هنا «القاهرة».. كلا بالتأكيد ليست القاهرة، لكن كانت هذه الجملة أول ما خطر على بالى وأنا أتوجه فى ذلك الصباح إلى مدينة «بازل» السويسرية، لزيارة محطة الإذاعة الثقافية السويسرية التابعة للراديو القومى السويسرى «SRF»، وهو المؤسسة القومية الإذاعية التى يتابعها %60 من السويسريين، حسبما يقول الكتيب الإرشادى الذى منحته لى الصحفية السويسرية بالراديو «كريستينا كاربيز»، التى اصطحبتنى إلى هناك، لأقضى معهم يوم عمل كاملا، بدأ منذ التاسعة صباحا.
كنت شغوفا بزيارة المؤسسات الإعلامية «الصحفية» و«الإذاعية» و«التلفزيونية» منذ جئت إلى سويسرا أول مايو الماضى، بمنحة إقامة أدبية، قدمتها لى مؤسسة «بروهيلفتسيا» السويسرية، وانصب اهتمامى بحكم كونى صحفيا على أن أطلع على تجربة عملهم الإعلامية، وكيفية معالجتهم للأحداث الإخبارية، وأجواء الانتخابات، والموضوعات اليومية التى يركزون اهتمامهم عليها، وتلك التى لا تحظى بأى اهتمامات، والحريات الإعلامية الممنوحة لهم، فى ظل تلقيهم دعما حكوميا من أموال دافعى ضرائب المواطنين السويسريين، وهو ما قد يستتبعه أحيانا تدخل فى عملهم، من جانب جهات حكومية، أو المسؤول عن وزارة الإعلام فى الحكومة الفيدرالية، حسبما كنت أظن، وسرعان ما أكتشفت أنها مجرد ظنون، حيث لا توجد وزارة واحدة مخصصة للإعلام، إنما يتولى أحد أعضاء المجلس الاتحادى الذى يحكم سويسرا مسؤولية الإعلام، ضمن مسؤولية ملفات أخرى، هى المرور والطاقة والبيئة.
.jpg)
التقيت «كريستينا كاربيز» فى الصباح الباكر، وركبنا معا القطار المتوجه إلى «بازل».
«كريستينا» تتلقى النشرات الإخبارية التى سيتم تقديمها فى الإذاعة من عدة مصادر، على رأسها الصحفيون، الذين يعملون فى الميادين الثقافية المختلفة، ويتولون تغطية الفعاليات الثقافية البارزة، مثل افتتاح عمل فنى جديد فى متحف ما، أو عمل موسيقى جديد فى إحدى القاعات.
حينما وصلنا مبنى المحطة الثقافية فى «بازل» قالت لى «كريستينا» إن هذه المحطة الثقافية، واحدة من ضمن سبع محطات كلها تعمل تحت مظلة الراديو الذى وصلت ميزانيته فى العام الماضى إلى 135 مليون فرنك سويسرى فى حين وصلت ميزانية التليفزيون 421 مليون فرنك.
دخلنا من باب المحطة الثقافية، التى يحوى مبناها ثلاثة طوابق، الأول منها مخصص لمكاتب الإداريين والصحفيين الميدانيين، وبعض الاستوديوهات التى ينطلق منها البث، ذهبنا مباشرة إلى مكتب «كريستينا» الذى كان واقعا ضمن صالة واسعة، تشبه صالات التحرير فى صحفنا بالقاهرة، عرفتنى على زملائها، رئيستها فى العمل، وتدعى «فرانشيسكا بيتيك»، وبعض من زملائها، وجلست إلى مكتبها، وفتحت بريدها الإلكترونى، الذى تتلقى عليه رسائل الصحفيين الميدانيين، وكذلك إعدادات «النشرة»، حيث يقوم أحد زملائها بمهنة المعد، فيرسل لها تصورا على صفحة «إكسيل»، ويرفق بها المواد التى حررها الصحفيون، وراجعها المعد، تقول «كريستينا»: «العلاقة بين المعد والصحفى متوقفة على المواد التى يحررها الصحفيون، بعض المواد قد يراها المعد غير متوافقة مع البرنامج، أو ربما تستحق فقط ثلاث دقائق من البث الإذاعى».
.jpg)
وتشير إلى أن هناك صحفيين يعملون مع «الراديو» بدوام كامل، يغطون الفعاليات الثقافية فى المتاحف، أو القاعات الموسيقية، أو الندوات الأدبية، ثم يعودون إلى مقر الراديو، ويحررون ما تم تغطيته.
الطابق الثانى يحوى مكاتب مختلفة، لصحفيين متخصصين، فى حقول ثقافية مختلفة، فهناك المكتب الأدبى، والمكتب الدينى، الذى يعمل فيه صحفيون يحررون موضوعات تناقش أمورا دينية متعلقة بالأقليات الدينية التى تعيش فى سويسرا، وبجوار هذين المكتبين هناك مكاتب أخرى للقسم العلمى، والقسم الفنى والسينما، والديكور والتصميم والطبى، وكل هذه الأقسام، تعد برامج يتم بثها فى المحطة الثقافية للراديو، حسبما تشير «كريستينا»، التى لفتت إلى أن هذه المحطة، تستهدف فئة النخبة من المستمعين الألمان، أسألها مرارا عما تقصده، لأننى لم أفهم ما تعنيه بالنخبة، فقالت إن هذا الراديو، هو الوحيد الذى يركز فى الموضوعات الثقافية المتخصصة، وهم يتحدثون فى برامجهم المذاعة على الهواء باللغة الألمانية الفصيحة، وليست الدارجة.
.jpg)
وتلفت إلى أن «زيورخ» تحوى خمسا أو ست محطات إذاعية قطاع خاص تنافس إذاعة «SRF» التى تحوى قنوات للشباب والأخبار والثقافة والمرأة.
أسألها عن الدعم الذى يتلقونه، ومدى تحكم وزير الإعلام أو الشخص المسؤول عن ملف الإعلام فى البرامج التى يقدمونها، فتجيبنى أن محطتهم تحصل على دعم حكومى من دافعى الضرائب، لكن لا يوجد وزير إعلام فى سويسرا، أو بمعنى أصح، لا يوجد شخص يتحكم فى عملهم، تضيف «كريستينا»: «حتى أننى لا أعرف اسم الشخص المسؤول عن الإعلام فى الحكومة».
.jpg)
بالحديث مع مديرتها «فرانشيسكا» التى أبدت سعادتها بوجود صحفى مصرى فى المحطة، كشفت لى أن الراديو والتليفزيون السويسرى، يتبعان مؤسسة «SRG»، وهى المؤسسة الأم، التى تعمل فى الإعلام المرئى «التليفزيون» والمسموع «الراديو»، وكذلك موقع إخبارى على الإنترنت، تقول «فرانشيسكا»: SRG هى المؤسسة الأم التى تملك راديو «SRF» وتتلقى دعما حكوميا، لكننا لا نخضع لسيطرة الحكومة، أو تدخلات منها، أحيانا ما يكون هناك جدل حول ميزانيتنا الضخمة فى البرلمان، لكن عضو المجلس الاتحادى، المسؤول عن الإعلام، يدافع عما نقدمه فى البرلمان، وهى سيدة بالمناسبة تسمى «دوريس لوتهارد»، وهى ضمن المجلس الاتحادى المنتخب، وهى ليست مسؤولة وحدها عن ملف الإعلام، بل تجمع أيضا إلى مهام عملها، البنية التحتية والمرور والطاقة والبيئة ولديها إدارات تعمل فى هذه المجالات.

.jpg)
.jpg)
.jpg)