نقلا عن اليومى..
إن الله تبارك وتعالى قد جعل الإخلاص شرطًا لقبول الأعمال الصالحة، فقال تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ»، والمسلم المخلص لله هو الذى يؤدى أعمال الطاعة من صلاة وصيام وحج وزكاة وصدقة وغيرها ابتغاء وجه الله ونيل ثوابه لا تحصيل رضا الناس، لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِى بِهِ وَجْهُهُ».
ومدار الإخلاص فى كتب اللغة على الصفاء والتميز عن الشوائب التى تخالط الشىء، يقال: هذا الشىء خالص لك: أى لا يشاركك فيه غيرُك، والخالص من الألوان عندهم ما صفا ونصع.
والإخلاص كما عرَّفه العز ابن عبدالسلام هو: «أن يفعل المكلف الطاعةَ خالصة لله وحده، لا يريد بها تعظيما من الناس ولا توقيرًا، ولا جلبَ نفع دينى، ولا دفعَ ضرر دنيوى»، أو كما قال سهل بن عبدالله: «الإخلاص أن يكون سكونُ العبد وحركاته لله تعالى خاصة»، أو كما عرفه الهروى بأنه: «تصفية العمل من كل شوب»، ولقد سُئل التسترى: «أى شىء أشد على النفس؟! قال: «الإخلاص، لأنه ليس لها فيه نصيب»، وقال سفيان الثورى: «ما عالجت شيئا أشد علىّ من نيتى، إنها تتقلبُ علىّ».
فعلى المسلم أن يُخلص النية فى كل عمل يقوم به حتى يتقبله الله منه، فالله تبارك وتعالى يعطى بالإخلاص على القليل الكثير، ولا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه تعالى، ونحن اليوم فى شهر الصوم، والصومُ هو العبادة الوحيدة التى خُصَّت بالنسبة إلى الله «إلا الصوم فإنه لى وأنا أجزى به»، قال الإمام أحمد: لا رياء في الصوم، فلا يدخله الرياء فى فعله، من صفى صفى له، ومن كدَّر كدّر عليه، ومن أحسن فى ليله كوفئ فى نهاره، ومن أحسن فى نهاره كوفئ فى ليله، وإنما يُكال للعبد كما كال.
فما أحوجنا للتدرب على الإخلاص فى هذا الشهر الكريم، ومجاهدة النفس على طرد العُجب والتخلص من أى تعلق للقلب بغير الله عز وجل، حتى ننال خيرى الدنيا والآخرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِضَعِيفِهَا، بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ»، فالإخلاص يكون سبيلاً لنصر الأمة على كل ما يُلم بها من أحداث وملمات، ويكون سبيلاً للخروج بها من الأزمات، ويكون سببًا لتوحيد الصف ونبذ الخلافات، والنجاح فى العمل والتقدم والبناء، ويكون فيه أيضًا خلاص الأمة ورفعتها.
وعلى خطابنا الدينى فى رمضان أن يستغل هذه المناسبة الدينية العظيمة للتأكيد على فضيلة الإخلاص، وأهمية ملازمته أفعال وأقوال العباد، مؤكدًا أنه إذا أخلص المسلمُ صيامه لله، وقام به على الوجه الذى يرضى الله كان ذلك داعيًا له لأن يخلص لله فى شتى أموره، وكل أحواله، وسائر أيامه، فَرَبُّ رمضانَ هو ربُّ سائرِ الشهور، والذى فرض الصيام هو الذى فرض غيره من سائر الطاعات والقربات، والذى يُتَقَرَّبُ إليه بالصيام هو الذى يُتَقَرَّبُ إليه بسائر الأعمال.
فالخطاب الدينى لا ينبغى أن يكون خطابًا ضعيفًا أو سطحيًّا، أو يكون بعيدًا عن هموم الناس ومتطلباتهم، بل لا بد أن يكون خطابًا تفاعليًّا، وعميقًا، لا يفوت الفرصة من أن يستقى من كل موقف أو عبادة أو آية أو حديث عبرةً وعظةً يدفعها لجموع المسلمين، لعموم نفعها وفائدتها، وهو اليوم فى شهر الصيام، يستخلص من تلك العبادة قيمة الإخلاص، ويؤكد عليها وعلى ما يعود على المسلم إذا عوَّد نفسَه عليها ووطَّنها على الإخلاص.
فيؤكد هذا الخطاب على ما فى الإخلاص من قيم عظيمة تعود على العبد بالنفع، فالإخلاص ثمرته عظيمة، وفوائده جليلة، والأعمال التى تقترن به تكون مباركة، وهو أساس قبول الأعمال والأقوال، وكذا قبول الدعاء، كما أنه يرفع منزلة العبد فى الدنيا والآخرة، ويبعد عنه الوساوس والأوهام، ويحرره من عبودية غير الله تعالى، كما أنه يقوى من أواصر العلاقات الاجتماعية ويكون سببًا لنصرة الأمة، ويكون فيه تفريج للشدائد التى تلم بالمرء فى الدنيا والآخرة، كما أنه يحقق طمأنينة القلب وانشراح الصدر، وهو يقوى إيمان الإنسان ويُكرِّه إليه الفسوق والعصيان، وبه تعظم بركة الأعمال الصغيرة، وبفواته تحقر الأعمال العظيمة.
كما أن على الخطاب الدينى وهو فى معرض حديثه عن الإخلاص أن يبين ما للإخلاص من قيمة عظيمة ينبغى علينا التزامها من أنها كانت صفة للأنبياء والصالحين، فهذا موسى عليه السلام يصفه ربه فيقول تعالى: «وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا»، كما وصف تعالى إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام بالإخلاص، فقال عز وجل: «وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِى الْأَيْدِى وَالْأَبْصَارِ* إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ»، وقال عمرو بن ثابت: «لما مات على بن الحسن فغسلوه، جعلوا ينظرون إلى آثار سواد بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جُرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة. وعن محمد بن إسحاق: «كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات على بن الحسن فقدوا ما كانوا يؤتون به فى الليل».
وعليه يجب أن نوطن أنفسنا على الإخلاص، فالإخلاص فضيلة فى نفسه، فهو يشرحُ صدر صاحبه للإنفاق فى وجوه البر، ويعلمه الزهد فى عرض الدنيا، ويحمل القاضى على تحقيق العدل، ويوحى إلى الأستاذ أن يبذلَ جُهْدَه فى إيضاح المسائل لطلابه، ويصون التاجر عن أن يخون من ائتمنه، ويردع قلم الكاتب عن أن يقلب الحقائق.
وختامًا علينا أن نتعهد أنفسنا فى هذا الشهر الكريم بالتربية على فضيلة الإخلاص لله تعالى فى القول والعمل، وأن نربى أبناءنا على فضيلة الإخلاص، وتبيين ما يناله المخلصون من حمدٍ وكرامة وحسن عاقبة، لكى يَخْرُجَ لنا رجال مخلصون يؤدون أعمالهم على الوجه الأكمل بالجدية والإتقان.
فضيلة المفتى د. شوقى عبدالكريم علام يكتب:من خصائص الخطاب الدينى فى رمضان.. التأكيد على التحلى بفضيلة الإخلاص.. علينا أن نتعهد أنفسنا فى هذا الشهر الكريم بالتربية على فضيلة الإخلاص لله تعالى
السبت، 19 يوليو 2014 08:48 ص
فضيلة المفتى د. شوقى عبدالكريم علام
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة