كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل حين تمكن نابليون بونابرت وجنود الحملة الفرنسية من النزول إلى البر على بعد ثلاثة أميال من الإسكندرية، وفى الساعة الثامنة صباحا مثل هذا اليوم "2 يوليو 1798" توقفت الطوابير الفرنسية عن الزحف أمام مدفع مقاوم لا أكثر من الأسوار الخارجية للمدينة.
وفى كتابه "بونابرت فى مصر" الصادر عن مكتبة الأسرة، ترجمة "فؤاد أندراوس"، يقول مؤلفه "ج.كرستوفر هيرولد": "بذل الفرنسيون بعض المحاولات للاتصال بالمدافعين عن المدينة، الذين شوهدوا متكاثرين على قمة الأسوار، وفجأة انطلقت من أفواههم صرخات مخيفة، كانت من أفواه الرجال والنساء والأطفال، وفى الوقت نفسه انطلقت نيران المدفعية صوب الفرنسيين، فأصدر بونابرت أمرًا بالنفخ فى الأبواق لدعوة الجيش للهجوم فتضاعفت قوة الصراخ".
ويقول المؤرخ الأمريكى "خون كول" فى كتابه "مصر تحت حكم بونابرت" ترجمة مصطفى رياض وصادر عن المركز القومى للترجمة، وثق نابليون فى أن مدينة صغيرة لا يزيد عدد سكانها على 8000 نسمة سوف تستسلم فى مواجهة قوة عسكرية جبارة، غير أن أهل المدينة الذين حملوا السلاح مدفوعين إلى القتال بما تردد من صياح قادتهم وصراخ نسائهم وأطفالهم احتشدوا فى التحصينات الممتدة أعلى الأسوار، واتخذوا مواقعهم فى الأبراج، ووجد الفرنسيون أنفسهم فى مرمى وابل متصل من النيران التى أطلقها خمسمائة من المماليك الخيالة، يقودهم محمد كريم محافظ البحيرة وأهل الإسكندرية المسلحون، غير أن تلك المقاومة لم تجد، وعلى حين غرة كشف الأمراء أو قادة الجند من داخل المدينة عن مدافعهم التى انطلقت قذائفها ضد الأعداء، وأرسل "بونابرت" رسالة متعجرفة إلى محمد كريم يطالبه فيها بالاستسلام قائلا:
"إن الأعمال العدائية التى استقبلتنى بها أثارت دهشتى، إنك إذا ما اعتقدت أنك قادر على مقاومتى بمدفعين أو ثلاثة، فإنك إما جاهل أو مغرور قد بلغ بك الجهل أو الغرور مداهما، وإن لم أر راية بيضاء ترفرف فوق الأسوار فى عشر دقائق فلسوف أحملك المسئولية أمام الله عن نزيف الدم الذى سيجرى هدرا، وقريبا ستبكى الضحايا الذين أرسلتهم إلى حتفهم بسوء تقديرك".
العجرفة التى تظهر من رسالة "بونابرت" إلى "كريم"، تظهر فى أن القائد الفرنسى لا يجد فى نفسه غازيا من الطبيعى أن يجد مقاومة ضده، أما الوحشية التى كان الفرنسيون عليها فى الفتك بالمقاومين فنجد شهادة عنها من أحد جنود الحملة، وكان يشترك فى فرقة "كليبر"، والشهادة منشورة فى كتاب "بونابرت فى مصر"، ويقول فيها: "ظننا أن المدينة استسلمت وشد ما أدهشنا أن ينهال علينا رصاص البنادق ونحن نمر أمام المساجد، فأمرنا قائد اتفق وجوده هناك أن نقتحم باب المسجد ولا نبق على أحد فيه، وهكذا هلك الرجال والنساء والأطفال بحد السناكى، ولكن لما كانت العواطف الإنسانية أقوى من الانتقام، فقد توقفت المذبحة حين تعالت أصواتهم طبقا للرحمة فاستحيينا ثلثهم".
مر يوم 2 يوليو، وفى اليوم التالى كان الموقف مغايرا.
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 2 يوليو 1798.. نابليون يحاصر الإسكندرية ويقول لـ"محمد كريم": أنت جاهل أو مغرور لو اعتقدت مقاومتى بمدفعين أو ثلاثة
الأربعاء، 02 يوليو 2014 07:46 ص