوا إلى سلم الشهادة بعدما تعرضوا لاعتداء إرهابى على كمين بمنطقة الفرافرة بالوادى الجديد قبل ساعتين من أذان المغرب، بعدما ظننا أن الإرهاب مكانه سيناء فقط.
إذن نحن أمام وضع جديد وتطورات خطيرة فى الإقليم تلقى بظلالها وآثارها السلبية على الداخل المصرى، فالمتوفر من معلومات حتى الآن أن منفذى حادث الفرافرة ينتمون لعناصر جهادية أو إخوانية عبرت إلى مصر عن طريق الأراضى الليبية مستغلين الوضع الليبى الهش، وبالتوازى مع ذلك فإن هناك من يستغل الوضع الحالى فى غزة لإعادة الهجوم مرة أخرى على الدولة المصرية وتصويرها على أنها متقاعسة فى الوقوف بجانب الأشقاء الفلسطينيين.
هذا الوضع الجديد والخطير يتعين علينا فى مصر أن نتعامل معه بدقة شديدة وفق خطة وإستراتيجية واضحة تحدد أولوياتنا وفق المستقبل المنظور للمنطقة، وهذا الأمر يتطلب عدة أمور من وجهة نظرى ربما تحتاج إلى وقت لكنها ستكون فاعلة فى تحديد هويتنا تجاه الأزمات الإقليمية التى تحدث من حولنا وتؤثر علينا فى الداخل.
من أهم هذه الأمور أن تعيد وزارة الخارجية دراسة الوضع الإقليمى الجديد لوضع سياسة خارجية جديدة تستعيد لمصر مكانتها ولا تبعدها عن دوائر صنع القرار أو التواصل مع كل الأطراف حتى وإن كان بعضها بمثابة العدو أو المضاد لمصر، وتقوم هذه السياسة والاستراتيجية على تآلف وتعاون فى التعامل بين الخارجية والأجهزة المسؤولة عن جمع المعلومات فى مصر وأتحدث هنا تحديدا عن جهاز المخابرات المصرى، ليحدث تكامل بين المؤسستين يحدد من خلاله أولويات أمننا القومى وبناء على ذلك تتحدد سياستنا الخارجية، لكى تكون خطواتنا مدروسة وليست فجائية ووفق الأهواء والظروف.
أتحدث عن تناغم فى تكرار للنموذج الذى أراه كان ناجحا حينما كان اللواء الراحل عمر سليمان يتولى رئاسة الجهاز، فكان هناك تناغم فى الأداء الخارجى بينه وبين وزارة الخارجية وكان من نتائج هذا التناغم أن كل من المؤسستين يحتفظ بعلاقات قوية مع كل الأطراف، فالخارجية تتولى التواصل مع الجانب الرسمى، أما المخابرات فكانت تفتح قنوات التواصل مع الجانب الآخر وكان أكبر مثال على ذلك أن كل الفصائل الفلسطينية وتحديدا حماس والجهاد كانوا على اتصال دائم مع المخابرات المصرية حتى فى ظل التوتر الشديد بين الحركتين وبين النظام السياسى الحاكم فى مصر، لان النظرية وقتها كانت تقول أنه من الأفضل أن أبقى على تواصل مع الجميع حتى وإن اختلفت مع بعضهم، على ان يذهبوا إلى من يناصبوننا العداء.
هذه نقطة الانطلاق الأولى إذا أردنا بالفعل استعادة دورنا الخارجى بما يصب فى صالح أمننا القومى، لأنه بدون سياسة واستراتيجية واضحة ستتحول سياستنا الخارجية إلى سياسة رد الفعل التى لن يكون لها أى جدوى وستفد مصر الكثير من مكانتها وستعطى الفرصة لآخرين لكى يتلاعبوا بمصر ويدفعوا بحركات مثل حماس لكى تظهر وكأنها ندا لمصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان العالم العربى مشغولا بما يحدث فى ليبيا، الكر والفر بين قوات اللواء خليفة حفتر والميليشيات الليبية المسلحة فى معارك ممتدة لبسط السيطرة على الأراضى الليبية فى معركة أطلق عليها «الكرامة»، وفجأة استيقظ العرب والعالم على خبر صادم وهو أن قوات «داعش» بدأت تسيطر على عدد كبير من المدن العراقية وتقترب من العاصمة بغداد، وبعدها بعدة أيام أعلن الدواعش عن تأسيس الخلافة الإسلامية فى العراق وتنصيب أبوبكر البغدادى خليفة للمسلمين، لتبدأ العراق مرحلة جديدة من الصراع ما بين الدواعش من جهة والشيعة والمسيحيين من ناحية أخرى، وهى معركة أقل ما توصف بأنها «حرب بالوكالة»، خاصة وأن داعش هى صنيعة مخابراتية لدول إقليمية أرادت أن تغير قواعد اللعبة فى المنطقة خاصة فى العراق وسوريا التى يمسك الشيعة بتلابيب الحكم فيهما، وهو ما أعطى لإيران قوة نسبية.
