اللهم إنى صايم...لم تستيقظ العاشرة صباحا أو الواحدة ظهرا تتحسس بيدها التليفون لتسال صديقتها عن أخبار الجو وعن إفطار اليوم أو الذهاب للشوبنج سويا بعد الشاور.. فهى لم تنم منذ ليال وإن نامت غفوة تسيتقظ مفزوعة تتحسس جسدها هل هو كامل أم فقدت منه جزءا، لم تأخذ شاور بماء دافئ وشامبو معطر وتجفف شعرها وتقف أمام المرايا لتضع مكياجا وتلبس وتختار من دولاب ملابسها، فهى لم تستحم منذ أيام وبنفس ملابسها الفواحة برائحة عرق الخوف والرعب والترقب والهم تنظر فى مرايا القدر، بعدما تكسرت مرايتها ودولابها من الانفجار والقصف.. لم تصطحب زوجها أو صديقتها للشوبنج وهى تبتسم فرحانه تختار السمان أكبر أم الحمام ألذ أم اللحم أطيب وتقلب أنواع الفاكهة والمشروبات وتمزح قمر الدين أفضل أم عصائر المانجو لا لا الكنافة أفضل أم القطائف، فهى فقدت زوجها وصديقاتها وانقطعت الأخبار ولا تعرف عنهم شيئا تبحث عن بقايا طعام فى المنزل وتحسب عدد لقيماتها للأيام القادمة، أصبحت عضوة جديدة فى مملكة النمل.. لم تدعو أمها وبقية أهل زوجها للإفطار عندها لتتباهى بما طبخت وبما عندها، فهى كان آخر عهدها بأهلها وأهل زوجها يوم عرسها يوم استهدف الكلاب مكان العرس بصاروخ وراح من راح وبقى من بقى فليس عندما ما تفخر وتتباهى به أمام أحد...لم تداعب أطفالها وتحتضنهم بأمان وتقدم لهم أكياس الشيبسى والحلوى وتجلسهما فى الغرفة أمام أفلام الكرتون وتعود لتجلس وتلتصق بزوجها أمام المسلسل وحلقات الكوميديا وتقذف حبات الفستق واللوز فى فم سيد قشطة بجوارها أو تقتطع من صينية الكنافة وتطعمها للعنتيل أبو كرش الذى تزوجته بمالها لتشبع رغباتها نفسيا وجسديا، فهى لم تنجب وكيف وهى تكاد تغمض عينيها وتقوم مفزوعة من هول ما رأته ليلة عرسها كيف وهى لم تختل بزوجها ولم تسعد به لحظات إلا وتسمع صراخا هنا أو انفجارا هناك، كيف وهى لم تقض ليلة كاملة بأمان وهدوء كبقية النساء مع زوجها الذى تزوجته لرجولته وشهامته ودفاعه المستميت عنها، رغم أنه لا يعرفها عندما حاول الكلاب القبض عليها بعد صلاة الجمعة فى ساحة الأقصى، ولذا لم تنفرد بزوجها وتلتصق به ولم تقذف حبات اللوز والفستق ولم تقتطع الكنافة... لم تستقبل تليفونا من إحدى قريباتها تخبرها عن أسعار العبايات والفساتين وعن سهرات العيد وحفلاته ومباهج الحياة، فهى كل أمانيها أن تستقبل خبرا عن زوجها وكل طموحاتها أن تظل عبائتها سليمة لتستر جسدها، وعظيم حلمها أن تبقى على قيد الحياة، لم تأخذ زوجها من يده وتدفعه إلى حجرة النوم وتختار من ملابسها الشفافة الأحمر أو البمبى أو البيبى دول قطعة أو قطعتين وترتمى فى حضن زوجها كباقى النساء اللاتى فى نفس عمرها، فهى فقدت الزوج وتصدعت غرفه النوم وتخاف أن تنام فيها تحسبا لسقوط السقف من أى انفجار آخر وتنام عند مدخل البيت عينيها ترقبان المار فى الحارة ليلا ونهارا هذا محمولا ينزف دمه الأحمر وهذه استشهدت ووجهها كوردة بلدى تفوح رائحتها مسكا. وهذا الشاب محمولا على الاكتاف وروحه الطاهرة الشفافة رسمت على وجهه ابتسامة.. فهى فعلا السيدة التى عانت وتعانى وتحملت وستتحمل ودافعت عن بيتها وارضها وستدافع فعلا هذه السيدة التى يجب أن أقبل جبينها وأن أبوس قدمها مثالا للتضحية والثبات والتفانى والصبر..لكى كل تقدير لكى كل احترام، لكى كل تحية، لكى منى السلام يا كل أم وكل امرأة غزاوية.. ابنك العاجز عن فعل شىء .
