محمد عمر يكتب: شارع قمبيز

الإثنين، 21 يوليو 2014 10:03 م
محمد عمر يكتب: شارع قمبيز ورقة وقلم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وكم ذا بمصرَ من المضحكاتِ ولكنّهُ ضحكٌ كالبُكا
استهِلُ مقالى بهذا البيت لشاعر العربية الأشهر أبى الطيب المتنبى الذى أثبت فى أكثر من موضع، أنه صاحب الفكر الثاقب والسابق لعصره بأزمان طويلة.
دائما ما كنت أعجب أثناء عملى بحى الدقى، من تسمية أحد شوارع الحى باسم (شارع قمبيز)، وازداد عجبى أكثر حينما علمت اليوم أن شارعا بحى مصر الجديدة يحمل نفس الاسم. وبعيدا عن أنه تم مؤخرا تغيير اسم الشارع الكائن بحى الدقى ليحمل اسم الإمام الغزالى، فالشارع الكائن بمصر الجديدة، على حد علمى، لا يزال يحمل اسم قمبيز، وفضلا عن ذلك، فالسؤال المحير هو: ماذا كان الداعى من البداية لتسمية شارعين من شوارع العاصمة باسم هذا ( القمبيز)، حتى وإن كان قد تم تغييره اسم أحدهما فيما بعد؟
وقمبيز، لمن لا يعرفه، هو ملك الفرس الذى احتل مصر فى القرن السادس قبل الميلاد . وقد نختلف أحيانا حول توصيفنا للغزاة، فأحيانا نصفهم بالمحتلين، وأحيانا أخرى نصفهم بالفاتحين، وذلك وفق موقفنا الشخصى منهم، أو وفق المزاج الجماهيرى العام تجاههم. وبتأثير انتشار الدين الإسلامى فى مصر، وبالتالى تعاطفنا مع كل ما هو إسلامى، فنحن نعد "عمرو بن العاص" فاتحا لا غازيا، وهو ربما يستحق هذا اللقب لأنه، فضلا عن تقديمه الإسلام لمصر، فقد أزال حكم الرومان الطغاة، وأرسى حكما جديدا، رغم كل التحفظات، كان أكثر عدلا و إنسانية من حكم الرومان . و بنفس التأثير الدينى، نشتط أحيانا فى تعاطفنا، و نتجاهل أى موضوعية فى الحكم على الأمور، فنصف الغزو العثمانى بأنه كان " فتحا "، رغم أنه لم يقدم لمصر سوى كل ما هو سيئ، و ما كان الغزو العثمانى لمصر إلا نوعا من التوسع، تمارسه دولة قوية ضد دولة ضعيفة، دون أدنى نية نحو أى إصلاح من أى نوع، وذلك إذا أردنا تحكيم الوقائع والأحداث، لا العواطف والأهواء .
غير أن حالة قمبيز تختلف كليا عن الحالتين اللتين أشرت إليهما فى الفقرة السابقة، فى أنها لا تحتمل إطلاقاً أى تأويل فى أى اتجاه إيجابى . فالغزو الفارسى لمصر لم يحمل أى قدر من الخير للمصريين، ومن جانب آخر، لم يوجد سابقا أو لاحقا أى ارتباط دينى أو ثقافى بين مصر وقمبيز، الذى كان فارسيا يعبد النار، بما يجعلنا نتعاطف معه ونعتز به كل هذا الاعتزاز، فنطلق اسمه على اثنين من شوارع العاصمة. بل أن الثابت، أو الراجح، تاريخيا، أن الغزو الفارسى لمصر كان من بين أبشع مرات الغزو التى تعرضت لها البلاد، حيث اتسم حكم قمبيز لمصر، فى مدة لم تتجاوز الثلاثة أعوام، بالقسوة الشديدة وبالاستهانة بمعبوداتهم ومعتقداتهم . ولا أريد أن يجمح تفكير أى قارئ لهذا المقال بعيدا عن الفكرة الأساسية، إلى فكرة بعيدة تخص موقفنا الحالى من الديانات المصرية القديمة لسببين، الأول: لأنهم كانوا هم أجدادانا وكانوا هم أصحاب هذه الأرض المسماة مصر بعيدا عن أى اختلاف عقائدى حدث معهم لاحقا فى اتجاه المسيحية أو الإسلام . و ثانيا : أن قمبيز نفسه لم يكن مسلما أو مسيحيا أو يهوديا، و إنما كان مجوسيا يعبد النار.
ويزيد عجبى من هذا الأمر، حينما أتذكر كيف تم التنكيل بالفريق سعد الدين الشاذلى، العقل المدبر لحرب أكتوبر، لأنه اختلف عسكريا أثناء الحرب، و سياسيا بعد الحرب، مع الرئيس السادات، فتم إقصاؤه عن أى تكريم، و تم بعد ذلك إبعاده عن المؤسسة العسكرية إلى السلك الدبلوماسى، ثم تم نفيه، بل و سُجن لدى عودته من منفاه فى عهد مبارك، وكأن ثأرا كان بينه و بين النظام, و ليس اختلافا بينه و بين السادات، و لم يتم رد اعتباره إلا فى أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير حينما ترك مبارك السلطة . أتذكر ذلك، فأعجب من تنكيلنا الشديد بهذا الابن البار لمصر سعد الدين الشاذلى، فى مقابل احتفائنا بالمحتل الدموى قمبيز .
وإنى قد أتفهم، بل لا أجد شيئا لا يليق، فى أن يكتب أحمد شوقى مسرحية شعرية بعنوان " قمبيز"، أو أن أكتب أنا، كاتب هذه السطور, قصيدة نظمتها منذ أكثر من عام و لم تُنشر إلى الآن، عن ريتشارد سورج، وهو أبرع جاسوس معروف فى تاريخ البشرية، رأيت فى شخصيته سماتٍ فذة جديرة بالكتابة عنها _ لأن من يكتب عملا إبداعيا له الحرية فى أن ينتقى، فكرة أو شخصية، تمثل موضوعا دراميا على نحوٍ ما، بحيث يكون مقياس الحكم على عمله هو قدرته على التعبير عن الفكرة أو الشخصية الدرامية التى انتقاها، فى إطار النوع الأدبى الذى اختاره كوسيلة للتعبير. و شخصية قمبيز، بهذا المقياس، شخصية درامية بامتياز و مليئة بالأحداث و الأفكار . و لهذا ليس عيبا أن يكتب شوقى مسرحية شعرية عن قمبيز، مثلما أنه ليس عيبا أن أكتب أنا قصيدة عن ريتشارد سورج، و مثلما أنه ليس عيبا أن يكتب كاتب فرنسى أو إنجليزى عن أى عمل إبداعى من أى نوع عن هتلر . لكنْ أن يُطلَق اسم محتل، كان من اشد المحتلين بطشا بأهل البلاد، على شارعين من شوارع العاصمة، فهذا أمر مختلف تمام الاختلاف، لأن من تُطلق أسماؤهم على الشوارع و الأماكن العامة فى أى بلد، إما أنهم أشخاص يمثلون قيمة وطنية على نحوٍ أو آخر لهذا البلد، أو أنهم أشخاص يمثلون قيمة عالمية لا تتصادم مع القيم الوطنية لهذا البلد، على نحو ما هو حادث فى مصر من تسمية أحد شوارع الجيزة باسم " شارل ديجول"، قائد المقاومة الفرنسية ضد النازيين و أحد القادة الغربيين المتعاطفين مع العرب، أو تسمية أحد ميادين جاردن سيتى بميدان " سيمون بوليفار"، الملقب بلقب " محرر أمريكا اللاتينية" . ويتشابه مع ذلك انتشار الصورة الشهيرة لأيقونة الثورة على مستوى العالم، تشى جيفارا، بين الشباب المصرى، أو حتى انتشار صور ميسى و كريستيانو رونالدو كلاعبين بارزين.
وأخيرا، فإنى أسأل: هل خلت ذاكرة أولئك الذين أطلقوا اسم قمبيز على الشارعين المشار إليهما سابقا، من أى اسم مصرى أو عالمى، له قيمة كبيرة، أو حتى ليس له أى قيمة، حتى اضطروا إلى إطلاق اسم " قمبيز " المحتل الدموى، على هذين الشارعين ؟ أم أن هؤلاء لا يعرفون من هو قمبيز فى الأساس ؟ أم أنهم يعرفونه لكنهم يقصدون بإطلاق اسمه على الشارعين، التأكيد على فكرة أن كل شىء فى مصر يحدث اعتباطا وعشوائيا دون اعتبار لأى منطق؟
أرجو ألا تكون الإجابة هى الافتراض الأخير.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التعليقات 3

عدد الردود 0

بواسطة:

م. حسن

عندك حق

مش فاهم ليه يعنى , لاسامى اللى فى الدنيا خلصت ؟

عدد الردود 0

بواسطة:

تهانى

دايما

اصل احنا دايما نحب اللى يدينا على دماغنا

عدد الردود 0

بواسطة:

احمد

بلد العجايب

ما تستغربش اوى كده . احنا عموما بلد العجايب .

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة