تنوعت مظاهر الاحتفال بشهر رمضان على مر العصور، فكان لكل فترة تاريخية ما يميزها عن غيرها، وترك كل عصر بصمته الخاصة فى التاريخ الاجتماعى المصرى.
ففى القرن الثالث الهجرى فى عصر الدولة الطولونية، اهتم أحمد بن طولون، بأمر العمال اهتمامًا كبيرًا فى هذا الشهر، فكان يأمر بأن يشتغل العمال حتى العصر فقط، ثم ينصرفون إلى أسرهم، ليسهل عليهم أمورهم.
وفى عهد الدولة الإخشيدية، نجد أن محمد الإخشيدى، كان يرسل النفقات فى أول رمضان لعمارة المساجد وتزيينها مثل ما كان يفعله بن طولون، وفى عهد الدولة العباسية، جرت العادة بإغلاق جميع قاعات الخمارين بالقاهرة، وأن يحظر بيع الخمر، ثم عممت هذه العادة بعد ذلك على جميع الأنحاء، بعد أن أمر الوزير المأمون بذلك.
وأما الدولة الفاطمية فقد اهتمت بهذا الشهر بشكل خاص، إذ اعتبر الفاطميون أن شهر رمضان مناسبة لترغيب المصريين فى المذهب الشيعى، فأقاموا احتفالات غير مسبوقة، إذ كانت تحظر بيع المكسرات ابتداء من شهر رجب، ويعاقب من يبيعها، أو يشتريها، وكانت تقام احتفالات تعبر عن مظاهر العظمة لأنواع البر والصدقات مما يرفه عن الفقير ويدخل السرور عليه.
وكان إذا أقبل الشهر، يطوف القضاه على المساجد، لتفقد ما تم إجراؤه من إصلاح وفرش وتعليق المسارج والقناديل، وتشير العديد من المراجع إلى أنه فى غرة رمضان كان الخليفة الفاطمى يهدى إلى جميع الأمراء وغيرهم من المواطنين، أطباقًا مملوءة بالحلوى، وفى وسط كل طبق صرة بها نقود ذهبية.
ولكن فى العصر الأيوبى، لم تمدنا المصادر عن أخبار كافية عن احتفالات شهر رمضان فى هذا العصر، ويبدو أن الاحتفال به قد اختفى، وربما لأن الأيوبيين كانوا فى حروب مستمرة مع الصليبيين.
وأما فى العصر المملوكى، فكان السلطان يستهل الشهر بالجلوس فى الميدان تحت القلعة، ويتقدم إليه الخليفة والقضاة الأربعة بالتهنئة، ثم يعرض عليه المحتسب أحمال الدقيق والخبز والسكر، والغنم والبقر المخصصة لصدقات شهر رمضان، وجرت عادة سلاطين المماليك على استدعاء القضاة والفقهاء إلى قلعة الجبل، لقراءة صحيح البخارى طوال شهر رمضان.
وفى دولة المماليك البحرية، كان يقرأ البخارى طول الشهر فى الجامع الأزهر، ويختم فى ليلة القدر فى حفل كبير يدعون فيه لأولى الأمر بالتوفيق، بحضور القضاة الأربعة، ويتم توزيع الهبات عل العلماء والفقهاء.
وفى أيام الدولة العثمانية، كان التجار فى محلاتهم يتلون القرآن، ويوزعون الخبز على الفقراء، وفى الليل تزدحم المقاهى بالناس لتناول القهوة والتدخين، وكانت المساجد الصغيرة تقفل بعد صلاة التراويح، فيما تظل الجوامع الكبيرة مفتوحة طول الليل.
وأما فى العصر الحديث، ففى القرن التاسع عشر الميلادى، كانت الدواوين الحكومية تعطل، ماعدا الخارجية، والضبطية والجمرك، وتصدر الأوامر بذلك منذ منتصف شهر شعبان، بشرط أن تكون هذه الدواوين قد أنجزت عملها.
وقد أصدر محافظ القاهرة أمرًا فى منتصف شعبان عام 1273هـ، 1856م، بتعليق الزينة، وإقامة مهرجان مرتين فى رمضان، واتخاذ اللازم لإحضار الزينة والألعاب النارية.
وفى عهد الملك فاروق، كان يطلب من الحكومة كل عام أن يكون الاحتفال برمضان بالغًا أقصى حدوده، ويصدر تعليمات بمنع بيع المنكرات فى المحلات العامة بالميادين الكبرى، وكان هناك ما يسمى بالمأدبة الملكية، تسع ألف شخص، يتزاحم عليها الآلاف من الشعب الفقير.
وحاليًا يجرى الاستعداد فى بعض المحافظات قبل رمضان بثلاثة أشهر، حيث تبدأ ربات البيوت بتربية الطيور الداجنة لشهر رمضان، ومنذ منتصف شعبان تبدأ معظم المحافظات بتجهيز الإنارة والزينة، والفوانيس لتعليقها فى الشوارع، ويشارك فى ذلك الأطفال والشباب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة