كنت أنوى هذا الأسبوع عدم الكتابة، ليس بسبب انشغالى، فأنا والحمد لله أشعر بالفراغ ولا أجد ما أفعله بعد النوم إلا التثاؤب، وليس بسبب سفرى إلى المصيف، فأنا والحمد لله أيضاً قنوع وراضٍ بالاستحمام المستمر فى عرقى، والسباحة وسط أمواج البشر فى زحام القاهرة، وكذلك ليس بسبب عدم وجود قضايا مهمة فالقضايا والحمد لله كثيرة وجاهزة، وكما نقول فى أمثالنا الشعبية «على قفا من يشيل».
عموماً لا تشغلوا بالكم بالتفكير فى السبب الذى كاد يحرمكم من كلماتى، فأنا كاتب صريح ومتواضع ومؤمن بالشفافية، لذلك أقول لكم بكل صدق أننى منذ فكرت فى كتابة المقالات، وأنا أخطط لهذا اليوم الذى تتلهفون فيه على الصحيفة، وتفتحونها على هذه الصفحة بالذات بحثاً عن مقالى، فلا تجدون إلا مربعاً صغيراً يتضمن الجملة الشهيرة «الأستاذ (....) يعتذر عن عدم كتابة مقاله هذا الأسبوع، وسوف يواصل لاحقا»!
لا شك أن بعضكم سيشعر بالقلق على مستقبل الأمة، فربما أكون مريضاً ولا أتمكن من توجيه ضرباتى الأسبوعية لأعداء التقدم والاستنارة فتتأخر مواكب النهضة التى ترشدها كلماتى إلى أقصر الطرق للوصول إلى الأهداف المنشودة، وربما أكون ممنوعاً من الكتابة فتندلع المظاهرات الغاضبة وبيانات الاحتجاج من الجماهير والمنظمات الدولية.. (هذا بالقطع سيمنحنى بعضاً من «البرستيج» الأدبى الذى استحقه).
ولا شك أيضاً أن بعضكم سيطوى الصحيفة فى غيظ من دون أن يقرأها، ويسيطر عليه الإحباط ويعيش على أمل انتظار المقال فى الأسبوع المقبل، ولاشك أن فئة أخرى ستشغل نفسها بالتفكير فى موضوع المقال الذى لم ينشر، وكيف كانت صياغته وأى عنوان علاه؟
فى الحقيقة فإن تقديرى لهذه المشاعر الحميمة، وإدراكى للاهتمام الكبير الذى تحيطوننى به، دفعانى للتضحية براحتى، ومقاومة حالة «العكننة» المزاجية التى أمر بها، وقلت لنفسى ما ذنب القراء الأبرياء الطيبين لكى تصدمهم هذه الصدمة وتحرمهم من نافذة الأمل الوحيدة فى الحياة الصعبة التى يعيشونها؟ ألا يكفى ما تفعله إسرائيل بالنوع العربى؟ ألا تكفى الكوابيس والأزمات التى تحاصر أبناء أمة الأمجاد؟ ألا يكفى تراجع مساحات الحرية حتى فى الفيديو كليب؟ ألا يكفى حكمة حكامنا، وسياساتهم الرشيدة فى التوفير والطوابير والفطير؟
على كل حال ربنا ستر وحصل خير، وها أنا معكم أواصل مسيرة النضال من أجل إعادة الكرامة العربية، ورفع الراية خفاقة فى مواجهة قوى الشر من الصهاينة المغتصبين وعملائهم الخونة وأسيادهم عبر البحار، ولا شك، وربما، وحيث إن، وسوف، وكذلك، بل«أيضا» لو استدعى الأمر.
أيها الأخوة المواطنون: إنه (إنَهو) ........
لا تتصوروا أن هناك أخطاء طباعية كل ما فى الأمر أننى أقدم لكم أدلة ثقافتى العميقة (ثقافة حيث إن)، وطبعا أنتم تؤمنون بدور الثقافة (خاصة النوع العميق منها)، كما تؤمنون بأهمية الوعى فى صناعة الحضارة، وبأننا خير أمة أخرجت للناس، فلا تبتئسوا ولا تهنوا ولا تحزنوا، إن حضارتنا العريقة، والعميقة، والحقيقة، والسليقة، تؤكد أننا المنتصرون كما تؤكد قوى الإنتاج، وعلاقات المونتاج، والطبقة العاطلة، وديكتاتورية البروليتاريا، على صعود الخط البيانى لأمتنا المجيدة الواحدة الراقدة الممددة ذات الرسالة الخالدة، فالنصر آت «بعد نقطتين» كما يؤكد علماؤنا من «فاتحى المندل» و«قراء الكف والفنجان»، ربما يكون الطريق طويلاً وشاقاً، لكننا نؤكد لكم أننا سنضحى بآخر قطرة من «دمائكم» لتظل أوطاننا حرة نفعل فيها ما نشاء.. نتفاوض مع من نريد، ونشجب من نريد، ونضرب بعصانا (فى الداخل طبعا) بالنار والحديد.
أعتقد يا أهلى وعشيرتى، أنكم تأكدتم بالتأكيد من صدق التأكيدات التى أكدتها أقوالنا المؤكدة عن حتمية النصر العربى على قوى البغى والعدوان فى غزة وسوريا وشارع الهرم، خاصة وأن الاستعدادات التى نقوم بها الآن لدعم قضية القدس وتحرير الأراضى العربية المحتلة تمثل ضربة قاصمة للعدو حيث نجهز آلاف التصريحات وعشرات الأغنيات والأوبريتات والقصائد، وربما نضطر أيها الأخوة لإنتاج بعض المسلسلات والأفلام الوثائقية لو اقتضى الأمر، أما إذا سمحت الشرعية الدولية ووافق مجلس الأمن على تطبيق المادة.. فسوف نفعلها وننتج فيلماً روائياً عربياً مشتركاً نفضح من خلاله «المجازر» التى نتعرض لها منذ النصف الأول من القرن الماضى.
ملحوظة: أما وقد وصل الأمر إلى «المجازر» فقد انكسر الإبهام، الله يسامحه بريخت (هو الذى كسره)، وطبعا أنتم تعرفون أن «البنى آدم دعيف»، فهو قبل كسر الإيهام شىء، وبعض الحادثة شىء تانى خالص، لذا أيها الأصدقاء والحكماء، والرقباء، وكتبة التقارير، أحب أن اعترف لكم وأنا بكامل قواى العقلية، أننى اعتذرت بالفعل عن عدم استطاعتى كتابة المقال هذا الأسبوع، لمرورى بوعكة صحفية، سياسية، عربية، قوموية، تعبوية، وتنازلت عن المساحة لرسالة وصلتنى من أحد نزلاء مستشفى الأمراض العقلية، وبعد هذا الاعتراف، أؤكد مرة ثانية أننى أتبرأ من المقال وكاتبه، وأؤكد عدم مسؤوليتى عن أى كلمة وردت فيه، وإن كنت قد ساعدت فى نشر هذه التخاريف، فاعلموا أن النشر ليس بدافع احترام حرية الرأى (فهذا أمر تافه لا يستحق)، لكننى نشرتها لكى نتعرف على أصحاب هذه الأفكار المريضة المنحرفة، ونتخذ ضدهم الإجراءات التأديبية الكفيلة بردعهم، فالوطن بخير، والعرب فى «أحسن» حال يا صلاح الدين.. ورايات العزة والحرية والكرامة، و«الوحدة كمان» ترفرف عالية على كل شبر من أراضينا المقدسة، وندعو الله أن يرحمنا برحمته، ويلهمنا المزيد من الحكمة والعقل وعبقرية «ضبط النفس» حتى نستطيع أن نواجه مجانين الأمة أمثال سعد حلاوة وسليمان خاطر، وقوافل الشهداء من المدنيين الأبرياء الذين يصعدون فى غزة والعراق وسوريا وسيناء، وفوق أى تراب اختلط بالدم الطاهر.
> ما دمت لا تدرى ما يذهب وما يأتى، فأنت ضعيف ومجنون فى هذا العالم المحزن الكئيب.
(جوتيه)
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة