وجاء رمضان صاحب الأفضلية على كل الشهور.. صاحب البهجة والفرحة والتقوى والورع.. صاحب المذاق الخاص فى كل شىء.. فى الطعام.. فى العبادة.. فى الزيارات الأسرية.. فى برامج التليفزيون.. فى رسائل التهنئة.. فى ذرف الدموع خشية الله.. فى الصدقات والإنفاق والتعاطف مع الفقراء.. فى كل شىء. لا شىء يظل كما هو فى رمضان.. حتى العصاة وغير المتدينين تجدهم قد غيروا سلوكهم فى رمضان وسيطر على معظمهم حالة من الستر والحياء، الشوارع.. المحلات.. الملابس.. مواقيت العمل.. كل شىء.
فى رمضان تظهر حِرَف مؤقتة وسلع مؤقتة وسلوكيات مؤقتة، فى رمضان نشعر بالوقت أكثر من أى شهر آخر وننتبه لقيمة الحياة وضرورة استثمار كل لحظة. فى رمضان.. نشعر بالتلاحم والتراحم والوحدة.. نأكل فى وقت واحد ونبدأ مواعيدنا الشخصية تقريباً فى وقت واحد. فى رمضان تبدأ المنافسة.. من قرأ أكثر مِنْ مَنْ؟ من ختم ومن لم يختم؟ من فاز ومن فاته الكثير؟ من استغل (الموسم) ومن انشغل عنه؟ من أدرك (الليلة) ومن فاتته؟ فى رمضان تحلو كل الأشياء.. كل الأشياء.
سأصدقكم القول.. منذ ثورة يناير لم أشعر بشهر رمضان الكريم كما وصفتُه فى أول المقال.. منذ ثورتنا (المسروقة) ونحن نتنافس فى حديث الإفك والسياسة بدلا من التنافس فى الختام المِسْك. سأمتلك الجرأة أن أقول هذا.. وسأمتلك الجرأة أن أشتاق لشهر رمضان العظيم.. شهر رمضان الذى نشأتُ عليه وعلى صيامه وقيامه ومتعته.. اشتقتُ لشهر رمضان بدون مظاهرات وتفجيرات واعتصامات ومنصات تقام فى الشوارع لتبث روح الفتنة بدلاً من التذكير بفضل الشهر الكريم.. اشتقت للقنوات الدينية بلا فتاوى جهادية وتكفيرية.. اشتقت لشيوخنا الأفاضل يتحدثون فى أمور الدين فتدمع عيوننا ونشتاق للقاء الله بأيد بيضاء لا تحمل الضغينة ولا الطمع ولا الدماء.. اللهم أغدق علينا من فضل رمضان ومتعنا بصيامه وقيامه وأمنه.