فضيلة المفتى د. شوقى عبدالكريم علام يكتب:من خصائص الخطاب الدينى.. الحث على تحمل المسؤولية المشتركة بين الفرد والمجتمع

السبت، 07 يونيو 2014 08:17 ص
فضيلة المفتى د. شوقى عبدالكريم علام يكتب:من خصائص الخطاب الدينى.. الحث على تحمل المسؤولية المشتركة بين الفرد والمجتمع د. شوقى عبدالكريم علام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ألزم الإسلام أفراد المجتمع بتحمل المسؤولية، باعتبار ذلك من مقومات خلافة الإنسان فى الأرض؛ تلك الخلافة التى قوامها عبادة الله وعمارة الأرض وتزكية النفس وينبغى على كل إنسان فهم هذه المعانى واستحضارها حين شرفه رب العزة وكلفه بمهمة الاستخلاف حيث قال عز من قائل: «إِنِّى جَاعِلٌ فِى الْأَرْضِ خَلِيفَةً».

إلا أن الإسلام لم يكتف بإلزام الأفراد بمسؤولياتهم تجاه أسرهم ومجتمعاتهم بل أكد إلزامه المجتمع أيضًا بمسؤوليته تجاه أفراده؛ حيث إنه لا انفصال ولا انفصام بين هاتين المسؤوليتين، وغياب أو انعدام المسؤولية من الطرفين يؤدِّى إلى اختلال التوازن فى الحياة، بسبب ضمور أو انحسار التفاعل بين طرفى المسؤولية وهما الفرد والمجتمع؛ مما يعكس انحرافات فى السلوكيات يترتب عليها القيام بأعمال غير مسؤولة، بل على الجميع أن يسعى لتحقيق قول الله تعالى: «وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ».
والمسؤولية تعنى شعور الإنسان بالتزامه أخلاقيًّا بنتائج أعماله الإرادية فيحاسب عليها إن خيرًا أو شرًّا بميزان العدل: «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه»، كما أن المسؤولية فى ديننا الإسلامى تعنى أن المسلم المكلف مسؤول عن كل شىء جعل الشرع له سلطانًا عليه أو قدرة على التصرف فيه بأى وجه من الوجوه، سواء كانت مسؤولية شخصية فردية أم مسؤولية متعددة جماعية.

كل ذلك اتضح من خلال نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وأحكام فقه المعاملات، فقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع ومسؤول عن رعيته فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته والرجل فى أهله راعٍ وهو مسئول عن رعيته والمرأة فى بيت زوجها راعية وهى مسؤولة عن رعيتها والخادم فى مال سيده راعٍ وهو مسؤول عن رعيته»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار» فلا يجوز للمسلم أن يتسبب فى إضرار نفسه أو إلحاق الضرر بالآخرين أو بالبيئة أو بالمجتمع، فى سبيل تحقيق أهدافه الضيقة.

وإذا ما تمثلنا فى خطابنا الدينى معنى المسؤولية المشتركة التى لا بد أن تصبغ هذا الخطاب وتكون من أهم خصائصه، وتصبغ مخرجاته لتبين الدروس والعِبر للأمة فى وقت اشتداد الأزمات، فلا بد أن يكون لنا وقفات مع سيرة النبى صلى الله عليه وسلم لاستقاء العبر، واستنهاض الهمم، والبحث فى معانى الكلمات واستقرائها وقراءة مضمونها للخروج بالحلول الناجعة لأدواء الأمة، وليس بعيدًا عن البعض حديث السفينة، الذى يرويه النُّعمان بن بشيرٍ رضى الله عنهما عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَثَلُ القائِمِ على حُدُودِ الله والواقِعِ فيها كمَثَلِ قومٍ استهَمُوا على سفينةٍ، فأصابَ بعضُهم أعْلاها وبعضُهم أسفَلَها، فكان الذين فى أسفَلِها إذا استَقَوْا من الماء، مَرُّوا على مَن فوقَهُم، فقالوا: لو أنَّنا خرَقْنا فى نصيبِنا خرقًا ولم نُؤذِ مَن فوقَنا! فإنْ ترَكُوهم وما أرادوا هلَكُوا جميعًا، وإنْ أخَذُوا على أيدِيهم نجَوْا ونجَوْا جميعًا». فهذا الحديث قد جمع بين ثناياه أهم معانى المسؤولية المشتركة التى ينبغى أن نكون عليها، تلك المسؤولية التى تحرص على المصلحة العامة أشد الحرص لكنها فى نفس الوقت لا تغفل قيمة المصلحة الخاصة المعتبرة، تلك المسؤولية التى تنظم العلاقة بين البشر على اختلاف درجاتهم بميزان العدل الذى لا يحيف على حق أحد.

ولو أردنا من خلال خطابنا الدينى المرتجى أن نستخلص الدروس والعبر المستفادة من هذا الحديث فإننا نستلهم من هذا الهدى النبوى الشريف المعانى والعبر التى تتمثل فى تركيز الإسلام على المسؤولية الجماعية. ودعوة الإسلام إلى العمل الإيجابى ورفضه لأى عمل سلبى.

والتشبيه بالسفينة يضعنا أمام حقيقة قد تغيب عنا أحيانا وهى أننا جميعا فى مركب واحد الأمر، الذى يقتضى تحديد المصالح العامة والقيم الضامنة والمسؤوليات الشاملة، وكيف أن مجتمع السفينة جعل أمن الجميع هو أولى أولوياته، من خلال العلاقات التبادلية بين الناس، والمتمثلة فيمن هم أعلى السفينة ومن هم بالأسفل، كما ظهر من خلال الحديث التفريق بين المصالح الضيقة والمصالح العامة وكيفية تغليب العام على الخاص درأ للفتن وحقنًا للدماء وحفظًا للحقوق وصيانة للأمة وحفظها من ورود المهالك.

وعلى خطابنا الدينى أن يستلهم من هذا الحديث كيف أن هناك عقدًا اجتماعيًّا قد وجِدَ بين مَن هم أعلى ومن هم أسفل لا يجوز لأى طرف خرقه، وإذا خرقه كان للطرف الثانى القيام بالنصح والتقويم إذا أصاب الجميع ضرر، وذلك صيانة للمصلحة العامة، كما أنه وضع آلية ومعيارا للتفريق بين الحقوق والواجبات ومدى التزام الجميع بهما.

كما نرى من خلال الخطاب الدينى وقراءته لنص الحديث أننا إذا أسقطنا مصطلح السفينة أو مجتمع السفينة على الوطن لعرفنا أنه وطن يتسع للجميع حتى للمختلفين فيه أو المخالفين، فهو وطن لا يحرص على إقصاء أحد طالما أنه لا يأتى على مصلحة الجميع بسوء، كما أن هذا الوطن - مجتمع السفينة - يقوم بتوزيع المسؤوليات والواجبات بين أبنائه بالتساوى لا فرق بين مَن هم أعلى ومن هم أسفل فالكل سواء أمام الوطن والقانون.

كما أن على الخطاب الدينى من خلال قراءته لنص الحديث أن يؤكد على نشر ثقافة مجتمع سفينة الوطن، ولا ينسى أن يسد الطريقَ أمام الخارقين فى سفينة الوطن وأن يشدّ على أيديهم لأنهم يحملون منطقًا غير منطق السفينة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة