محمد تركى يكتب: قطر.. والسقوط فى بئر الخيانة

لعل ما اعتادت آذاننا السماع إليه وعيوننا رؤيته فى أيام الحرب والسلم هى قصص التجسس الإسرائيلية على الدول العربية أو العكس بهدف التنبؤ بما يكنه العدو الإسرائيلى لنا من مخططات عدوانية أو لاتخاذ اجراءات استباقية أمنية فى إطار الحفاظ على منظومة الأمن القومى، وقد تجسد هذا عمليًا ودراميًا، ولكن لم نتوقع يومًا أن تروى لنا تفاصيل عن قضية تجسس دولة عربية على شقيقتها العربية.
فقد فاجأتنا الصحف الإماراتية بأن السلطات الأمنية بدولة الإمارات اعتقلت عناصر استخباراتية "قطرية" فى الإمارات، وجارى التحقيق معهم الآن.
وفى رأيى أن هذا التطور الخطير يأتى فى إطار اتباع قطر لسياسة التدخل فى شئون الدول العربية وممارسة أدوار لا تليق بها ولا بعروبتها، وأيضًا تبنى أجندات خارجية تهدف إلى النيل من استقرار المنطقة العربية.
إن هذا التطور يأتى معبرًا عن عدم اقتناع القيادة القطرية بضرورة عدم التغريد خارج السرب العربى وإيمانها الخاطئ أن مصالحها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمصالح الأمريكية وليس العربية، وأيضًا يثبت أن قطر غير صادقة فى الالتزام بتعهداتها تجاه الدول العربية ومنها اتفاق الرياض الأخير، وقد انعكس ذلك على سياستها الخارجية والداخلية والتى عملت طيلة السنوات الماضية على رعاية الجماعات الإسلامية المتشددة والتى تتبنى أفكارًا هدامة للمجتمع العربى بأسره.
إن الضعف الذى تعانى منه السياسة الخارجية القطرية يتسبب بمرور الوقت فى خلق حالة من العزلة تصاب بها قطر حاليًا منذ إعلان السعودية والإمارات والبحرين مجتمعين فى مارس الماضى سحب سفرائهم من الدوحة فى خطوة غير مسبوقة وذلك بفعل تدخل قطر فى الشؤون الداخلية للدول الخليجية.

إن دولة الإمارات من حقها أن تدافع بكل ما تراه مناسبًا عن أمنها القومى وأن تتخذ إجراءات مشدده تجاه أى محاولة تستهدف النيل من أمنها واستقرارها، لذا على قطر أن تعى الدرس جيدًا وأن تدرك أن أجندتها السياسية بها العديد من التشوهات وعليها أن تعمل على معالجتها بشكل سريع حتى لا تتحول قطر إلى دولة معادية لكل العرب، حيث إن هذا الشعور بدأ يتعمق لدى الشعوب العربية تجاه القيادة القطرية.

صحيفة العرب القطرية أفردت تقريرًا مطولاً عن القضية مصورة الوضع على انه انتهاك لحقوق الإنسان وتعدى على الحرية الشخصية لمواطنين قطريين يقومون بزيارة سياحية لإمارة أبو ظبى فى إشارة إلى انه "اعتقال سياسى".

الصحيفة القطرية بدلاً من أن تتبنى مواقف معتدلة وموضوعية راحت تشن حربًا على النظام الإماراتى، وتحذر المواطنين القطريين من السفر إلى الإمارات أو التوقف بمطاراتها للترانزيت، معتبرة أن ذلك يمثل خطرًا عليهم من حيث السجن أو الإعتقال، وبدلاً من أن تقدم اعتذارًا رسميًا تتبناه القيادة السياسة القطرية واعترافًا منها بارتكاب جريمة فى حق دولة الإمارات راحت تبث سمومها لتعبر عن الحقد الكامن والتخبط السياسى الذى تعانى منه قطر.

قطر وإن كانت لا تمتلك الأدوات السياسية ولا البشرية ولا العسكرية لأن تحتل موقعًا دوليًا متميزًا نراها اليوم تتخذ من إعلامها الممول حكوميًا منبرًا لبث الشائعات وحصنًا لإيواء المتطرفين فكريًا، وقد أثبتت الأحداث بما لا يدع مجالاً للشك تورط جهازها الإعلامى ممثلاً فى قناة الجزيرة فى افتعال الأزمات فى المنطقة العربية لاسيما مصر ودول الخليج، واليوم يأتى لنرى تورط الجهاز الأمنى القطرى فى قضايا استخباراتية ضد دولة عربية شقيقة.

إن النصيحة التى نقدمها لقطر هى دعوتها لعمل مراجعة سريعة وشاملة لسياساتها الخارجية والأمنية تجاه الدول العربية، وأن تجاهد نفسها فى الوصول إلى صياغة معادلة سياسية تضع فى اعتبارها أولاً مصلحة شعبها والشعوب العربية، وتتبنى رؤية واضحة لكيفية الخروج من المأزق الحالى والعزلة التى فُرضت عليها بفعل ممارساتها العدائية تجاه الدول العربية.

على قطر أن تعيد قراءتها للتاريخ السياسى حتى تدرك أن مصالحها لن تتحقق بهذه السياسة القائمة على معاداة العرب، والدخول فى تحالفات دولية من شأنها النيل من استقرار المنطقة العربية، وأن السبيل الوحيد لتحقيق أهدافها هو ضرورة العدول عن هذه السياسة والعمل على إعادة هيكلة العلاقات القطرية - العربية، بما يخدم مصالح الشعوب، وبالتأكيد لن يتأتى ذلك دون وجود إرادة سياسية حقيقية.