لايزال معظم المصريين يرتبطون وجدانيًا بالمدفع، ولا يفطرون إلا بعد سماع دوى طلقاته، ويحرص العديد منهم على الذهاب إلى مكان المدفع ورؤيته وهو ينطلق، وذلك برغم انتشار الساعات، ووسائل الاتصال الحديثة، إلى أن مدفع رمضان، له نكهة خاصة، تعتبر عن فرحتنا بالشهر الكريم.
واللافت للانتباه، أن الحكومة قامت بتعميم فكرة المدفع فى كل المحافاظات، حيث يكون مكانه غالبًا بجوار مبنى المحافظة أو على شاطىء النيل.
وقصة دخول المدفع إلى الحياة المصرية، وارتباطه بشهر رمضان، تفسره لنا ثلاثة روايات، اختلف فيها الكثيرون، فالرواية الأولى ترجع إلى عهد الوالى المملوكى "خوش قدم" إذ تلقى مدفعًا هدية من أحد المصانع الألمانية، وفى أول يوم من رمضان عام 869هـ، 26 إبريل 1465م، أمر بتجربة المدفع، ومع غروب الشمس، دوت طلقة فى سماء القاهرة، فظن الصائمون أن هذا إيذانًا لهم بالإفطار، وفرح الناس بهذا التقليد، وفى اليوم الثانى تجمع الناس بانتظار انطلاق المدفع، ولما علم الوالى بسبب تجمهر الناس، فما كان منه إلا أنه أمر بإطلاق المدفع عن غروب الشمس طوال أيام رمضان.
وتعود الرواية الثانية إلى عهد الوالى محمد على، إذ قام بشراء عدد من المدافع الحربية ضمن تخطيطه لبناء الجيش المصرى، وبالصدفة قام بتجريب أحد تلك المدافع لحظة غروب شمس أحد أيام رمضان، فحسب الناس أن هذه طريقة جديدة لإعلامهم بوقت الإفطار، وطلبوا من الوالى أن تستمر طول أيام الشهر، فاستجاب لطلبهم، وأصبح المدفع يطلق مرتين، الأولى عند الإفطار، والثانية وقت الإمساك.
أما ثالث الروايات وأشهرها فهى فى عهد الخديوى إسماعيل، إذ أن بعض جنود الخديوى كانوا يقومون بتنظيف المدافع الحربية الموجودة بالقلعة، فانطلقت قذيفة أحد المدافع، وتصادف ذلك مع وقت لحظة الغروب، فاعتقد الناس أيضًا أن هذا أسلوب جديد اتبعته الحكومة لإبلاغهم بوقت الإفطار.
وأصبح الناس يتحدثون عن هذا الأسلوب، حتى علمت الحاجة فاطمة ابنه الخديوى بالأمر، فلاقت الفكرة استحسانًا لديها، وأصدرت أوامرها بأن ينطلق المدفع وقت الغروب، والإمساك خلال شهر رمضان، وكذلك فى الأعياد الرسمية.
وهناك قصة شهيرة تتردد فى منطقة العريش، وتعبر عن عزيمة وعناد وتحدى الشعب المصرى للعدو، إذا كان المدفع موجودًا أمام قسم الشرطة بميدان البلدية، الذى استولت عليه إسرائيل بعد الاحتلال، فأرادت إسرائيل إحياء الطقوس الرمضانية، وكسب ود المصريين الصائمين، بأن وضعت مدفعًا آخر ينطلق وقت الإفطار، والإمساك، إلا أن المصريين خيبوا آمالهم، واعتمدوا على مدافع الإذاعة المصرية.