فى أعقاب ثورة 25 يناير، وما تلاها من انفلات أمنى أصبح البحث عن الأمان فى الشارع المصرى أشبه بالبحث عن «إبرة وسط كوم من القش»، فقد اختفت الشرطة بفعل فاعل، وتحولت «الداخلية» من كيان مهم له هيبته واحترامه إلى مجرد مبان سيئة السمعة، ووصل الأمر إلى أن وجود رجل الشرطة فى الشارع أصبح مجرد «إجراء شكلى» لا يغير من صورة الواقع شيئاً، ذلك الواقع الذى كان يؤكد أنه لن تكون هناك مصالحة بين الشعب والشرطة على الإطلاق، وأن جهاز الشرطة لن تقوم له قائمة مرة أخرى.
وظل هذا الوضع «المفجع» على تلك الصورة القاتمة التى كانت مع مرور الوقت تزداد قتامة وتتسع شيئاً فشيئا، إلى أن صارت ما يشبه الحالة شديدة التعقيد، على الرغم من تعاقب عدد كبير من وزراء الداخلية سعى كل منهم على قدر استطاعته من أجل تغيير تلك الصورة ولكن دون جدوى، إلى أن جاء وزير الداخلية الحالى اللواء محمد إبراهيم، وعلى الرغم من أنه وصل إلى هذا المنصب فى ظل حكم جماعة الإخوان، إلا أنه وفى ظل ثورة 30 يونيو استطاع أن يحقق ما يشبه المعجزة، حيث نجح فى تحقيق «المصالحة»، فتحولت العلاقة بين الشعب والشرطة من النقيض إلى النقيض، فقد اجتمعت إرادة الشعب والجيش والشرطة وسط هذه الأجواء حول هدف نبيل وهو إعلاء شأن الوطن فى مواجهة نظام فاسد ومستبد، كاد يقضى على بلد عريق فى حجم ومكانة مصر.
والحق يقال فإننى لم أكن أعرف اللواء محمد إبراهيم عن قرب بل كنت مثل الكثيرين غيرى ممن يتصورون أن أى وزير للداخلية لابد أن يكون شخصا شديد القسوة والبطش، يمتلك عقلا وقلبا لا يعرف إلا القبضة الحديدة، ويتصرف بكل ما أوتى من قوة من أجل فرض سيطرة الدولة على كل شىء وفى كل مكان، ولكن ما أن التقيقته فى مكتبه، وتحدثت إليه فى العديد من الموضوعات والقضايا التى تتعلق بالملف الأمنى حتى وجدتنى أمام شخص يمتلك قلباً ملىء بالحب والمشاعر الإنسانية، ويمتلك عقلا متزنا يضع كل شىء فى حجمه الحقيقى، ولا يتصرف إلا بما تقتضيه الظروف المحيطة به، ويراعى الله فى كل خطوة يخطوها، سواء على مستوى العمل، أو على المستوى الشخصى.
نعم وجدت نفسى أمام رجل يحمل قلب أب بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أب فاضت عيناه بالدموع وهو يتحدث معى عن أبنائه من الجنود والضباط الأبرياء الذين يقدمون أرواحهم فداء للوطن بشكل شبه يومى، أثناء قيامهم بأداء واجبهم المقدس فى محاربة الإرهاب الأسود، الذى ابتلينا به على يد تلك الجماعات الإرهابية التى نمت وترعرعت فى كنف الجماعة الإرهابية الأم، التى كان تسمى بـ «الإخوان المسلمين»، وهى أبعد ما يكون عن الإسلام وتعاليم الدين السمح.
لقد شعرت بأن فكرتى عن منصب «وزير الداخلية» كانت خاطئة حينما تحدثت مع اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية على هذا النحو من الصراحة والشفافية والكلام النابع من القلب، فالرجل وعلى الرغم من علمه بأنه لن ينجو من حبل «المشنقة» إذا فشلت ثورة 30 يونيو التى ثار فيها الشعب ضد تلك الجماعة، إلا أنه قدم روحه فداء للوطن، ولم تكن لديه أى حسابات «أمنية» أو «شخصية»، فقد كانت حساباته فقط هى كيف يمكن أن يوفر لهذا الشعب الثائر مناخاً آمناً فى الشوارع والميادين، وكيف يتحول جهاز الشرطة من مجرد عصا كانت تستخدمها الأنظمة السابقة لردع الشعب، إلى درع من فولاز يحمى هذا الشعب من بطش النظام.. فنجح اللواء محمد إبراهيم فيما فشل فيه وزراء الداخلية الذين سبقوه، نعم لقد نجح فى إعادة الثقة بين الشرطة والشعب، ونجح فى خلق حالة فريدة من التوحد حينما التحم الشعب الثائر فى الميادين برجال الشرطة فى مشهد غير مسبوق، وهم يهتفون فى صوت واحد «تحيا مصر»، وتقف خلفهم وتحمى ظهورهم مدرعات ودبابات القوات المسلحة التى لم تنزل إلى الشارع إلا من أجل اكتمال تلك الصورة شديدة الروعة، التى ستظل محفورة فى الوجدان لتتناقلها الأجيال القادمة.
لقد تحدثت مع اللواء محمد إبراهيم عن تلك الحالة الخاصة التى نعيشها الآن فى الشارع، حيث إن المواطن أصبح بالفعل يشعر بأن هناك أمنا فى الشارع، وأن دولة البلطجة التى ظلت سيدة الموقف فى الشارع المصرى قد اختفت وحلت محلها دولة القانون بـ«الضبط» و«الربط»، فقال لى إنه وعلى الرغم من كل ما يشهده الشارع الآن من تواجد أمنى مكثف إلا أنه لا يزال يرى أن حربه ضد الإرهاب الأسود لن تتوقف، وأنه لابد من قطع دابر تلك الآفة الخطيرة التى أفسدت على المواطنين البسطاء الشعور بالأمن والطمأنينة، وهذا ما يجعله لا يهدأ ولا يتوقف عن الزيارات المفاجئة التى يقوم بها وبشكل شبه يومى فى المواقع الشرطية، سواء كانت فى العاصمة أو فى المحافظات، وذلك لأنه على قناعة تامة بأن رجل الشرطة يجب أن يظل متيقظاً طوال الوقت وبشكل مستمر، حتى يتمكن من تحقيق مهمته الأساسية وهى استباق الجريمة ووقفها، وليس فقط التعامل معها بعد وقوعها، وكان هذا الكلام بمثابة إشارة منه إلى هذا المجهود الكبير المبذول فى الكشف عن المفرقعات وإبطال مفعولها قبل تفجيرها، وقد دفعنى الحديث عن مسألة إبطال مفعول القنابل التى تزرعها الجماعات الإرهابية فى أماكن متفرقة إلى أن أتناول معه قضية فى غاية الأهمية وهى ضرورة تأمين رجال الشرطة وتوفير جميع أشكال الحماية لهم أثناء أداء عملهم، وذلك تجنبا لما شاهدناه فى الحادث المأساوى الذى وقع أثناء انفجار عبوة ناسفة فى محيط قصر الاتحادية يوم 30 يونيو الماضى، والذى أسفر عن استشهاد العقيد أحمد أمين عشماوى خبير المفرقعات بالإدارة العامة للحماية المدنية بالقاهرة، حيث إنه كان يؤدى عمله دون أن يرتدى الملابس المخصصة لتأمينه، فأخبرنى وزير الداخلية أن تلك الملابس وما يصاحبها من وسائل تأمينية متوفرة بالفعل فى الإدارة العامة للحماية المدنية، ولكن شاء القدر أن يقوم العقيد أحمد عشماوى بأداء واجبه المقدس فى خدمة وطنه دون أن يفكر فى حمايته الشخصية، ربما إحساساً منه بخطورة الموقف، وضرورة حماية المكان الذى تم العثور فيه على تلك القنبلة، وهو حال جميع أبناء وزراة الداخلية الذين لا يفكرون فى أنفسهم، وهم يذهبون يوميا إلى أداء مهامهم، فكل ما يشغلهم هو كيف يوفرون الحماية والأمن والطمانينة لأبناء هذا الوطن، الذى من حقه أن يصبح آمناً على نفسه، وعلى أهل بيته فى أى وقت، وفى أى مكان على أرض المحروسة.
ولم يخل حديثى مع اللواء محمد إبراهيم عن الخوض فى قضية الإرهاب، فهو يكاد يكون وزير الداخلية الوحيد الذى استطاع أن يقف فى وجه الإرهاب بكل هذه الجرأة التى رأيناه عليها وهو يخوض حرباً شرسه ضد هذا الإرهاب الأسود، حيث استطاع أن «يفك عقدة» الإرهاب التى تمثل خطرا داهما يهدد أمن واستقرار دول عظمى مثل أمريكا التى تتفاقم فيها الجرائم الإرهابية، على الرغم من أنها تمتلك أهم وأعظم المؤسسات والأجهزة الأمنية فى العالم، واللافت للنظر هنا أن اللواء محمد إبراهيم قبل أن يخوض تلك الحرب ضد الإرهاب بادر على الفور بإعادة بناء وهيكلة وزارة الداخلية، والاهتمام بإعادة الأوضاع المقلوبة إلى وضعها الصحيح، وعلى وجه الخصوص إعادة الاعتبار لضباط الأمن الوطنى الأكفاء الذين استبعدتهم الجماعة الإرهابية خلال فترة حكمها للبلاد، وبهذه الخطوة استطاع أن يعيد الاعتبار إلى هؤلاء الضباط الأكفاء الذين أصبحوا بمثابة حائط الصد الأول فى حربه ضد الإرهاب الأسود، فى وقت تمر فيه مصر بتآمر من الداخل والخارج، واضطراب سياسى واقتصادى، وعلى الرغم من ذلك فقد تمكن من إحكام قبضته بالكامل على أخطر العناصر الإرهابية، علماً بأنه فى ذلك التوقيت كانت مصر تواجه تعنتاً شديدا من أمريكا ودول الاتحاد الأوروبى، وذلك برفضهم مد مصر بأية أسلحة تساعد رجال الشرطة فى مواجهة العناصر الإرهابية المسلحة بأحدث الأسلحة، ولكنه بحكمة وقدرة فائقة على إدارة الأزمات استطاع أن يستورد السلاح من دول أخرى، فاستعانت وزارة الداخلية بأسلحة حديثة ومتطورة أسهمت بدور كبير فى زيادة قدرة ضباط وجنود وزارة الداخلية على مواجهة العناصر الإرهابية المسلحة.
قد أكون مقصراً فى إعطاء اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية ما يستحقه من وصف، وما يستحقه أيضاً من تقدير على كل ما يقوم به من أجل عودة الأمن والانضباط فى الشارع المصرى، وربما لا أكون قد وفيت رجال الداخلية الشرفاء حقهم وأنا أكتب عن دورهم المهم فى محاربة الإرهاب الأسود، ومحاصرته، والقضاء عليه، فهم يستحقون منا الكثير والكثير، ولكن ما أكتبه عن الوزير وعنهم هو فى حقيقة الأمر مجرد شهادة أقولها أمام الله سبحانه وتعالى فى حق رجال ينطبق عليهم قول الرسول محمد عليه أفضل الصلاة والسلام: «عينان لا تمسهما النار يوم القيامة، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس فى سبيل الله».
محمد فودة يكتب: اللواء محمد إبراهيم وزير «المصالحة» بين الشرطة والشعب..تصدى للإرهاب فى الوقت المناسب فأبطل مفعول «التآمر الدولى» واستثمر أجواء ثورة 30 يونيو فى إعادة الانضباط إلى الشارع المصرى
السبت، 19 يوليو 2014 08:04 م
وزير الداخلية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ياسمين عز العرب
عودة الثقة من جديد بين الشرطة والشعب
عدد الردود 0
بواسطة:
مصطفى علوى
مقال جرئ
عدد الردود 0
بواسطة:
كمال عبد الرحمن
أمن الشارع
عدد الردود 0
بواسطة:
طلعت محمود
استطاع أن يحقق ما يشبه المعجزة
عدد الردود 0
بواسطة:
أشرف محمد عباس
اعادة هيكلة وزارة الداخلية
عدد الردود 0
بواسطة:
أمل محمد
الشرطة فى خدمة الشعب
عدد الردود 0
بواسطة:
ظارق سعد الدين
اعادة الاعتبار لضباط الامن الوطنى
عدد الردود 0
بواسطة:
رأفت احمد محمود
مقال محترم جدا
عدد الردود 0
بواسطة:
وليد محمود
شهادة حق
عدد الردود 0
بواسطة:
رأفت احمد محمود
كانوا هيعدموا وزير الداخلية