«روح يا ابنى ربنا يكفيك شر المرض».. هذا هو الدعاء الأمثل فى مصر.. ربما ليس فى مصر فقط.. ولكن فى مصر – تحديدا – تزداد الحاجة إلى البعد عن المرض قدر الإمكان، لأن الرعاية الطبية فى مصر متدهورة ومتدنية لدرجة احتمال ظهور مضاعفات كبيرة وخطيرة ولا صلة لها بالمرض الأصلى عند لجوئك للعلاج فى المستشفيات المصرية.
فى القرن التاسع عشر والقرن العشرين كانت مصر محجّ المرضى العرب وقبلتهم، وكان الأطباء المصريون علامة بين الأطباء العرب.. كانت المؤتمرات الطبية كلها تقام فى مصر أو بإشراف مصرى على الأقل لو أقيمت بالخارج «فى أى بلد عربى».. كانت من أشهر الجمل المتداولة فى الدول العربية «سأعالجه فى مصر وإن لم يستطع الأطباء المصريون فسأسافر به لأوروبا».
هذه هى سمعة مصر الطبية «القديمة» التى لا يمكن إنكارها ولا تزييفها لأن بعض من عاشوا هذه الفترة مازالوا على قيد الحياة، وهم شهود عيان على سمعة مصر الطبية المتقدمة، ولكن الكارثة حدثت فى العشرين سنة المنصرمة.. حين انفتح العالم كله على آفاق طبية أخرى وخصصوا لها الميزانيات والاستثمارات الضخمة «خاصة الدول العربية» التى شهدت طفرة حقيقية وملموسة فى مجال الطب فى العقدين الأخيرين.. على حين ظلت مصر تحيك ماضيها وتلوكه ضجيجا بلا طحين. نحن اليوم نتحدث عن مستوى الخدمة الطبية التى يقدمها الجهاز الطبى فى مصر.. مَن منّا لم يمتْ أحدٌ من أقاربه فى مستشفى حكومى؟ أنا شخصيا ماتت والدتى فى مستشفى التأمين الصحى بمدينة نصر.. ومات والد صديقى منذ شهر بنفس المستشفى، وماتت والدة صديقى منذ قرابة العام بنفس المستشفى. وغيرهم حالات كثيرة جدا ربما لا يمتلكون الصوت العالى ليصلوا للصحافة أو لوسائل الإعلام. نحن نعيش كارثة طبية خلفياتها كثيرة ومتشعبة.. تبدأ من الطبيب الذى اعتصم وتظاهر «بشكل جزئى» ليحصل على أبسط حقوقه، وهى بدلات العدوى «مثلا» التى يحصل الدبلوماسيون على عشرات أضعافها وكأنهم هم من يتعاملون مع المرضى وليس الأطباء.. وتنتهى فى الجهاز الخدمى والإدارى صاحب العدد الوظيفى الهائل بدون أى إضافة حقيقية للخدمة الطبية فى مصر. أكتب مقالى هذا بعد أن قرأت قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1063 لسنة 2014 الذى يتعين بموجبه على كل المستشفيات الخاصة والاستثمارية تقديم خدمة الطوارئ للمصابين لمدة 48 ساعة «على نفقة الدولة».. أثارت حفيظتى كلمة «على نفقة الدولة» هذه.. أى نفقة؟ إذا كانت المستشفيات الحكومية نفسها لا تقدم الخدمة الطبية «كاملة» على نفقة الدولة.. تريد من المستشفيات الاستثمارية أن تقدم الخدمة لمدة 48 ساعة على نفقة الدولة؟
على أية حال.. القرار جيد.. ومضىء.. ومشرق.. ومتفائل.. ومفيد.. وجميل.. وهناك غيره الكثير والكثير من القوانين الجيدة والمضيئة والمشرقة والمتفائلة والجميلة. السؤال.. هل سنرى هذا القانون سلوكا حقيقيا فى المستشفيات الخاصة التى ترفض إسعاف المصابين قبل دفع مصاريف المستشفى؟ أنا لا أتحدث عن كل المستشفيات.. جميعنا يعلم أن مصر مازالت بخير وستظل إن شاء الله، وجميعنا يعلم أن هناك من المستشفيات الخاصة ما يقدم الخدمات بدون انتظار قانون ولا قرار، ولكنى أتحدث عن مستشفيات الجزارة والتجارة. هل سيتم فرض القانون عليهم أم سينضم القانون إلى قائمة القوانين المهملة فى الأدراج؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة