كان جمال عبد الناصر فى استراحة المعمورة بالإسكندرية يقضى إجازة قصيرة، فتلقى مكالمة من المشير عبد الحكيم عامر يخبره فيها أن "الأستاذ" أصبح فى حالة جيدة جدا، وأن يريد النهوض وأن يلقاه.
كان "الأستاذ" الذى يقصده "المشير عامر" هو صاروخ صناعة مصرية، أصبح مستعدا للانطلاق، مما يعنى تحولا كبيرا فى المنطقة بأسرها، وتلك قصة طويلة تتعلق بصناعة الصواريخ فى مصر، والتى بدأت عام 1957 على أيدى العلماء الألمان الذين استجلبتهم مصر بعد هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية، وتفاصيلها نقرأها فى كتاب "الحرب القذرة" للكاتب الصحفى محمود مراد، ويتحدث فيه عن وقائع هذا اليوم الذى تم فيه إطلاق صاروخى "الظافر" و"القاهر"، وكان فى مثل هذا اليوم "22 يوليو 1962"، كما نقرأ قصة مصر مع هذه الصناعة فى كتاب "الفضاء الخارجى واستخداماته السلمية" لعالم الفضاء المصرى الدكتور محمد بهى الدين عرجون.
يقول "مراد" إن عبد الناصر فهم من مكالمة المشير "عامر" أن الصاروخ استعد للانطلاق، ومن استراحته فى المعمورة طلب "عامر" ليسأله عن مدى الثقة فى نجاح التجربة، فقال له "المشير" إن فريق العمل واثق كل الثقة، لكن الدول الكبرى أحيانا تفشل فى اللحظة الحرجة، وأضاف متسائلا لـ"عبد الناصر": "ألست واثقا يا ريس، أم ماذا؟"، فرد عبد الناصر: "أنا واثق لكن خطر لى أن يحضر الصحفيون العرب والأجانب عملية الإطلاق حتى يكون الإعلان من عندنا، وبشكل لائق بدلا من أن يعلنه الآخرون مشوشا"، وأجاب "عامر": "فليحضروا"، وقال عبد الناصر: "كنت أعرف أن هذا رأيك، عموما تأخذ رأى العلماء والمسئولين فى القاعدة"، وفى صباح يوم 20 يوليو، كانت الإفادة النهائية من المشير للرئيس: "كل من فى القاعدة يطلبون من الرئيس أن يعتمد عليهم، ولن يخيب أمله فيهم وفى "الأستاذ".
فى التاسعة و47 دقيقة صباحا، وأمام عبد الناصر وبحضور عبد اللطيف البغدادى وكمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وزكريا محيى الدين وأنور السادات وحسين إبراهيم وعلى صبرى، انطلقت أربعة صواريخ واحد وراء الآخر، صاروخان من "القاهر" وصاروخان من "الظافر"، والتفت "عبد الناصر" إلى عصام خليل المشرف على الصناعات العسكرية وصافحه بشدة: "مبروك، مبروك يا عصام"، والتفت إلى جميع الحاضرين قائلا: "لقد حققتم اليوم انتصارا ضخما لأمتكم العربية كلها".
فى كتابه "سنوات الغليان" يتحدث الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل، عن هذا اليوم، قائلا، إنه بالرغم من أن تجربة هذين الصاروخين أثبتا نقصا لابد من استكماله فى أجهزة التوجيه، إلا أن ظهور صواريخ مصرية كان حدثا فى المنطقة، وكان المشرف على مشروع الصواريخ هو أحد العلماء الألمان الذين شاركوا وهو الدكتور "وولفانج بيلز"، وهو الذى أشرف فيما بعد على صناعة الصواريخ فى الصين.
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 22 يوليو 1962.. إطلاق صاروخى "الظافر والقاهر" بعد مكالمة من المشير عامر لـ"عبد الناصر": "الأستاذ جاهز"
الثلاثاء، 22 يوليو 2014 08:52 ص