فى الطريق من فندق "إنتركونتننتال" بمدينة نصر، ومرورا بمسجد رابعة العدوية الذى شهد أحداث الإرهاب لمقابلة نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول "آنذاك" عبد الفتاح السيسى، كانت تجول فى خاطرى أسئلة وأفكار كثيرة، خاصة ونحن سنتقابل مع رجل غيَّر تاريخ مصر، لكن استقباله الرائع، والحفاوة التى أبداها تجاهنا، اختصر المسافات بيننا، وأتاح لنا التعرف على فكر الرجل وثقافته، ورؤيته لوطنه وللعالم، واكتشفت أننى أمام رجل دولة بحق ذى أفق واسع وشامل سياسيا وعسكريا وإستراتيجيا واقتصاديا، وأنه يمثل النموذج الذى تحتاج إليه مصر بحق فى تلك اللحظة الفارقة من تاريخها الطويل والعريق.
فى ذلك اللقاء الذى جمعنى به مع الزميلين العميد أحمد الجار الله رئيس تحرير "السياسة"، ويوسف خالد المرزوق رئيس تحرير "الأنباء"، ولأنه لم يكن بهدف إجراء حوار صحفى للنشر، وإنما بهدف التعارف وتبادل الأفكار حول أوضاع مصر الحالية والمستقبلية، فقد تصورنا وقتها أن هذا اللقاء لن يستمر أكثر من نصف ساعة، أو ساعة على أكثر تقدير، لكنه امتد أربع ساعات كاملة، كانت كافية بالطبع للتعرف على فكر هذا القائد الذى لم تكن مسألة ترشحه للرئاسة مطروحة وقتها، لكننا خرجنا بانطباع أن الشعب المصرى سيتمسك به وسيلزمه بالترشح وإكمال مسيرة إعادة البناء والاستقرار التى بدأها.
لم يكن انطباعنا حينذاك من فراغ، فقد رأينا فى الرجل الذى تحدث بعفوية مسئولا يتكلم مع إخوانه من دولة شقيقة، رأينا فيه نموذجا للقائد والزعيم الذى تحتاج إليه مصر بشدة فى هذه المرحلة التاريخية الدقيقة، فهو صاحب رؤية دقيقة، ونظرة شمولية، وإحاطة عميقة بكل قضايا ومشكلات مصر السياسية والاقتصادية، يعرف تماما مواطن قوتها، وكيف يمكن البناء عليها وتوسيعها، كما يعرف نقاط ضعفها، وكيف يمكن تجاوزها وتخطيها، وفضلا عن إحاطته الشمولية بقضايا وطنه، فإن لديه إحاطة لا تقل دقة وشمولية عن قضايا أمته العربية، والدور المناط بمصر فى ضمان استقرار المنطقة كلها، وحتمية التعاون بين مصر وشقيقاتها جميعا، ولمسنا بعد لقائنا المشير أن دول مجلس التعاون الخليجى، ترى أن أمنها واستقرارها من أمن "أرض الكنانة" واستقرارها.
فى ذلك اللقاء أيضا أدركنا أن الرجل الذى أنقذ مصر، فى لحظة تاريخية فارقة، قادر على أن يتصدى للمهمة الجسيمة التى ينتظرها شعبه، مهمة قيادة وطنه، وجمع شتاته، وتوحيده خلف قيادة يرتضيها ويساندها.. والتقينا بعد ذلك فعاليات سياسية وحزبية وشعبية مصرية، أيقنا تماما أن الشعب المصرى قد حسم خياراته مبكرا، وحدد طريقه الذى لن يحيد عنه، وأن ترشح المشير السيسى للرئاسة لم يعد اختيارا يمكن له أن يقبله أو يرفضه، بل تكليف عليه أن يلتزم به ويؤديه كما أراده شعبه.
من هنا فقد كان طبيعيا ومتوقعا، ما فعله الشعب المصرى الذى قال كلمته، وخرج فى مظاهرة ديمقراطية غير مسبوقة، ليؤكد 23 مليونا من مواطنيه فى صناديق الانتخابات، اختيارهم وتزكيتهم للمشير عبد الفتاح السيسى رئيسا لمصر.
هكذا يكتب هذا الشعب العظيم لنفسه تاريخا جديدا، يأمل - ونحن معه - أن يكون أزهى وأبهى، وأن يعيد مصر من خلاله رائدة قائدة، كما كانت، وكما ينبغى أن تكون دوما.
اختار المصريون - إذن - من رأوا فيه الكفاءة والقدرة على أن يضع مصر على الطريق الصحيح، ويوحد أبناء وطنه خلفه ليقودهم إلى تحقيق الإنجازات التى طالما حلموا بها، فى كل المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية، وهم بالتأكيد جديرون بتحقيقها، باعتبارهم أصحاب حضارة تمتد أكثر من سبعة آلاف سنة، ولا تزال تبهر الدنيا بأمجادها.
إننا إذا نؤكد ما سبق أن ألمحنا إليه مرارا، من أن حديثنا عن مصر ليس تدخلا فى شئونها الداخلية، وإنما هو حديث عن الكويت وسائر دول مجلس التعاون الخليجى، تماما كما أنه يتعلق بالدول العربية جميعا، لأن ما يهم مصر يهم الأمة كلها، فإننا نبارك للشعب المصرى الشقيق اختياره، ونؤكد له أنه أحسن الاختيار، ودشن الخطوة الأولى فى المسار الذى كنا نتمناه جميعا له، مسار الأمن والاستقرار والتنمية والاستثمار، مسار عودة مصر إلى مكانها الطبيعى، ومكانتها المستحقة، قائدة ورائدة لأمتها، وضامنة لاستقرار المنطقة كلها، وصاحبة دور فاعل ومهم فى مسيرة الإنسانية بأسرها.
أخيرا يبقى أن نؤكد أن دول مجلس التعاون التى تعتبر مصر عمقها الإستراتيجى، ستظل باقية على عهدها تجاه شقيقتها الكبرى مصر، ولن تتخلى يوما عن أرض الكنانة، وستواصل مساندتها ودعمها، ومن المؤكد - وفقا لما نعرفه ونلمسه جيدا - أن مصر ستشهد خلال المرحلة المقبلة ضخ استثمارات خليجية كبيرة إليها، وستنتعش السياحة أيضا، بتدفق ملايين الخليجيين إلى مصر الآمنة المستقرة، تفعل دول الخليج ذلك كله، إيمانا منها بأن مستقبلنا مشترك ومصيرنا واحد، كما كنا دائما، وكما ينبغى أن نبقى ما بقيت الحياة على وجه الأرض.