فى الذكرى التاسعة لرحيل سمير قصير، لم ينس مثقفو لبنان صورة المثقف الشاب الذى رحل عن عمر الخامسة والأربعين وهو يملأ الوسط السياسى والثقافى فى لبنان بالحراك الثورى سواء بالأفكار التى كانت تقدح دوما فى اتجاه الثورة والتغيير أو بالعمل على أرض الواقع من خلال حركة اليسار الديمقراطى التى أسسها، وانتفاضة الاستقلال التى حط عليها آمالا كثيرة فى التغيير.
فى ذكرى رحيله نعاه الكاتب إلياس عطا لله فى مقال مشحون بالذكريات التى جمعت الشهيد المناضل بعطا لله، وقال فى مقاله بعنوان "تداعيات ودعوة... لمناسبة استشهاد سمير قصير" على موقع جريدة الحياة اللندنية لم ندخل الحداد بعد، لأن الغياب ما زال حضوراً، نحاول ولا نجد له مدخلاً، فننفى حالة الحزن، نرفض طقوس الحداد ولا نشفى. لا نعلن شيئاً ولا نتفجع، لنكتشف أن مباضع الألم تزداد عمقاً وحضوراً. لم نعلن الحداد. إذاً لا ذكرى أولى ولا ثالثة ولا تاسعة. الأمر ليس خياراً إنه حالة. إذاً لا ذكرى، فالألم المستدام لا يترك موقعاً للذكرى.
وسرد عطا لله فى مقاله بعض من الذكريات التى جمعته مع سمير قصير وقال "ذات يوم عام 1998 كنت أجلس وإياه وشخص ثالث، تحاورنا طويلاً، ناقشنا عدة مواضيع تقريباً على مدى ساعتين. فجأة قال لى ليس بيننا خلاف ولا اختلاف، المسألة مسألة موقع، أنت فى الشارع وأنا على الرصيف. لندع الأمر الآن كما هو. قلت جيد وافترقنا. افترقنا ليس لوقت طويل، حتى أوائل سنة ألفين. صدفة التقينا، قال لى أعتقد أننى جاهز لتغيير موقعى وبعدها لم نفترق.
الكاتب نبيل بو منصف قال فى مقالة على جريدة "النهار اللبنانية" بعنوان "سمير قصير وثورتان" فى ذكرى رحيل قصير التاسعة "سيرته ليست من نوع السير القابلة للمحو مع "الكاتب" الذى يعصى على الفناء، وليس جميع الكتاب كذلك بطبيعة الحال. بل إن المناسبة تفرض سنة فسنة، بعد تراكم السنين، حضورا مختلفا لصاحب الذكرى تبعا لرسم بيانى افتراضى يقاس بلحظة الغياب وما كان يمكن أن يكون عليه فكره وليس أى شىء آخر "لو" ظل حياً، إنها أشد تعاسات البشر فعلا أن يظلوا يطاردون شهداءهم كأنهم أحياء رفضا لفكرة الموت سواء كان موتاً طبيعياً أو اغتيالا بما يعنى أن كل موت هو فعل اغتيال.
وأضف بومنصف متحدثا عن شخصية قصير العصية على الخضوع وقال "الرجل كان من طينة معاندة حتى الشراسة وعلى شغف هائل بالنقد اللاذع الذى كان يبلغ فيه مرات حدوداً يصح أن توصف بالاستعلائية حتى على "الرفاق". لم يتردد عن تقدم صفوف الانتفاضة كما لم يرعوا عن المسارعة إلى افتتاح مواسم نقدها وهى فى غرة الضجيج بعد. تبعاً لذلك، هل من يسأل اليوم تلك "الثورة" بما ألمَّ بها بعد تسع سنوات من انجازات واخفاقات، وصعود وهبوط، وعقائديات وواقعيات، ماذا تراها فاعلة وإلى أين، وماذا عن اليوم التالى والذى يلى التالى؟
وأشار بو منصف إلى دور قصير فى انتفاضة لبنان فى 14 آذار وحلم سمير قصير فى ولادة انتفاضة عربية تنتشل الشعوب العربية من الفساد والجهل " انتفاضة ١٤ آذار فى لبنان والربيع العربى بمعايير سمير قصير كانا شيئا أشبه برومانسية غابرة قياسا بواقع إحياء الذكرى التاسعة لاغتياله. لا هو أخطأ فى نظرة فائضة إلى ثورة وربيع كان يراهما من منظار ديمقراطية الأحرار الآتية على صهوة التحرر من الوصاية والأنظمة الديكتاتورية، ولا تلك الثورة أو ذاك الربيع وفرا دماء وشهداء وشجعان. إنه بمعاييرنا نحن الأحياء الثمن القاتل المتراكم المتواصل لحرب لا نهاية وشيكة لها فى شرق يثبت كل يوم أن محنته القاتلة هى الجفاف الديمقراطى والتصحر العلمانى حتى لدى الثوار، ولو ظل لبنان متمايزا بعض الشىء عن سائر أنحاء الإقليم الغارق فى لجج وحمم وفوران دموى عميم. وحتى سمير قصير كان ليعترف بهذا القدر القاتل من الظلامية ولو لن ييأس.
ومن جانبه قال الروائى الكبير إلياس خورى على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعى فيسبوك "سمير قصير، تسعة أعوام ... وللحلم بقية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة