"مدفع".. بمجرد سماع هذه الكلمة نجد رد فعل أوتوماتيكيا يلصقها بكلمة "رمضان"، حيث تعلقت فى أذهان المصريين هاتان الكلمتان مع بعضهما البعض، وكأنه لا يمكن ذكر إحداهما دون الأخرى، وعلى الرغم من هذا التعلق الكبير بين الكلمتين، إلا أن قصة هذا الارتباط مثلها مثل باقية قصص الطقوس الخاصة بالأجواء الرمضانية جاءت وليد الصدفة، دون سابق تحضير.
وتعددت القصص التى ترجع تاريخ المدفع وفكرة التصاقه برمضان وتنبيهه ساعة الإفطار، ولكن جميعها أقرت على فكرة الصدفة، ومع تقدم الوقت وتطور الأشياء من حولنا، بدأ فى الاختفاء، وعلى الرغم من هذا الاختفاء إلا أنه يظل رمزا من أهم رموز الشهر الكريم.
يحكى "أحمد عمارة" الدارس فى التاريخ الإسلامى عن تاريخ المدفع وارتباطه برمضان فى مصر يقول:- لم يكن المدفع وفكرة تنبيهه للناس بمعاد الإفطار واردًا فى أيام الرسول (ص)، فكانوا يفطرون بعد غروب الشمس، وحاول المسلمون فيما بعد ابتكار أساليب ووسائل جيدة للتنبيه بساعة الإفطار منعا للتخبط فى التوقيت، نظرا لاتساع الرقعة الإسلامية، ومن هنا جاءت فكرة مدفع الافطار.
ويضيف الباحث فى التاريخ الإسلامى: "القاهرة عاصمة مصر أول مدينة ينطلق فيها مدفع رمضان، عن طريق المصادفة، فتقول إحدى القصص، فى أول يوم رمضان عام 865 هـ من العصر المملوكى أراد السلطان المملوكى "خشقدم" أن يجرب مدفعا جديدا، وقد صادف إطلاق المدفع وقت المغرب بالضبط، ومن هنا ظن الناس أن السلطان تعمد إطلاق المدفع لتنبيه الصائمين إلى موعد الإفطار، فخرجت جموع الأهالى إلى مقر الحكم تشكر السلطان على هذه البدعة الحسنة التى استحدثها، وعندما رأى السلطان ذلك الحماس من قبل الناس، قرر الاستمرار فى إطلاق المدفع كل يوم فى وقت الإفطار.
وتابع : تقول رواية أخرى، إن المدفع ظهر فى أثناء حكم عائلة محمد على لمصر، وبالتحديد فى عصر الخديو إسماعيل، فقام بعض الجنود بتنظيف أحد المدافع، فانطلقت منه قذيفة دوت فى سماء القاهرة، وتصادف أن كان ذلك وقت أذان المغرب فى أحد أيام رمضان، فظن الناس أن الحكومة اتبعت عرفًا جديدًا للإعلان عن موعد الإفطار، بذلك، وعلمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوى إسماعيل بما حدث، فأعجبتها الفكرة، وأصدرت فرمانًا لاستخدام هذا المدفع عند الإفطار فى كل يوم طوال شهر رمضان، ومن هنا ارتبط اسمها بالمدفع، وعرف لفترة باسم "مدفع الحاجة فاطمة".
وانتقل استخدام المدفع للتنبيه، فيما بعد من مصر إلى باقية أنحاء العالم الإسلامى، وبدأت الفكرة تنتشر فى أقطار الشام أولا، ثم القدس ودمشق ومدن الشام الأخرى، ثم إلى بغداد فى أواخر القرن التاسع عشر، وبعدها انتقل إلى مدينة الكويت، حيث جاء أول مدفع للكويت فى عهد الشيخ مبارك الصباح، وذلك عام 1907، ثم انتقل إلى كافة أقطار الخليج قبل بزوغ عصر النفط، وكذلك اليمن والسودان، وحتى دول غرب أفريقيا مثل تشاد والنيجر ومالى ودول شرق آسيا، حيث بدأ مدفع الإفطار عمله فى إندونسيا سنة 1944.
"مدفع الإفطار اضرب".. طقس مصرى رمضانى بـ "الصدفة".. بدأ استخدامه فى زمن السلطان خشقدم المملوكى.. وسمى بمدفع "الحاجة فاطمة" فى عهد الخديوى إسماعيل.. وانتشر فى جميع أنحاء العالم الإسلامى
الثلاثاء، 01 يوليو 2014 03:09 م