صدر عن دار الكتب الوطنية فى هيئة أبو ظبى للسياحة والثقافة، الترجمة العربية من كتاب "رحلتى إلى مكة المكرمة فى عام 1894م" للرحالة الفرنسى جول جرفيه كورتيلمون.
الكتاب صادر من سلسلة "رواد المشرق العربى" المخصصة لنقل ما كتبه الرحالة الأجانب عن الشرق العربى إلى اللغة العربية، وقام بترجمة الكتاب والتعليق عليه الدكتور أحمد إيبش المتخصص فى التاريخ الإسلامى والتاريخ الحديث لجزيرة العرب.
ويسرد المترجم فى المقدمة سيرة حياة المؤلف، ويذكر أنه مصور فوتغرافى فرنسى كان مقيمًا فى الجزائر بأواخر القرن التاسع عشر، وكان واحدًا من الفرنسيين الذين هاموا بالمشرق وأحبوا حياته الرومانسية العابقة بصدق المشاعر وأصالة الأخلاق والقيم الإنسانية. وقام القنصل الفرنسى "ليون روش" فى عام 1891م برحلة حج من الجزائر إلى مكة المكرمة، فقرر فى عام 1894م القيام برحلة مماثلة على خطاه، ليختبر بنفسه هذه التجربة الروحية الفريدة. وسافر بجواز سفر يحمل اسم عبد الله بن البشير.
يروى كورتيلمون فى هذا الكتاب الممتع وقائع رحلته إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، وكذلك إلى المدينة المنورة للصلاة فى المسجد النبوى الشريف. ويصف إعجابه الشديد بالإسلام وفضائله، فقام بإعلان إسلامه ومارس شعائر الصلاة والصيام والحج بكل تقى، وتفاعل مع أصدقائه من الجزائريين ومن أهل الحجاز بكل مودة، وإن كان خشى من الاعتراف بإسلامه فى كتابه هذا الذى نشر بفرنسا عام 1896م، فادعى أنه "يحب الشرق ويحب الإسلام ببساطته ومعتقداته الراسخة دون أن يكون له الجرأة على اعتناقها".
لكن مع ذلك يبقى الكتاب وثقة وجدانية شفافة تدل على تفاعل إيجابى حميم من مثقف غربى تجاه الحضارة الإسلامية.
ويقول المؤلف فى بداية تعريفه للرحلة "لقد رغبتُ بكشف سر هذه المدينة المقدسة ليس لإتمام رحلة كبقية الرحلات، وإنما الدافع هو أن أكمل أبحاثى حول الشرق المعاصر. هذا الشرق المسلم الذى أخذت على عاتقى أمر وصفه مجتازًا إياه بكل الاتجاهات، لقد أمضيت شبابى فيه وأنا أحببته كما يحبه كل من عرفه".
يصف كورتيلمون تفاصيل رحلته بمتعها الصغيرة ومشقاتها بلغة بسيطة وسلسة لا تخلو من البلاغة، وعزز من أهمية الكتاب الصور التى التقطها للمناطق التى عبرها، ولا يخفى المؤلف افتتانه بالشرق فيقول: "إن جميع اللغات والأديان وأسمى أجناس البشر قد انطلقت من هذا الشرق العظيم، فهو جدير بأن يكون مهد الإنسانية جمعاء. يؤثر الشرق بشكل واضح على خيالاتنا. فمثلاً أى إنسان عند انقضاء حياته المهنية أو فى المساء عند عودته من يوم صاخب، يرغب فى الرجوع بالذاكرة إلى أيام طفولته، ويبدى فرحة كبيرة لدى رؤيته بيت العائلة الذى تربى فيه. هذه هى طبيعتنا، ورثناها من آبائنا، فحالما نستطيع فعل ذلك نهرب من أعبائنا الثقيلة أو من خياراتنا غير الأكيدة، لنعود بذاكرتنا إلى مسقط رأسنا الأسطورى".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة