يرى خبراء الاقتصاد فى تونس أن مشروع قانون المالية التكميلى (الموازنة) الذى اقترحته حكومة مهدى جمعة نهاية الأسبوع الماضى يحمل العديد من الإجراءات الإيجابية لكنه لا يخلو من إجراءات ضرورية موجعة بإمكانها أن تثقل كاهل الطبقة الوسطى فى إشارة إلى أنها طبقة شديدة الحساسية ومهددة بالاندثار والنزول تحت خط الفقر فى حال بقيت الأوضاع الاقتصادية على حالها.
ووفق تقديرات المراقبين فإن الطبقة الوسطى شهدت تقلصا منذ اندلاع الثورة لتصل إلى نحو 70% من اجمالى السكان مقابل 80% فى السنوات الأخيرة التى سبقت الثورة.
ويقدر حجم موازنة العام الحالى بنحو 28.1 مليار دينار تونسى (17.8 مليار دولار)، بزيادة 2.3% عن النتائج المحتملة لموازنة العام الماضى.
وقال البنك المركزى التونسى، إن معدل نمو الاقتصاد التونسى بلغ 2.2% خلال الربع الأول من العام الجارى، مقارنة بنمو بلغ 2.7% خلال نفس الفترة من العام الماضى.
وقال الخبير الاقتصادى التونسى محسن حسن إن مشروع قانون المالية التكميلى المقترح من قبل الحكومة الحالية جاء حاملا لاجراءات موجعة لكنها تعتبر ضرورية لترجيح الكفة مشيرا فى الوقت ذاته إلى أن المشروع يضم إجراءات جبائية اضافية بإمكانها أن تسهم فى اثقال كاهل المواطن متوسط الدخل وأضعاف مقدرته الشرائية.
وبحسب الخبير فإن ذلك يعد تضحية من قبل الطبقة الوسطى فى انتظار عودة الجميع إلى العمل الجدى معتبرا أن الإضرابات المتتالية تعد من أبرز عوامل الحد من منسوب الثروة.
وكشفت وزارة الشؤون الاجتماعية التونسية خلال مايو الماضى أن معدل الإضرابات الاجتماعية ارتفع بنحو 4% خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجارى، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى، حيث سجل عدد العمال المشاركين فى الإضرابات ارتفاعا بنحو 18 %
واعتبر حسن أن مقاومة التهرب الجبائى والحد من انتشار السوق الموازية تتصدران قائمة الإجراءات الإيجابية التى أتى بها المشروع دون أن ينفى احتوائه لعدد من النقاط السلبية.
ويتضمن مشروع قانون المالية التكميلى بعض السلبيات يتمثل أبرزها فى الزيادة الأخيرة التى أقرتها الحكومة فى سعر لتر البنزين. واعتبر محسن حسن أن رفع أسعار البنزين سيؤدى حتما إلى ارتفاع أسعار عديد المنتجات الأساسية الأخرى.
وبدأت الحكومة التونسية منذ مطلع الشهر الحالى فى تطبيق الزيادة التى أقرتها مسبقا فى سعر البنزين، والتى حددتها بنحو 0.1 دينار فى اللتر الواحدة بنسبة ارتفاع 6.3%، ليبلغ سعره 1.67 دينار مقارنة بـ 1.57 دينار قبل إقرار الزيادة .
وأكد محمود مطير المستشار الجبائى أن مشروع القانون الذى قدمته الحكومة الحالية يعد مواصلة لسياسة حكومة الترويكا المتخلية والتى وصفها بالتقشفية التى لا تراعى الظروف الاقتصادية الحساسة للطبقتين المتوسطة والفقيرة.
وبين الخبير أن الحكومة الحالية لجأت فى مشروعها المقترح إلى الحلول السهلة التى لا تكلفها الكثير من الوقت والجهد متغاضية بذلك عن عملية البحث على حلول فعالة قادرة على إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية التى تمر بها منذ الثورة.
ودعا مطير حكومة جمعة إلى اتخاذ حلول لا تضر بالطبقات الاجتماعية الحساسة معتبرا أن الحل الأنسب لتجاوز الأزمة يتمثل فى زيادة الاداءات الجبائية بالنسبة للمؤسسات الاقتصادية الكبرى التى لم تتأثر بتداعيات الثورة من بينها الشركات النفطية والاتصالات والمؤسسات البنكية.
ووفق تقدير الخبير التونسى فإن الموارد التى ستجمعها الدولة من الجباية المفروضة على هذا الصنف من المؤسسات قادرة على سد العجز الذى تعانى منه الموازنة العامة لهذا العام.
وشدد على ضرورة أن يحمل قانون المالية التكميلى حلولا مناسبة لتحقيق انتعاشة اقتصادية مع مراعاة الوضعية الاقتصادية للطبقات الاجتماعية الحساسة فى اشارة الى الطبقة الوسطى والفقيرة.
وقامت لجنة التخطيط والمالية فى المجلس الوطنى التأسيسى بتثمين عديد النقاط وانتقاد نقاط أخرى وذلك بعد أن شرعت فى مناقشة مشروع القانون الاثنين الماضى وذلك بعد عرضه من قبل رئيس الحكومة على رئيس البرلمان الجمعة الماضى.
وقال الفرجانى دغمان رئيس لجنة المالية والتخطيط بالمجلس الوطنى التأسيسى إن المشروع يتطلب مزيدا من التنقيح من دون أن يذكره مرتقبا أن تكون تعديلات فعالة وتتماشى ومصلحة الموازنة العامة.
وأشار دغمان إلى امكانية اكتمال معالم المشروع النهائى الذى سيعرض على الجلسة العامة لمناقشته فصلا فصلا خلال أسبوع .
وأكد رئيس اللجنة على ضرورة مراعاة الحيز الزمنى القصير الذى منح للجنته حتى تناقش المشروع وتعرضه على النقاش العام فصلا فصلا مشددا على ضرورة التعمق فى خلفياته ومحاولة تعديل ما أمكن منه قبل المصادقة النهائية عليه.
وأصدرت الحكومة التونسية الوثيقة الرسمية لمشروع قانون المالية التكميلى تحت شعار "على طريق الانتعاش الاقتصادى" وذلك بعد المصادقة عليه من قبل مجلس الوزراء وعرضه على المجلس الوطنى التأسيسى فى انتظار المصادقة النهائية عليه وتطبيقه.
وترتقب الحكومة تحقيق هدف استراتيجى من خلال تطبيق هذا المشروع و الذى يتمثل فى جعل الاقتصاد الوطنى واحدا من بين الاقتصاديات الصاعدة وذلك علاوة على العمل على وضعه فى طريق الانتعاش عبر اعتماد نموذج تنموى جديد .
وبينت الحكومة أن أهم الاشكاليات التى يعانى منها الاقتصاد التونسى منذ سنوات تتمثل أساسا فى هشاشة هيكلة الاقتصاد وضعف مستوى الاستثمار الخاص علاوة على التفاوت بين مختلف جهات البلاد .
وأضافت أن الأولويات الرئيسية التى يرتكز عليها مشروعها تتجسد أساسا فى كيفية دفع النمو والاستثمار فى إشارة إلى أن نسبة النمو المرتقبة سنة 2015 تقدر بنحو 3.5 %..
ويرى مراقبون أن تطبيق الاجراءات التى يتضمنها المشروع من شأنها أن تسهم فى تخفيض العجز من 6.9% فى 2013 إلى 5.8% خلال هذا العام. وتسعى حكومة جمعة إلى تحقيق المعادلة الصعبة التى تضمن من جهة وضع حد لأزمة المالية العامة وعدم سقوط الدولة فى سياسة التقشف من جهة أخرى.
خبراء: قانون المالية التكميلى يزيد من انكماش الطبقة المتوسطة فى تونس
الأحد، 13 يوليو 2014 05:20 ص
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة