استكمالاً للقيم والفضائل المهجورة فى حياتنا تحدث اليوم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، فى برنامجه اليومى (قيم مهجورة) الذى يذاع على القناة الأولى والفضائية المصرية فى الساعة 18:35 قبيل الإفطار، عن قيمة الاقتصاد فى حياتنا.
وقد أوضح فضيلته أن الاقتصاد يعنى التوسط والاعتدال وعدم تجاوز الحد، وأننا معنِيُّون هنا بالاقتصاد فى النفقات وصرف الأموال، وأن الاقتصاد فضيلة لا يجب على المسلم أن يتخلى عنه إلى الطرف الآخر؛ وهو رذيلة الإسراف، وأورد فضيلته قاعدة عامة تقول: إن الفضيلة دائمًا هى وسط بين رذيلتين، فمثلًا فضيلة الشجاعة، لو زادت يمينًا مثلا ستنقلب إلى تَهوُّر، وإذا نقصت يسارًا انقلبت إلى جُبن، والكرم فضيلة، لو زاد أصبح إسرافا وتبذيرا، وإذا نقص أصبح تقتيرًا، وهكذا الفضائل دائمًا فى مركز وسط، إذا زادت تنقلب إلى رذيلة، وإذا نقصت تنقلب أيضًا إلى رذيلة، والاقتصاد نفس الشيء، إذا زاد يُسمَّى إسرافًا، وإذا نقص يُسمَّى تقتيرًا، فالمطلوب من المسلم التوسط والاعتدال بلا إسراف أو تقتير؛ قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً}- (الإسراء:29).
وأضاف فضيلته أن التجاوز فى الإنفاق هو الإسراف، سواء كان كمًّا أو كيفًا، فمثلًا قد يحتاج الإنسان إلى سيارة، ونتيجة ثقافة معينة أو نتيجة أفكار ما تسود بأنه لابد من أن يكون للابن سيارة وأيضًا للبنت سيارة، هذا إسراف فى التملك من ناحية الكم، والإنسان قد تكفيه سيارة من السيارات المتوسطة، ولكن لكى يتظاهر ويتفاخر فإنه يشترى سيارة من النوعية الغالية الثمن، هذا أيضًا إسراف فى الإنفاق من ناحية الكيف، فالإسراف ينطبق على ما يزيد على حاجتك كمًّا أو كيفًا، ونفس الشيء يقال فى الطعام، ويقال فى الملابس، وفى السكن.
وأكد فضيلته أن الإنسان فى النظرية الإسلامية لا يملك الحرية المطلقة فى التصرف فيما يملك من المال، فمَنْ عنده متسع وفائض من المال، فعليه أن ينفقه فى الموارد المعقولة التى يتقبلها العقل، وتتقبلها الحضارة، ويتقبلها الواقع، وبالتالى سيتقبلها الإسلام، فالإسلام لا يبيح التصرف فى هذا المال بطريقة خاطئة؛ لأن الحفاظ على المال من مقاصد الشريعة الإسلامية، فمن مقاصد الشريعة الإسلامية: أن تحفظ المال، ولذلك حرِّم الإسراف وحرَّم الربا، وأن تحفظ النفس، ولذلك حرَّم القتل، وأن تحفظ العقل، ولذلك حرَّم الخمر والمسكرات، وأن تحفظ العِرض ولذلك حرَّم الزنا، وأن تحفظ الدين، فالحفاظ على المال يساوى الحفاظ على النفس، ويساوى الحفاظ على العقل... وإذا كنت لست حرًا فى أن تغيب عقلك أو أن تقتل نفسك، فأنت لست حُرًّا أيضًا فى إهدار مالك وإنفاقه بإسراف أو تبذير.
وأوضح فضيلته أن التنعم الزائد عن الحد منهى عنه، كما أن الإسراف منهى عنه، وهذا ما أوصى به سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلى الْيَمَنِ، قَالَ له: {إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ، فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ}، فالإنفاق الوسط متاح، أما ما نراه اليوم من إسراف فى تملك المبانى هنا وهناك والإنفاق ببذخ فى بلد فقير وبين شعب فقير لا يمكن أن يتخيله الإسلام، فالإنسان فى فلسفة الإسلام، مستخلف على ماله الذى منحه الله إياه، والمستخلف تصرفه يختلف عن تصرف المالك لهذا المال ملكًا تامًا يجعله حُرًّا فى تصرفاته؛ لأن المال مال الله، وهو وهبه إياه فيتحتم عليه أن ينفقه فيما يرضيه سبحانه، وفيما يعود بالنفع عليه وعلى المجتمع.
قيمة الاقتصاد فى حياتنا.. حديث لشيخ الأزهر بالفضائية المصرية
الأربعاء، 02 يوليو 2014 10:32 م
الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة