قال الشهيد:
ليلُ المدن طاعن بالسواد،
لا فضاء فى لغة المسافة يكتمل،
هنا عبروا الأرض،
ذبحوا الذاهبين إلى الشمس،
وكل المناديل فى أكف الصبايا تشتعل،
ولم ...يرحلوا،
وأنا خلف أصواتهم أنتظر،
كانت السهول أمام وهج الدمع تغتسل،
ودمى يحملنى لنشيد شجرى فى الطرقات،
وكل المنازل بدمى تكتحل،
أنا ابن دمى،
بدء الطلقات،
أول الداخلين الى الحلم،
وحلمى بموجى يحتفل.
قالت غزة:
قمصان جسدى ملوثة،
ممزقة، ورائحة البارود فى الشوارع صاحية،
وأنت تعد نشيدك، وخطى الدرب،
تمضى بين يديك الكفن،
لا تؤجل صلاتك فى بوابة العشق،
مروا جميعهم على جرحك،
وغابت عنك المدن،
لا لم تعد بنادق أخوتك صالحة،
بنادقهم أصابها العفن.
قال الشهيد:
أنا رقصة البحر،
نشيد طفل فى مدرسة الريح،
حجارة أهل الضفة،
أصوات فلسطين حين تغنى،
وحين تعزف لحن العاصفة،
أنا جرس اللحظة،
موسيقى الطلقة،
والقصيدة الواثقة،
تموت الأمنيات فى الدواوين،
الشهداء وحدهم لاينامون،
صورة الفجر فى أعينهم ناطقة،
هزى يا غزة أغصان المدائن،
تسآقط أوراقهم فى ساحات الوغى ناشفة،
ما كان من صوت دمى،
سوى شمس معلقة من جديلتها
وهذى الخيول الصاهلة.
قالت غزة:
إن عزَّ فى الأجساد النبض،
خذنى كى أحتطب الروح،
فى ذاكرة الشوارع،
سطرا من الشعر فى قاموس الرفض،
أنا سيدة البحر،
تفاصيل الهواء، أغنية الماء،
فى خاصرة الوطن،
انفلات الناى،
أنا الأرض،
غير أنى لم أنم على جرحى،
هنا فوق رصيف الموت صحوت،
وصحت على بعد شهيدين،
وأكملت النشيد،
هنا أنا.. وأنا هناك،
أقرأ تفاصيل من رحلوا،
ومن جاؤوا بفن القتل،
أنا مهرة الشهيد ودفتره الناري،
أنا العرس.. أنا أنا الثورة،
هنا قرب البحر، مددت صدرى جسرا،
لتعبر هذا الزمن،
يا ولدى كل البلاد تغفو على دمك،
وأنت وحدك تمضى،
راسما شكل الحياة.
قال الشهيد:
رأيت الريح تمضى محملة بالريح،
رأيت الزيتون عاريا،
رأيت خيمة الوقت ممزقة،
وزناد البنادق مكسرة،
رأيتها فى الأيدى تصيح،
أنا نجم الليل، أجمع بقاياى فى أتون الحرب،
أمضى من موت إلى موت،
معي، دمي، وحكاية امرأة
لفت حول خصرها شوك الدرب،
يا غزة..ها دمنا فى المتاريس يصرخ،
والطائرات تلهو بنا،
جرحنا، لغتنا، وشمنا الصعب،
قالت غزة:
حنانيك وأنت تمضى الى آخر الرصاص،
حنانيك وأنت فى خيبة السكوت تقرع الأجراس،
جميعهم مرّوا على جرحنا، أشعلوا الشمع،
وأقاموا لنا الأقواس،
حنانيك يا ابن الرقص المجنح،
هاك ما تبقى من نبض فى العروق،
أطلق خيلك فى المواسم الجفاف،
غنِّ ما شئت من سورة الموت،
أقم فينا رقصة الميجنا،
واشعل فى الميتين لغة النار.
قال الشهيد:
حملتنى الشهقات،
حملتنى الطعنات،
إلى سجدة الروح فى احتدام البارود،
وفوق حدود الموج،
احتشدت بوجهي،
حاصرت الإعصار،
قلت: أهبط نحو الأرض،
وفى ذاكرة الرمل ارتفع بالخطو،
تماما كما الرعد،
وأعانق من لهفتى زرقة البحر،
أمعن كثيرا فى الإبحار،
هنا أنا،
أفتح القلب،
تمتد الشمس نحوي،
أتهجى كل اللغات،
وفى لجة الليل أشرع كل الأسئلة للنهار،
قالت غزة:
هذى قناديلى ديوك تهتف،
وأنا فى أول الضوء أقف،
عن كتفى يفرُّ الحمام،
راقصا ويعصف،
ورائحة العشب تمضى لصلاة الحراب،
كلى مجبول بغيم المأساة،
وفوق ثريات الجسد،
يرقص فوضويا هذا الخراب،
وأنا مثقلة أصغى لوصايا السيف،
أتعمد بحناء الجرح،
تعبرنى أغبرة اللحظة،
أتكاثر مثل السنابل فى بهجة الصيف.
قال الشهيد:
قل إنه الفسفور الأبيض يهوي،
يهوى على أفق الطفولة وهدأة المكان،
ينام الطيبون..أحلامهم تسعى،
مزنرة بنجمتين وحصان،
أيهذا اللحم المتطاير على حافة الكلام،
ما ظل فى الكف أصابع تشير،
العمر غدا غبار،
قل إنه الفسفور الأبيض يهوى،
تنهض البلاد من جلابيب الفراغ،
رمحا، أغنية، ما غفت أحرفها فى شفاه الأرض،
لكنها راقصت القمح والسفح،
عانقت الإنسان،
قل إنه الفسفور الأبيض يهوي،
ولم أزل أصعد قامة الليل،
أسرد على ذاكرة الجرح،
ما علمنى الإله سرَّ دمي،
شكل الصعود إلى برّية الشمس،
قالت غزة:
تيّبس السؤال فى خواطر الماء،
تيّبس فى ملامح الأمهات،
الآن، أنقش فى زند الشاطىء فوضاى،
أباريق نارى،
أطلق عصافير السهل،
للداخلين حلم العشب،
غير أن الموت كامن فينا،
كامن فى حلق الجهات.
قال الشهيد..قالت غزة:
المـــــــوت
معـــــراج
الحيـــــــــاة
الموت معراج الحياة.