مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" ..الحلقة 32.. مبارك وجورج بوش والفرص الضائعة..نجا مبارك من حرب الخليج الأولى والثانية وأصر على التلاعب بمطالب الأمريكان بين التغيير والهروب
الأربعاء، 23 يوليو 2014 01:03 م
غلاف الحلقة
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى كل مرة كانت الضغوط تشتد، ويخرج منها مبارك أقوى، وكان رئيسا محظوظا، حصل على الكثير من الفرص، وكان يمكن لمبارك أن يستمر فى السلطة مع إجراء تغييرات واضحة، لكنه مع غموض التوريث، ترك الأمور غائمة وغامضة، وهو غموض ساعد فى نمو الفساد وتحالفات السلطة والثروة. لقد كانت بداية الفرص الضائعة.
بعد غزو العراق والضغوط الأمريكية والدولية على الدول والأنظمة العربية لإجراء إصلاحات سياسية فى بنية الأنظمة السياسية، وشعرت بعض الأنظمة العربية بخوف، لكن من الواضح أن الرؤساء بخبراتهم فى السلطة، كانوا يبدون استعدادا للتغيير فى الظاهر! بينما يصرون على السير فى طريقهم الذى حفظوه سنوات وعقودا، كان مبارك تخطى الـ22 عاما فى الرئاسة، وكان يعتبر نفسه صاحب رؤية ثاقبة، ويعلن أنه لا يجد من يصلح للرئاسة من بعده، وأنه يسعى للتغيير فى السياسات وليس فى الوجوه.
كان مبارك حريصا على استمرار الغموض، ولهذا كان ينفى توريث الحكم، بينما كل الاتجاهات والتصرفات تشير إلى تصعيد لجمال ورجاله، وحرص مبارك على أن يبقى علاقته بالولايات المتحدة مستمرة وقوية، بالرغم مما كان يقبله من ضغوط، وكان مبارك تعامل بشكل برجماتى مع غزو العراق، حيث كان يكتفى بإعلان التحذير من الغزو، ويترك الحزب الوطنى والأحزاب تنظم مظاهرات ضد غزو العراق، ويواجه بعض هذه المظاهرات بالعنف والقمع، وبعد الغزو والضغوط بدا مبارك يستعد للتعامل مع الموجة العاتية بنفس الطريقة بهدوء ومناورة، وإعلان إشارات متضاربة، لكنه كان قد أرسل جمال إلى الولايات المتحدة قبل غزو العراق، وأعلن جمال متابعته للأمر بل وهناك من كان من الصحفيين والمحللين المقربين من جمال أبدوا تأييدا للغزو أو على الأقل وجدوا له تبريرات، ومنهم الدكتور عبدالمنعم سعيد عضو لجنة السياسات، ومدير مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، وزار جمال مبارك الولايات المتحدة فى عام 2003 قبيل الغزو الأمريكى للعراق.
وقالت وسائل إعلام عربية آنذاك: إن تشينى أقنع جمال خلال اللقاء بالضغط على والده مبارك لوقف معارضته لشن الحرب على العراق، وبالفعل صدرت الأهرام فى اليوم التالى للغزو وعلى صدرها حديث طويل لـ«ديك تشينى» ومعالجة إخبارية بدت منحازة لغزو العراق أكثر من الصحافة الأمريكية، كما تمت استضافة مقالات الكاتب الأمريكى المؤيد للحرب توماس فريدمان واستضافته فى الإعلام وإعادة نشر مقالاته، صحيح أن الأهرام كانت تنشر آراء مع أو ضد الغزو، لكنها كانت قد ساهمت فى التركيز على وجهة النظر الأمريكية.
حسنى مبارك مع الحرب على العراق ببرجماتية لم يصطدم مع الأمريكان، ولم يساندهم بوضوح، وذكر جورج دبليو بوش الابن فى مذكراته أن مصر أخبرت الجنرال تومى فرانكس قائد القيادة المركزية الأمريكية فى ذلك الوقت أن العراق لديه أسلحة دمار شامل، وأنه سيقوم باستخدامها ضد الأمريكان وقبل صدور مذكرات بوش ذكر الجنرال تومى فرانكس، قائد القوات المشتركة فى العراق «أن الرئيس المصرى حسنى مبارك أطلعه على أن العراق لديه أسلحة»، لكن الخارجية المصرية والرئاسة أصدرتا بيانات كذبتا فيها جورج بوش، وقال مبارك إن جورج بوش كان كاذبا فى كل ما ذكره عن حرب العراق والغزو، ولا يمكن تصديقه، وبالفعل كان جورج بوش قد طلب من جمال أن يقنع مبارك بالحرب، بما يعنى أن جمال كان أكثر ليونة من الأب تجاه العراق.
والحقيقة أن شخصية حسنى مبارك كانت محيرة، ومليئة بالتناقضات، ولم يكن من السهل على أحد تبين نيته أو ما يفكر فيه على وجه اليقين، وهو أمر اتفق عليه كل من تعامل مع مبارك عن قرب أو عن بعد، ومن الكتاب الذين ركزوا كثيرا فى تحليل شخصية حسنى مبارك كان الباحث البريطانى روبرت سبرنجبورج فى كتابه «مصر مبارك.. تفكيك النظام السياسى».
وجاء فى الكتاب أن مبارك كان كثيرا ما يهدر الفرص التى كان يمكنه من خلالها نسج علاقة مع الرأى العام، ويقول الكاتب: كانت هناك مناسبات عديدة لمبارك يمكن أن يستغلها للاقتراب من الرأى العام وأهدرها بدءا من أحداث الأمن المركزى عام 1986 وبالرغم من أنه تجاوز الأزمة واكتسب إعجاباً بقدرته على التعامل مع الأزمة بسلاسة، لكن الرأى العام فى كل مرة ينتظر منه أن يقدم خطابا سياسيا فى مجلس الشعب، لكن مبارك أهدر الفرصة وجعل الإعجاب ينتقل لغريمه أبوغزالة، حتى فكر فى الإطاحة به.
ويقول الباحث، إن مبارك أعطى الانطباع بأنه معزول تماما عن المشاعر العامة خاصة فى الأحداث الدرامية الكبرى مثل احتراق قطار الصعيد عام 2003 وغرق العبارة فى 2006، حيث بدا شخصا لا يستطيع قراءة الرأى العام ويجد صعوبة فى التعبير عن رغبات الجماهير، ونقل عن الدكتور على الدين هلال: أن مبارك يفتقر إلى امتلاك قدرات بناء علاقات عامة، ولم يفهم قيمة انتهاز الفرص لبناء جسور علاقات جديدة مع الناس. ويقول الباحث البريطانى، إن أسلوبه الجاف فى تعامله مع الناس كما بدا من خطاباته وحواراته، فرض على مستشاريه أن يبذلوا جهدا كبيرا لتصويره للناس على خلاف ذلك، ومن حين لآخر كان يخرج أحد المستشارين أو الأتباع ليقول للناس، إن الرئيس يتابع القضية الفلانية عن كثب وأنه لا يتخذ قراراً إلا بعد الاستماع لجميع الآراء ووجهات النظر، كثيرا ما كان الدكتور أسامة الباز يخرج ليقول هذا للناس ويدافع عن مبارك وهو نفسه كثيرا ما كان يحمل رسائل مبارك، ويتصدى للدفاع عن وجهة نظر مبارك بما فيها أحيانا تبرير التوريث والدفاع عن وجهة نظر مبارك فى رفض تعيين نائب وترك الأمور فيما يخص الحكم مفتوحة، وفى شؤون الاقتصاد لم يحسم مبارك أبدا موقفه وما إذا كان مع الاتجاه الاشتراكى أو الرأسمالى أو المختلط، لكنه ترك كل رئيس حكومة يتصرف كما شاء، الأمر الذى فتح الباب لمغامرات، وفساد وتداخل.
ترك مبارك ملف الخصخصة فى يد عاطف عبيد عندما كان وزيرا لقطاع الأعمال، وأيضا رئيسا للوزراء، واستمرار الخصخصة بلا قواعد، فضلا عن كون عبيد كان رئيس حكومة يحترف إطلاق الوعود والأرقام، حتى الخصخصة لعبة عبيد ومجال عمله، انتهت حكومته دون أن تنفذ شيئا، وحظيت بهجوم رجال الأعمال والمواطنين، عبيد أحضر تلميذه مختار خطاب لإتمام برنامج الخصخصة، وفى 10 أغسطس 2002، تحدث مختار خطاب وزير قطاع الأعمال لمجلة «الأهرام العربى» وعلق تأخر نتائج الإصلاح الاقتصادى على شماعة الأزمة الآسيوية عام 1998، ثم حادث الأقصر الإرهابى، وقال خطاب، إن قيمة ما تم بيعه 16 ملياراً و905 ملايين جنيه بخلاف الأصول، تحصل منها 14 ملياراً و689 مليون جنيه، أنفق منها 4.5 مليار جنيه للبنوك، و7.2 مليار جنيه معاشاً مبكراً، و578 مليون جنيه إصلاحا فنيا وإداريا، و396 لصندوق إعادة الهيكلة، و7 مليارات و549 مليون جنيه لخزينة الدولة، أى أن البيع والتصفية انتهيا بدون أى نتائج أو فائدة للعمال ولا للاقتصاد.
وقد تواصلت بورصة التغييرات طوال العام ما بعد سقوط صدام، كما بدأت عام 2004 ما سمى بالثورة البرتقالية فى أوكرانيا، وكان مبارك بخبرته الطويلة، يعرف أن ما يجرى فى العالم من مطالبات بالإصلاح والتغيير إنما هو «هوسة وهتعدى»، بل هو قال لبعض مقربيه ذلك، وكثيرا ما كان مبارك كلما التقى مع رؤساء أو ملوك ويأتى الحديث عن التغيير، يقول نحن نغير بما يناسب ظروفنا، فى مارس 2004 انعقد مؤتمر قضايا الإصلاح العربى بالإسكندرية، وانفض، حيث تم على عجل جمع عدد كبير من المثقفين والسياسيين، ليناقشوا مبادرة الإصلاح السياسى العربى، وهو مؤتمر افتتحه الرئيس مبارك وعدد من الحكام العرب، وكان هناك نفى للربط بين توقيت وموضوع المؤتمر، وبين أى ضغوط خارجية، وصدرت توصيات حملت اسم «وثيقة الإسكندرية»، وطالبت الأنظمة العربية بفتح باب تداول السلطة وإجراء انتخابات حرة، وإلغاء الحبس الاحتياطى والاعتقال بسبب الرأى، وإطلاق سراح سجناء الرأى، وإلغاء القوانين الاستثنائية وحرية تشكيل الأحزاب وإصدار الصحف ووسائل الإعلام، وتشكيل مؤسسات المجتمع المدنى.وإلغاء الاستثناءات، والقضاء على الفساد، ودعم حقوق الإنسان.
كل القضايا والتوصيات التى تم طرحها ومناقشتها دون أية آليات للتنفيذ، لم يكن أحد يصدق أن أياً من الأنظمة العربية التى عاشت وترعرعت فى التسلط والكبت والقوانين الاستثنائية، والانتخابات المزورة، يمكنها فجأة أن تترك التسلط، وترتدى ملابس الديمقراطية، لكن كانت الأنظمة تتحرك بضغط واضح من أمريكا وأوروبا، وبدأت تتصرف فى محاولة للهروب من الضغوط بادعاء العمل فى الإصلاح.
كان مؤتمر الإصلاح بالإسكندرية برعاية مبارك نفسه، الذى أعلن فى أكثر من خطاب أن الإصلاح مستمر فى مصر طوال الوقت وأن مصر لا تخضع للضغوط وإنما تمارس الإصلاح بشكل طبيعى.. كانت الإسكندرية التى شهدت افتتاح وفعاليات مؤتمر الإصلاح قد أغلقت تماما بشوارعها ومداخلها أثناء المؤتمر وتسربت شائعات عن أن مبارك سوف يعلن إلغاء حالة الطوارئ وقانون الطوارئ، والإعلان عن إجراءات ديمقراطية، وبالفعل كانت هناك مؤشرات على ذلك، لكن مبارك تراجع عن كل هذا، وكان مبارك يحب أن تتداول الأحزاب والتيارات السياسية والنخب شائعات عن التغيير، وغالبا لم يكن يتخذ أى خطوات.
كانت هناك مقاومة من داخل نظام مبارك لإجراء إصلاحات حقيقية، وهذه المقاومة كانت تأتى من مستويين، الأول هو مبارك نفسه الذى كان قد واجه ضغوطا ومطالبات بأن يجرى تغييرات، بينما كان يتعامل معها بخبرته، فى الصمود والتعامل بهدوء، وكانت هناك مؤشرات بأن مبارك نفسه هو الذى فكر فى توريث جمال، وأنه بالرغم من نفيه فقد كان النفى جزءا من إخفاء النوايا، وكان هناك اتجاه آخر تمثله سوزان ثابت التى كانت تدفع نحو تصعيد جمال ونقل السلطة إليه فى وجود والده، لكن مبارك كان يقاوم هذا لأنه كان يخشى من مصير الأب خارج السلطة.
وكانت سوزان مبارك نفسها وراء مؤتمر الإصلاح العربى بالإسكندرية، بدفع من رئيس مكتبة الإسكندرية الدكتور إسماعيل سراج الدين، الذى كان أحد المقربين منها، لكن مبارك كعادته كان يناور من أجل امتصاص الضغوط دون أن يكون لديه استعداد حقيقى للتغيير، وقبل شهور انعقد المؤتمر الثانى للحزب الوطنى، وانفض دون أن يصل إلى أى نتائج حقيقية غير الحديث الإنشائى والكلام عن الفكر الجديد، وكان الهدف هو تأكيد تصعيد جمال ولجنة السياسات، وإجراء تغييرات وتحركات.
كانت الفرصة سانحة لمبارك ليجرى تغييرات جذرية فى نظام الحكم، لكنه احتفظ بطريقته التى بدأ بها حكمه وهى تجاهل أى مطالب أو تحولات والسير فى نفس الاتجاه، كان إسقاط نظام صدام حسين فى الغزو الأمريكى كاشفا لهشاشة الأنظمة العربية بكل أنواعها، جمهورية أو ملكية وكان العالم أصبح بالفعل قرية صغيرة تتصل ببعضها البعض بشكل فورى، كانت حرب الغزو تدور على الهواء مباشرة وفى مصر التواصل بالتليفون المحمول والإنترنت أمر عادى ضمن الحياة اليومية، كان الشارع السياسى يموج بالمظاهرات والاعتراضات الكبيرة والمطالب السياسية بإجراء تغييرات بينما الوضع السياسى يزداد غموضا، ويرفض الرئيس حسنى مبارك تقديم إجابة حاسمة ونهائية حول المستقبل، الأسئلة المطروحة فى السياسة منذ عام 1999 التى بدأت تتصاعد فى الأجواء، كانت شبكة الإنترنت قد اتسعت وأصبحت الكتابة ونشر الأخبار والبريد الإلكترونى والمواقع الإخبارية كلها وسائل للنشر، والتفاعل بين الشباب فى الداخل، وأيضا بين البشر فى دول مختلفة، كانت الأوضاع الاقتصادية تسير نحو مزيد من الخصخصة والحديث عن التنمية بينما يتسع تحالف السلطة والثروة بشكل كبير ليمتد من الصناعة إلى مجلس الشعب.
«لو لم يبدأ الرئيس بوش عملية وضع الإصلاح فى أذهان الناس لكنا أكثر لا مبالاة.. كان هناك ضغط خارجى وكان على الناس أن ينظروا فى المرآة ويفكروا فى كيفية التحرك». كانت كلمات الملك الأردنى عبد الله بن الحسين فى مقابلة مع شبكة تليفزيون إيه. بى. سى. نيوز الأمريكية، والمرة الأولى التى يعترف فيها حاكم عربى بأن أى تعديل أو تغيير سياسى يتم تحت ضغط أمريكى، كان الإعلام الرسمى فى مصر مشغولا بالتأكيد على أن مصر لا تخضع لأى ضغوط وأن التعديلات من «بنات أفكارنا». بدت كلمات الملك الأردنى وكأنها قفاز يلقى فى وجوه الجميع، يقول لهم، لا تعبثوا و«تتشاجعوا» إن ما يجرى يتم غصبا عن الجميع، وما نراه من مؤتمرات وجلسات، هو محاولة إخراج لسيناريو اضطرارى، كان ما يجرى لا يكشف عن إجراء تغييرات سياسية أو ديمقراطية، إنما تدخل ضمن سيناريوهات الاضطرار التى يحاول فيها كل نظام أن يطاطئ للموجة حتى تمر دون أن يمتلك استعدادا حقيقيا لتغيير النظام.
ومن هنا لم تكن الدعوة لتعديل الدستور، أو فتح باب الترشيح للرئاسة محلية خالصة، فقد ظلت الديمقراطية مطلبا ملحا قبل غزو العراق بسنوات، لكنها لم تكن مسموعة أو ملتفتا إليها.
فى يوليو 2004 كلف حسنى مبارك الدكتور أحمد نظيف برئاسة الحكومة الجديدة، وتم إبعاد الدكتور عاطف عبيد بعد طول انتظار والكثير من الكلام عن مخالفات وتواطؤ وتلاعب فى الخصخصة والبيع. جاء أحمد نظيف ولم يكن متوقعا فقد شغل وزارة الاتصالات فى حكومة عبيد، منذ تشكيلها عام 1999 وقبل مبارك استقالة حكومة الدكتور عاطف عبيد، فى تغيير طال توقعه، وكان اختيار نظيف وطريقة اختياره يعكسان الدور الذى يلعبه جمال مبارك فى السياسة، ويومها ذكرت تقارير أن الحكومة تم تشكيلها بمعرفة جمال فى نادى القوات الجوية.
كان نظيف سابع رئيس وزراء فى عهد مبارك وهو أصغرهم سنا، كما أنه أول رئيس للحكومة من خارج الاقتصاديين، الذين توالوا على رئاسة الحكومة منذ عام 1987، وكان دور جمال مبارك فى الدفع بأحمد نظيف واضحا، وسبقه اجتماعات خاصة، مع نظيف، كما كان لأحمد عز دور فى الاختيارات، وكان مبارك الذى بلغ 76 سنة سافر إلى ألمانيا لإجراء عملية فى العمود الفقرى، فوض خلالها كل صلاحياته القانونية والدستورية إلى رئيس الوزراء، كما ترك صفوت الشريف وزارة الإعلام وتولى منصب أمين عام الحزب الوطنى، وظلت الوزارة حائرة، حيث تم دمجها لفترة مع وزارة الثقافة، ثم تولاها الدكتور ممدوح البلتاجى حتى فبراير 2005، حيث تم إسنادها إلى أنس الفقى، وكان الفقى تم تعيينه رئيسًا لهيئة العامة لقصور الثقافة، ثم عُيّن وزيرًا للشباب فى 13 يوليو 2004 فى حكومة أحمد نظيف، وفى 15 فبراير 2005، تولى وزارة الإعلام، وكان من بين الأسماء التى ارتبطت بالقرب من سوزان مبارك، التى كانت ترتاح لشخصيات ولا ترتاح لشخصيات أخرى، كان أنس الفقى من الوزراء الجدد الذين ارتبط تعيينهم بجمال مبارك وصعوده، وإن كان استطاع أن يدير الإعلام وجهازه بطريقة صفوت الشريف الاحترافية، من حيث التركيز على التنوع والعائد الاقتصادى، والتعاون مع القطاع الخاص.
حكومة الدكتور أحمد نظيف ضمت عددا من رجال الأعمال فى مناصب الوزراء للمرة الأولى بهذه الكثافة، مثل محمد منصور للنقل وزهير جرانة للسياحة ورشيد محمد رشيد للصناعة والتجارة وأحمد المغربى للإسكان، كما كان يوسف بطرس غالى مستمرا وفى صعود انتقل من وزارة الاقتصاد إلى المالية، وظهر محمود محيى الدين ليشغل منصب وزير الاستثمار، بل إن الوزارة كانت تضم أولاد خالة وأقارب من رجال الأعمال، تزامنا مع صعود أحمد عز سياسيا وماليا وظهور واضح لجمال مبارك وكانت هناك مؤشرات على أن حكومة نظيف وعددا من الوزراء فيها من اختيار جمال ولجنة السياسات، وكانت وجهة نظر مبارك أن الحكومة فى حاجة إلى ضخ دماء جديدة مثل الحزب حتى يمكن لها أن تكون مواكبة للأفكار العالمية والتغييرات فى العالم، كان رجال جمال مبارك يظهرون فى اتجاهات مختلفة، فى مجلس الشورى وفى المؤسسات والهيئات، وكانوا بالفعل من القيادات الشابة، وفى الإعلام والصحافة ظهرت على استحياء فى البداية تيارات وأشخاص يؤيدون جمال أو يمدحون فيه ولا يجدون مشكلة فى أن يتولى الحكم، وكانوا يبررون هذا بأنه مواطن مصرى ومن حقه أن يترشح وينافس ولكن كان هناك مزج بين استمرار تأييد مبارك رئيسا، وفى نفس الوقت فتح باب مع جمال مبارك انتظارا لما يمكن أن تسفر عنه الأيام، وقد كان هذا الغموض سببه الرئيسى عدم وضوح رؤية مبارك والاستمرار بين النفى والتأكيد.
لم تكن الخصخصة اكتملت أو أثمرت غير البطالة والمعاش المبكر والفقر، بينما كان تحالف السلطة والثروة يتسع بشكل لا يحتاج إلى اكتشاف.
وينقل صلاح منتصر قصة أن الشرطة قبضت فى عام 2004 على شاب تم ضبطه وهو يكتب على حائط منزله «لا للتوريث» وعندما علم مبارك أمر بالإفراج عنه وقال لعمر بطيشة رئيس الإذاعة بالنص: «إحنا نظامنا جمهورى.. لا توريث للحكم فى مصر وكون أن حد يقول توريث فهذه شائعة ظهرت ألفها بعض الناس وصدقوها». وبعد سنة واحدة أصبح جمال مبارك هو الذى يعين وزراء حكومة أحمد نظيف. وكان يعامل كرئيس دولة تحت الانتظار أو ولى عهد تحيط به حراسة خاصة لم تكن لرئيس الوزراء وسلطات مطلقة فى كل شىء، وكل هذا بعلم والده بدليل رفضه المساس بالمادة 77 من الدستور التى تحدد فترات الرئاسة بمدتين فقط.. أى كان يريدها لابنه للأبد وكان مبارك نفسه هو الذى تحدث عن الصفقة التى قام بها ابنه جمال عندما كان فى لندن وأتم من خلالها شراء ديون مصر لصالح الصين مقابل عمولة.
بعد التغيير الوزارى فى يوليو 2004، صاغ ثلاثمائة من المثقفين المصريين والشخصيات العامة التى تمثل الطيف السياسى وثيقة تأسيسية تطالب بتغيير سياسى حقيقى، وإنهاء الظلم الاقتصادى والفساد. كان هناك انسداد سياسى وإصرار من نظام مبارك على عدم تغيير النظام، وفى 22 سبتمبر 2004 عقدت الحركة المصرية من أجل التغيير كفاية مؤتمرها التأسيسى، ونظمت أولى مظاهراتها فى 12 ديسمبر 2004 وتأسست على يد عدد من النشطاء السياسيين والكتاب وأساتذة الجامعات، ومنهم الدكتور عبد الحليم قنديل وعصام الإسلامبولى المحامى والدكتور هانى عنان، وانضم إليها يساريون وإخوان وتيارات مختلفة، نجحت كفاية باسمها البسيط وهدفها الوحيد «لا للتوريث.. لا للتمديد». «كفاية» تجمع فضفاض من مختلف القوى السياسية أعلنت عن تأسيس شرعية جديدة فى مصر، ركزت على رفضها للتجديد للرئيس حسنى مبارك لفترة رئاسية خامسة، وما رأته من مناورات سياسية وتشريعية وإعلامية هدفها التمهيد لتولى ابنه جمال مبارك الرئاسة من بعده، وصلت كفاية لـ22 محافظة من أصل 26، وواجهت حملات اعتقال، حازت دعما إعلامياً من الصحف المعارضة، وكانت جريدة العربى الناصرى أكثر الصحف التى صعدت المعارضة تزامنا مع حركة كفاية وكان أحد أهم مؤسسيها عبد الحليم قنديل رئيس التحرير التنفيذى الذى واصل فى كتاباته مهاجمة الرئيس وابنه، حتى تعرض للاختطاف من مجهولين، اصطحبوه إلى الصحراء ووجهوا له الإهانات لكنه عاد أكثر قوة وتصميماً، وظل يدعو ويبشر بالمظاهرات المليونية لإسقاط مبارك.
تزامن ظهور «الحركة المصرية» للتغيير «كفاية»، مع حركة نشطة للمنتديات السياسية والمدونات الشخصية على الإنترنت، قبلها ظهرت المجموعات البريدية، التى كانت تتكون من شبكات البريد الإلكترونى، ورسائل البريد الإلكترونى التى تحمل صورا وأخبارا.، وتزامن كل هذا مع بدء انتشار المواقع الإخبارية الإلكترونية، كان الإنترنت تحول إلى أداة للتواصل، ومع ظهور مدونات تنشر الصور والأخبار والفيديوهات عن المظاهرات والاعتداءات على المتظاهرين والنشطاء، بلغت تلك الأنشطة ذروتها فى استفتاء 2005 والانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
«كفاية» راعت فى تنظيمها المبادرة الفردية، واكتسبت أرضية أوسع مع انضمام العديد من رموز النخبة والفكر المصرى فيها مثل المستشار طارق البشرى، والدكتور عبد الوهاب المسيرى، والدكتور محمد أبوالغار، والدكتور عبد الجليل مصطفى، وسعت نطاق أعمالها من خلال تأسيس موقع على الإنترنت دعت فيه كل المصريين إلى تسجيل أنفسهم فيه كأعضاء.
أكدت كفاية أن دورها ينحصر فى هز الركود السياسى، وانتزاع الحريات المدنية، وإيصال صوت الأغلبية الصامتة، وفضح الفساد، وكانت أول مظاهرة لكفاية يوم 12 ديسمبر 2004 أمام دار القضاء العالى، وتوالت مظاهراتها فى معرض القاهرة للكتاب، وميدان التحرير، وفى 25 مايو 2005 يوم الاستفتاء على الدستور، تعرضت مظاهرة كفاية لاعتداءات من بلطجية الحزب الوطنى وفى أول يونيو 2005 فى نقابة الصحفيين، والتى شهدت اعتداءات وتحرشا بالمتظاهرات «كفاية» كانت جرسا مهما وضعه النشطاء فى رقبة النظام.
كان حبيب العادلى هو أكثر وزراء الداخلية بقاء فى موقعه، لكن السنوات الأخيرة كانت شهدت عودة للعمليات الإرهابية، كانت سلسلة من الهجمات الإرهابية المتزامنة فى 23 يوليو 2005 وقعت فى شرم الشيخ وقتل فيها 88 معظمهم مصريون، وجرح أكثر من 200 ونتج عنها إلغاء الآلاف من السياح لحجوزاتهم، اعتقلت أجهزة الأمن عددا من المصريين بينهم بعض بدو سيناء، وبدأ محافظ جنوب سيناء فى بناء سور عازل خارج حدود المدينة لمنع التسلل وبعد الرفض الشعبى تمت إزالة السور.
ثلاثة تفجيرات متتالية فى منطقة «السوق القديم» وبجوار فندق الموفنبيك وبهو فندق «غزالة»، بمنطقة خليج نعمة، أعلنت الداخلية أن من قاموا بالتفجيرات هم مسلحون من البدو من ذات المجموعة التى قامت بتفجيرات طابا فى أكتوبر 2004 التى قتلت 34 شخصا، وفى أبريل 2005 شهدت القاهرة تفجيرين الأول 7 إبريل فى خان الخليلى والثانى 30 إبريل فى ميدان عبد المنعم رياض، حيث قتل فيهما 3 سياح أجانب وأصيب 18 بينهم 10 مصريين، وكانت التفجيرات غامضة وغير محددة الاتجاه.
وقد أعادت تفجيرات شرم الشيخ ذكرى مذبحة الأقصر فى 17 نوفمبر 1997 التى قتل فيها 58 سائحا أجنبيا و4 مصريين، وأقيل بسببها حسن الألفى، لكن التفجيرات فى عهد العادلى ظلت غامضة، بعد هزيمة الجماعات الإسلامية المسلحة وانتهائها، وكان القبض على عدد من بدو سيناء فى تفجيرات شرم الشيخ سببا للتصعيد بين البدو والنظام مثل محاولة بناء سور أسمنتى يهدف إلى منع بدو سيناء، وهم مواطنون مصريون، من التسلل إلى مدينة شرم الشيخ، كان استكمالا لسياسات أمنية عشوائية أشعلت الغضب فى نفوس أبناء سيناء، وبعد تفجيرات شرم الشيخ اعترف رئيس الوزراء أحمد نظيف أن السلوك الهمجى لرجال الأمن تجاه أبناء سيناء يمكن أن يكون أحد الاحتمالات وراء تفجيرات شرم الشيخ.
لكن أجهزة الأمن واصلت عمليات القبض العشوائى على بدو سيناء وتعذيبهم، وتم الإعلان عن ضبط تنظيم الـ45 المتهمين بالتخطيط لعمليات إرهابية، ومع أن تجارب مصر مع الإرهاب أثبتت أن الضرب العشوائى والاعتقال والترويع هو أقرب الطرق لصناعة الإرهاب، حدث ذلك فى الصعيد وتكرر فى شرم الشيخ.
كما أن تفجير الأزهر ظل بلا صاحب، الداخلية كانت شغلت نفسها أكثر من اللازم بمواجهة ما أسماه الوزير الخروج عن الشرعية فى المظاهرات، وجاءت التفجيرات بعد فترة هدوء نسى فيها المصريون العمليات الإرهابية، الأمر الذى كان يعنى عودة «التهريج» الذى ارتبط بالإعلام الأمنى فى عهد حسن الألفى، ومع هذا لم يتخذ مبارك أى إجراءات حيال العادلى، الذى كان يؤدى دوره فى حصار المظاهرات السلمية، وكان الأمن السياسى متوسعا على حساب باقى أنواع الأمن.
كانت الشروخ تمتد وتظهر، ومبارك بعناده يصر على تضييع كل الفرص فى النجاة والخروج الآمن.
◄ مبارك الفرعون الأخير .. الحلقة الأولى:كيف تصرف مبارك فى اليوم التالى للتنحى؟..طلب الاتصال بالنائب والمشير.. وانقبض من مشهد الأفراح فى الشوارع.. وتذكر شاوشيسكو وصدام وقال بلدنا مش كده
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الثانية:قال لأوباما: أنت لا تعرف وبعدها سأل نفسه:من يكون هذا الشعب ولماذا ثار ضدى؟..عندما سقط الإخوان اعتبره تحقيقا للنبوءة..وأصيب بأزمة بعد تأكده أنه متهم
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الثالثة.. رحلة أجداد مبارك من البحيرة إلى المنوفية.. قصة صاحب الكرامات..عبد العزيز باشا فهمى توسط لتوظيف والده حاجبا.. وأدخل مبارك الكلية الحربية
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الرابعة..قصة مبارك وعبد الناصر..دخل مبارك الكلية الحربية عام 1947 بوساطة المحامى الشهير عبدالعزيز باشا فهمى وبعد عامين دخل الطيران
◄ مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى"..الحلقة الخامسة..مبارك وسوزان الطريق للسلطة..ليلى والدة سوزان البريطانية رفضت خطبة حسنى لابنتها ثلاث مرات بسبب فرق السن والمستوى الاجتماعى
للاطلاع على المزيد من حلقات مبارك "أحلام السلطة وكوابيس التنحى" أضغط هنا
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
نهاد
أين الحلقة 31
هل الحلقة 31 لها وجود؟