"الخديو توفيق قد مرق من الدين مروق السهم من الرمية لخيانته لدينه ووطنه وانحيازه لعدو بلاده"، هذه الكلمات القاطعة هى نص الفتوى الشرعية التى صدرت بحق الخديوى توفيق، ولم تكن هناك سابقة أو لاحقة لها فى حكم مصر، ومصدر قوتها وتفردها فى تاريخ مصر أنها صادرة من الشيخ محمد عليش شيخ الأزهر، والشيخ حسن العدوى، والشيخ محمد أبو العلا الخلفاوى، وعلماء آخرين كانوا يشاركون فى اجتماع "الجمعية العمومية" المنعقد فى مثل هذا اليوم "23 يوليو 1882"، فى دار وزارة الداخلية، وبدعوة من أحمد عرابى للرد على قرار الخديو توفيق بعزله.
كان انعقاد هذه الجمعية هو الثانى له خلال أيام، وحضره ثلاثة من الأمراء وشيخ الأزهر وقاضى قضاة مصر والمفتى ونقيب الأشراف وبطريرك الأقباط الأرثوذكس وحاخام اليهود والنواب والقضاة والمفتشون ومديرو المديريات والأعيان وعمد ومشايخ قرى، وفيما يقدر عبد الرحمن الرافعى فى كتابه "الزعيم الثائر أحمد عرابى" عدد الحاضرين بـ"500"، يحدده صلاح عيسى فى كتابه "الثورة العرابية" بـ"260 من ممثلى طبقات الأمة"، فى حين لا يذكر "أحمد عرابى" العدد الحقيقى فى مذكراته.
وتلا الشيخ الإمام محمد عبده للمجتمعين المنشورات التى أصدرها أحمد عرابى، والأوامر الصادرة من الخديو توفيق، وألقى "على باشا الروبى" خطبة تناول فيها الخديو بالقدح، ويقول "صلاح عيسى" إن "الروبى" حرض الحاضرين على الموافقة على قرار بتوقيف أوامر الخديو أى خلعه، وهاجم "سلطان باشا رئيس مجلس النواب الإنجليز، وشرح ما ارتكبوه من فظائع وجرائم فى الإسكندرية، وقال إن الإنجليز من مدة يودون الاستيلاء على مصر، وأنه لا يصح عزل عرابى بل يلزم الاستمرار على المحاربة، وركز "الروبى" بشدة على القتال، وأكد أن انحياز الخديو إلى الإنجليز مسألة لم يعد فيها شك.
وتليت صورة استفتاء موجه إلى العلماء حول موقف الخديو، فجاء الرد من الشيوخ: "الخديو توفيق قد مرق من الدين مروق السهم من الرمية لخيانته لدينه ووطنه وانحيازه لعدو بلاده".
وطلب "يعقوب سامى" وكيل وزارة الجهادية "الحربية" ورئيس المجلس العرفى المنعقد، من الحاضرين، أن "ترى رأيها فى أوامر الخديو التى تصدر إلى من جنابه وكذلك ما يصدر من حضرات نظارات المقيمين معه، هل يلزمنى قبولها وتنفيذها أم لا؟".
انتهى الاجتماع إلى ثلاثة قرارات، هى رفض قرار الخديو بعزل عرابى عن منصبه وتثبيته فى هذا المنصب، وتوقيف الخديو أو عزله هو ومجلس النظار "الوزراء" الموجود معه فى الإسكندرية، وعدم تنفيذ أوامرهم "حيث إن الخديو خرج عن قواعد الشرع الشريف والقانون المنيف، وعرض القرارات السابقة على الأعتاب الشاهانية "أى السلطان العثمانى" بواسطة وكلاء النظارات.
ويرى "صلاح عيسى" أنه بهذه القرارات استكملت القوى الثورية شرعيتها الخاصة، والمعارك دائرة بين الجيش البريطانى والجيش المصرى، وكانت أوسع الجماهير الشعبية قد التفت حول قيادة عرابى لتسهم فى المعركة وتبذل لها الجهد.
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 23 يوليو 1882.. فتوى شرعية من شيخ الأزهر وشيوخه باعتبار الخديو توفيق "خائنا لوطنه ومارقا لدينه"
الأربعاء، 23 يوليو 2014 08:35 ص