بعد السيطرة الداعشية على عدد من المدن العراقية حدث ما يشبه الانتفاضة العربية والدولية بعدما شعروا بخطورة ما يحدث وإمكانية امتداده لدول أخرى، فبدأت الاتصالات واللقاءات التى تحاول وضع نهاية لهذا السيناريو الخطير، وفى هذا الوقت بالتحديد تفجر الوضع من جديد فى قطاع غزة بسبب تهور من حركة حماس وتلهف إسرائيلى لتحقيق عملية عسكرية تنتشل تحالف نتنياهو من أزماته الداخلية، ومع تفجر الوضع فى غزة واستمرار العدوان الإسرائيلى عادت إلى الوجهة مرة أخرى الخلافات العربية – العربية.. ظهر من جديد التحالف القطرى الحمساوى فى مواجهة مصر ودول عربية أخرى، لكن ظل هدف هذا التحالف هو مصر، فى محاولة لرد الاعتبار لجماعة الإخوان التى أسقطها الشعب المصرى من على كرسى الحكم فى الثلاثين من يونيو 2013، فشاهدنا للمرة الاولى حركة حماس تجاهر بعدائها لمصر ورفضها لما طرحته من مبادرة لوقف العدوان على غزة، وهى المبادرة التى لاقت ترحيبا وتأييدا دوليا وموافقة إسرائيلية، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إن قيادات حماس ممن كانوا يتمنون اليوم الذى يزورون فيه القاهرة، رفضوا تلبية الدعوة التى وجهها الأمين العام للجامعة العربية لزيارة مصر، وفضلوا البقاء فى العاصمة القطرية الدوحة، مع التنقل إلى عواصم خليجية أخرى.
حدث ما حدث فى العراق وليبيا وغزة، والوضع فى مصر لازال فى مرحلة الخطورة، فالإرهاب لم يمت بل إن يده تنشط فى أماكن غير متوقعة بالنسبة لنا، وكانت النتيجة أن 32 ضابطا وجنديا مصريا ارتقوا إلى سلم الشهادة بعدما تعرضوا لاعتداء إرهابى على كمين بمنطقة الفرافرة بالوادى الجديد قبل ساعتين من أذان المغرب، بعدما ظننا أن الإرهاب مكانه سيناء فقط.
إذن نحن أمام وضع جديد وتطورات خطيرة فى الإقليم تلقى بظلالها وآثارها السلبية على الداخل المصرى، فالمتوفر من معلومات حتى الآن أن منفذى حادث الفرافرة ينتمون لعناصر جهادية أو إخوانية عبرت إلى مصر عن طريق الأراضى الليبية مستغلين الوضع الليبى الهش، وبالتوازى مع ذلك فإن هناك من يستغل الوضع الحالى فى غزة لإعادة الهجوم مرة أخرى على الدولة المصرية وتصويرها على أنها متقاعسة فى الوقوف بجانب الأشقاء الفلسطينيين.
هذا الوضع الجديد والخطير يتعين علينا فى مصر أن نتعامل معه بدقة شديدة وفق خطة وإستراتيجية واضحة تحدد أولوياتنا وفق المستقبل المنظور للمنطقة، وهذا الأمر يتطلب عدة أمور من وجهة نظرى ربما تحتاج إلى وقت لكنها ستكون فاعلة فى تحديد هويتنا تجاه الأزمات الإقليمية التى تحدث من حولنا وتؤثر علينا فى الداخل.
من أهم هذه الأمور أن تعيد وزارة الخارجية دراسة الوضع الإقليمى الجديد لوضع سياسة خارجية جديدة تستعيد لمصر مكانتها ولا تبعدها عن دوائر صنع القرار أو التواصل مع كل الأطراف حتى وإن كان بعضها بمثابة العدو أو المضاد لمصر، وتقوم هذه السياسة والاستراتيجية على تآلف وتعاون فى التعامل بين الخارجية والأجهزة المسؤولة عن جمع المعلومات فى مصر وأتحدث هنا تحديدا عن جهاز المخابرات المصرى، ليحدث تكامل بين المؤسستين يحدد من خلاله أولويات أمننا القومى وبناء على ذلك تتحدد سياستنا الخارجية، لكى تكون خطواتنا مدروسة وليست فجائية ووفق الأهواء والظروف.
أتحدث عن تناغم فى تكرار للنموذج الذى أراه كان ناجحا حينما كان اللواء الراحل عمر سليمان يتولى رئاسة الجهاز، فكان هناك تناغم فى الأداء الخارجى بينه وبين وزارة الخارجية وكان من نتائج هذا التناغم أن كل من المؤسستين يحتفظ بعلاقات قوية مع كل الأطراف، فالخارجية تتولى التواصل مع الجانب الرسمى، أما المخابرات فكانت تفتح قنوات التواصل مع الجانب الآخر وكان أكبر مثال على ذلك أن كل الفصائل الفلسطينية وتحديدا حماس والجهاد كانوا على اتصال دائم مع المخابرات المصرية حتى فى ظل التوتر الشديد بين الحركتين وبين النظام السياسى الحاكم فى مصر، لان النظرية وقتها كانت تقول أنه من الأفضل أن أبقى على تواصل مع الجميع حتى وإن اختلفت مع بعضهم، على ان يذهبوا إلى من يناصبوننا العداء.
هذه نقطة الانطلاق الأولى إذا أردنا بالفعل استعادة دورنا الخارجى بما يصب فى صالح أمننا القومى، لأنه بدون سياسة واستراتيجية واضحة ستتحول سياستنا الخارجية إلى سياسة رد الفعل التى لن يكون لها أى جدوى وستفد مصر الكثير من مكانتها وستعطى الفرصة لآخرين لكى يتلاعبوا بمصر ويدفعوا بحركات مثل حماس لكى تظهر وكأنها ندا لمصر.
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة