بدأت أزمة حماس مطلع شهر أكتوبر الماضى عندما أحكمت القوات المسلحة المصرية سيطرتها على الأنفاق الموجودة على الحدود بين رفح المصرية وقطاع غزة، وهو ما منع تهريب الوقود والبضائع والأموال، لكن ذلك ترافق مع تغييرات فى ميزان القوى الذى بات يهدد شرعية حماس، ومع تواصل الأزمة وجدت الحركة نفسها فى عنق الزجاجة.
وفرضت قضية الأنفاق ما بين مصر وغزة نفسها على الساحة السياسية والأمنية بعد الأحداث الأخيرة التى تورط فيها بعض أعضاء حماس، واستخدام تلك الأنفاق فى تهريب الأسلحة والمواد المخدرة، فضلاً عما تمثله الأنفاق من تهديد لمنظومة الاقتصاد من خلال ارتفاع أسعار بعض السلع المهربة عبر الأنفاق إلى غزة، وهو ما وضع تحديًا خطيرًا أمام القوات المسلحة تجسد فى البدء فورًا فى هدم تلك الأنفاق من خلال العملية التى أطلق عليها "نسر".
وألزمت محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة الرئيس المعزول محمد مرسى، ووزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى "آنذاك"، ووزيرى الداخلية والخارجية، باتخاذ الإجراءات اللازمة لهدم وإغلاق جميع الأنفاق والمنافذ غير الشرعية على الحدود بين مصر وقطاع غزة، والتى يبلغ عددها ما يقرب من 450 نفقًا رئيسًا و750 نفقًا فرعيًا بإجمالى 1200 نفق وقد ارتفع هذا الرقم إلى 1600 نفق عقب اندلاع ثورة 25 يناير.
وقد تحولت تجارة الأنفاق مع الزمن إلى مصدر كبير للرزق والثراء، وتمثل دخلاً مهمًا لخزينة حكومة غزة المقالة التى كان يرأسها إسماعيل هنية، وكان يدخل عبر هذه الأنفاق يوميًا آلاف الأطنان من الوقود والسلع والبضائع المختلفة والأدوية، ومواد البناء، مثل الأسمنت والحديد، هذا غير تهريب السيارات والسجائر. ولا يُعرف عدد دقيق للأنفاق، لكن مصادر فلسطينية تقول إنها قد تصل إلى 60 نفقًا رئيسيًا، وأكثر من ألف فرعى.
وتتنوع الأنفاق بين مصر وقطاع غزة والتى تتبع حركة حماس ما بين أنفاق خاصة تابعة للحركة فقط وأنفاق عامة للآخرين، ويكلف حفر النفق الواحد نحو80 ألف دولار، بحسب حجمه وطوله، وإذا ما عمل بشكل متواصل فقد يصل دخل النفق الواحد إلى 300 ألف دولار شهريًا.
ويقدر الخبراء الإسرائيليون والأمريكيون حجم تجارة الأنفاق بنحو10 مليارات دولار سنويًا تشمل تهريب جميع أنواع البضائع والسلع ويأتى فى مقدمتها المنتجات الغذائية والأسلحة.
ويعمل بتجارة الأنفاق أكثر من 10 آلاف فلسطينى بشكلٍ مباشر وغير مباشر وتعتبر أنفاق غزة هى البوابة الشرعية لتجارة المخدرات الإسرائيلية والفلسطينية وتجارة السلاح وتهريب جميع المنتجات الإسرائيلية إلى أفريقيا بطريقة غير شرعية وبعيدًا عن الضرائب والجمارك والرسوم الحكومية.
وقال مصدر فلسطينى لـ"اليوم السابع" إن أنفاق حماس التى تخص الحركة يعمل فيها رجال تابعون للحركة، وتكون خاصة بتهريب وإدخال ما يخص الحركة سيارات، سلاح، وما شابه، ويتحرك منها رجال حماس أيضا، أما الأنفاق العامة، فهى ملك أشخاص عاديين، ولهم شركاء مصريون من البدو، وهذه تخضع لإشراف حماس وتخصص للبضائع والسلع.
وشكلت حركة حماس فى الأعوام السابقة لجنة خاصة للأنفاق، مهمتها الإشراف عليها وتحديد الضريبة المناسبة على كل بضاعة مهربة وتحصيلها من أصحاب هذه الأنفاق، وأعطت هذه اللجنة للأنفاق صفة الشرعية وتراقب هذه اللجنة وترصد كل النشاطات والتحركات، وتضع مراقبين على بوابات الأنفاق، وهى مختصة بمنح تراخيص لفتح أنفاق جديدة، وهذه تتطلب قدرة من المتقدم على الوفاء بالتزامات مالية كبيرة، وكثيرًا ما قبلت اللجنة منح تراخيص لأنفاق جديدة، وتقدر مصر حجم تجارة الأنفاق بمليار دولا سنويًا.
وفيما يتعلق بالأموال التى تحصل عليها حماس نظير التهريب من الأنفاق الحدودية، فكانت كالتالى:
1. الحديد والأسمنت والزلط وأحجار البناء، يتم التعامل معهم بالطن، وتقوم حماس بتحصيل 75 شيكلاً "ما يعادل 150 جنيهًا مصريًا" على كل طن يدخل الأنفاق من رفح إلى غزة، ويتم تهريب نحو400 طن يوميا.
2. السيراميك يتم التعامل معه بالكرتونة (حجم 50 سم فى 50 سم)، وتحصل حركة حماس على 3 شيكلات لكل كرتونة، ويهرب يوميًا مالا يقل عن 6 آلاف كرتونة.
3. الخشب بـ"الطن" وتحصل الحركة على 120 "شيكل" على كل طن، ويهرب يوميًا نحو 3 آلاف طن.
4. المواد الغذائية بأنواعها المختلفة، وتحصل الحركة على 150 شيكلاً، ويهرب يوميًا 500 طن.
5. يما يتعلق بالغاز الطبيعى فيتم تحصيل 75 أجورة (بمعنى 75 قرشًا مصريًا) على كل لتر، ويهرب يوميًا نحو 6 آلاف لتر.
6. أما بالنسبة للسولار، يتم تحصيل 2 شيكل على كل لتر، ويهرب يوميا نحو6 آلاف لتر.
7. السجائر، يتم تحصيل 10 شيكلات على كل (قاروصة) سجائر، و55 شيكلاً على كل "كرتونة سجائر".
8. لا تسمح حماس بعبور السيارات من أنفاق التهريب، إذا كان الموديل أقدم من 2012، بمعنى أن السيارة تكون "زيرو"، ويتم تحصيل 1500 شيكل على كل سيارة يتم تهريبها، بالإضافة إلى تحصيل 5 آلاف دولار تأمين يدفعها صاحب النفق نفسه للجنة الأنفاق التى تديرها حماس.
9. الأسمنت: يصل من تركيا عن طريق البحر، إلى ميناء العريش، ثم يتم نلقه إلى المخازن، ومنها إلى طريق الأنفاق.
وأشارت مصادر فلسطينية بقطاع غزة إلى أن النفق الواحد كان يحقق عائدًا ماليًا لصاحبه يقدر بنحو300 ألف دولار شهريًا، وأن قيمة ما يتم إدخاله من بضائع عبر النفق الواحد تقدر بنحو600 ألف دولار شهريًا، ما يعنى أن الرسوم وقيمة البضائع الواردة عبر النفق تقدر بنحو مليون دولار شهريًا، وباحتساب أن هناك نحو300 نفق فإن حجم تجارة الأنفاق يقدر بنحو300 مليون دولار شهريًا، بحسب المصدر.
ويشير اقتصاديون إلى أن تجارة الأنفاق كانت تسهم بـ15% من ميزانية حماس، فيما تحصل على دخل آخر من خلال الضرائب التى يدفعها الناس، ناهيك عن الدعم الذى كانت تتلقاه من إيران وسوريا، غير أن ذلك كله توقف الآن بانتظار كيف ستعيد حماس صياغة الموقف، وتعكس الحالة المتردية لأوضاع الناس فى قطاع غزة وضع حماس الصعب.
وتطالب حركة حماس دائمًا بفتح معبر رفح مع مصر على مدار الساعة على الرغم من أنها لا تعد الممثل الرسمى لدولة فلسطين، وإنما تسعى لذلك من أجل إنعاش تجارتها وخلق منطقة تجارة حرة مع مصر لتنمية اقتصاد الحركة إضافة لبسط سيطرتها على معبر رفح وخلق كيان مستقل ولا يعد معبر رفح الوحيد مع القطاع ولكن تحيط بقطاع غزة ستة معابر خلاف رفح ولا يدخل القطاع ولا يخرج منه شىء دون المرور بأحدها، وتخضع الستة معابر لسيطرة إسرائيل والمعبر الوحيد الخارج عن سيطرة الاحتلال هو معبر رفح. ومعابر غزة السبعة هى:
معبر المنطار ويعرف إسرائيليا باسم (كارنى)، ويقع غزة، ويخضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، وهو أهم المعابر فى القطاع وأكبرها من حيث عبور السلع التجارية بين القطاع وإسرائيل.
معبر بيت حانون ويعرف إسرائيليا باسم (إيريز)، ويقع شمالى غزة، وتكمن أهميته فى أنه مخصص لعبور الحالات المرضية الفلسطينية المطلوب علاجها فى إسرائيل أو الضفة الغربية أو الأردن. ويمر منه الدبلوماسيون والصحفيون والبعثات الأجنبية والعمال وتجار القطاع الراغبون فى الدخول بتصاريح إلى إسرائيل، كما تمر منه الصحف والمطبوعات.
معبر العودة ويعرف إسرائيليا باسم (صوفا)، ويقع شرق مدينة رفح، وهو معبر صغير ومخصص للحركة التجارية، وأغلبها مواد البناء التى تعبر باتجاه قطاع غزة فقط، فلا تعبر منه أى مواد نحو إسرائيل. ويعمل أحيانا عن معبر المنطار (كارنى).
معبر الشجاعية ويعرف إسرائيليًا باسم (ناحال عوز)، وهو معبر حساس فمنه يمر الوقود نحو القطاع. ويقع تحت إشراف شركة إسرائيلية يناط بها توريد الوقود نحو غزة. والمعبر عبارة عن مكان تتصل به من الجانبين أنابيب كبيرة يفرغ فيها الوقود القادم من إسرائيل.
معبر كرم أبو سالم ويعرف إسرائيليًا باسم (كيرم شالوم)، ويقع على نقطة الحدود المصرية الفلسطينية الإسرائيلية، ويخضع للسيطرة الإسرائيلية بالتنسيق مع مصر، ومخصص للحركة التجارية بين القطاع وبين إسرائيل، ويستخدم أحيانًا لعبور المساعدات إلى القطاع كما يمر منه بعض الفلسطينيين حين يتعذر عليهم استعمال معبر رفح القريب منه.
معبر القرارة ويعرف إسرائيليا باسم (كيسوفيم)، ويقع بين منطقة خان يونس ودير البلح، ومخصص للتحرك العسكرى الإسرائيلى حيث تدخل منه الدبابات والقطع العسكرية كلما قررت إسرائيل اجتياح القطاع.
معبر رفح ويقع جنوب القطاع وعلى الحدود المصرية الفلسطينية، ويستخدم لعبور كل فلسطينى يحمل هوية فلسطينية. ويستخدم المعبر لتصدير البضائع الفلسطينية خاصة منها المنتجات الزراعية رغم اعتراض إسرائيل.
وجود الأنفاق يخلق حالة من عدم الاستقرار الأمنى فى سيناء يقصد منه إرهاق الجيش المصرى بالإضافة إلى المخطط الذى لا يخفى على الكثير من المصريين المحاولات الجهادية لخلق إمارة إسلامية فى سيناء أى الاستقلال التام بها يؤدى إلى إنشاء دولة فلسطينية فى غزة وسيناء عن طريق منح الجنسية بلا شروط وهو ما تجسد مؤخرًا فى القضية التى أثيرت عن سرقة ماكينات لطباعة الرقم القومى والهدف معلوم تمامًا كل هذا لحل المشكلة اليهودية على حساب المصريين.
بالإضافة إلى سعى حركة حماس لفتح معبر رفح على مدار اليوم وتبسط سيطرتها على إدارته وهو أحد مخططات الحركة لخلق كيان مستقل عن السلطة الفلسطينية وذلك خلافًا لرغبتها فى تأسيس منطقة للتجارة الحرة بين مصر والقطاع، وتطالب حركة حماس فى الآونة الأخيرة بفتح معبر رفح الذى يعد بوابتهم للعالم عقب الحصار الذى تفرضه تل أبيب على باقى المعابر الستة، وبالرغم من ذلك تفتح مصر معبر رفح أمام الحالات الإنسانية ومرور الحجاج وطلاب قطاع غزة وذلك بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى.
موضوعات متعلقة...
إسرائيل: اكتشاف نفقا آخر فى غزة يحتوى على أسلحة وملابس عسكرية وخرائط
"واشنطن تايمز": عناصر حماس ترتدى الزى العسكرى الإسرائيلى فى غزة
نرصد المعابر الحدودية لغزة وحجم تجارة الأنفاق.. مصادر: "حماس" تسعى لبسط سيطرتها على معبر رفح لتكوين كيان مستقل.. وتؤكد: أرباح الحركة من الأنفاق تقدر بمليار دولار سنويًا.. ويعمل بها أكثر من 10 آلاف شخص
الأربعاء، 23 يوليو 2014 08:30 م