"هنا والآن.. أتقدم إليكم باقتراح ينص على إقامة حكومة اتحادية لكل إفريقيا وإنشاء قيادة عسكرية موحدة"، طرح هذا الاقتراح الرئيس الغانى "نكروما"، أمام مؤتمر القمة الإفريقية فى القاهرة والذى عقد فى مثل هذا اليوم "17 يوليو 1964"، ويعد المؤتمر الأول فى رسم السياسات الإفريقية، وكان سبقه مؤتمر فى أثيوبيا عام 1963 اقتصر فقط على إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية والتوقيع على ميثاقها.
كانت الجلسة الأولى للمؤتمر تعبيرا متجددا عن أحزان إفريقيا، وبالعودة إلى المناقشات التى دارت خلالها، سنجد تلا من المرارات فى حلق آباء النضال الإفريقى، وينقل وقائعها كتابى "سنوات الغليان" للكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل"، و"مذكرات محمود رياض" ( وزير الخارجية وقتئذ).
اشتكى "نكروما" من الاحتكارات المسيطرة مثل احتكار " أو بنهايمر "، وشرح أثناء كلامه أن "أوبنهايمر" ابتلع 104 شركات تحتكر فيما بينها 80 من ماس العالم، وانفعل رئيس مالى "مود يبوكيتا " متحدثا عن التميز العنصرى قائلا :" ألا تعرفون أيها السادة أن العنصرية هى الابنة الشرعية للعبودية"، ولحقه "نكروما" قائلا: "إن بريطانيا كانت تاجر العبيد الأكبر فى التاريخ"، وأضاف، أنه وجد وثائق فى "أكرا" (عاصمة غانا) من عهد الاحتلال تثبت أن عدد العبيد الذين أسرهم البريطانيون وشحنوهم إلى مستعمراتهم ، أو تاجروا فيهم حيث شاءوا يصل تعدادهم إلى 50 مليون من البشر.
كان الرئيس الجزائرى أحمد بن بيلا، أحدث الرؤساء الأفارقة الذى اعتلوا كرسى الحكم من باب النضال ضد الاستعمار الفرنسى، وتحدث متوافقا مع كل هذه الأصوات التى تستدعى أحزانا هائلة ، فذكر قصة آخر مقيم عام فرنسى فى الجزائر قبل الاستقلال، والذى وصل به الأمر إلى حد شحن كل ما كان موجودا فى القصور من تحف وأثاث، حتى أنه حمل معه لمبات الكهرباء التى كانت تضئ قصره وتحول فيما بعد إلى قصر الشعب.
والتحم الرئيس الغينى " نيريرى " مع هذا الشحن ، فتساء، هل يعقل ان بلدا مثل بلجيكا يستعمر بلدا مثل الكونجو، وهى أكبر منه 77 مرة ، والأسوأ أن مستعمرة مثل الكونجو كانت من أولها ملك شخص واحد هو "ليوبولد السادس" من سنة 1876 إلى 1908، وهذا جعله أغنى رجل فى العالم فى زمانه ومسيطرا على أهم مناجم الذهب والنحاس والماس ومزارع المطاط وتجارة العاج ومات أكثر من 5 ملايين كونجولى جوعا من أسر عبوديته.
وقفز "نيريرى" من الماضى إلى الحاضر قائلا، "والآن أمامنا فى الكونجو الجنرال موبوتو وهو يزعم أن الله قد هداه فرأى النور، ولست مستعدا أن أصدق أن المعجزة التى حدثت للقديس بولس يمكن أن تتكرر مرة أخرى مع الجنرال موبوتو".
كان إيقاع الكلام ساخنا على هذا النحو وبقدر ما كان يفتح باب الأحزان، فإن الحماس أخذ الرئيس نكروما ليتقدم باقتراحه حول قيام حكومة اتحادية إفريقية، وبالرغم من هذا الحماس النضالى، إلا أن "عبد الناصر" واجه مشكلة مع الحاضرين نتحدث عنها لاحقا.
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 17 يوليو 1964.. زعماء إفريقيا يتحدثون عن أحزان القارة السمراء فى مؤتمر القمة الإفريقية بالقاهرة
الخميس، 17 يوليو 2014 08:16 ص