
عام كامل شهدت خلاله العلاقات الأمريكية المصرية توترا غير مسبوق منذ أوائل السبعينات، على خلفية الموقف الأمريكى من عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى، وعلى الرغم من أن إدارة أوباما اتخذت خطوات إيجابية لإنهاء واحتواء الأزمة بين البلدين، إلا أن إحدى لجان مجلس الشيوخ صوتت لصالح وثيقة جديدة والتى إذا ما تمت الموافقة عليها وأصبحت سارية، فقد ينتج عنها تصاعد الأزمة بين الولايات المتحدة ومصر.
الوثيقة التى وافقت عليها لجنة العمليات الخارجية بمجلس الشيوخ، تضم سبعة من الشروط والقيود التى سوف تضغط على مصر، وهى الإفراج عن الإخوان المحتجزين على ذمة قضايا، بالإضافة إلى إسقاط التهم عن الأمريكيين المدانين فى قضية تمويل منظمات المجتمع المدنى، ووضع قوانين جديدة تحمى حرية التعبير وتكوين الجمعيات، وتعديل قانون التظاهر، وفتح التحقيق فى جميع مزاعم الاستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن المصرى عقب عزل مرسى، وتضم القائمة أيضا إلزام الحكومة المصرية باتخاذ خطوات لحماية حقوق المرأة والأقليات الدينية، والسماح لمسئولين أمريكيين وصحفيين مستقلين ومنظمات حقوق الإنسان بالوصول إلى شبه جزيرة سيناء، للرقابة على العمليات العسكرية التى ينفذها الجيش المصرى ضد التنظيمات الإرهابية.
لكن ماذا إذا لم تلتزم مصر بتلك الشروط السبعة؟ وفقا للوثيقة فإن عدم تنفيذ الحكومة المصرية لتلك البنود سينتج عنه وقف تقديم المساعدات الأمريكية للحكومة المصرية سواء الدعم العسكرى أو الاقتصادى.
خروج الوثيقة بشروطها السبعة إلى حيز التنفيذ يتطلب مرورها بعملية تشريعية معقدة، قد تستغرق بضعة أشهر، لكن طرحها فى هذا التوقيت أثار غضب المسئولين المصريين المشرفين على ملف العلاقات المصرية الأمريكية، حسبما أكد مسئول مصرى يلعب دورا هاما فى الحوار بين القاهرة وواشنطن، وقال فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" إنه حذر من عواقب تلك الوثيقة، وأضاف قائلا: "العلاقة بين البلدين لا تتجسد فى المساعدات فحسب ولكن لها جوانب وأبعاد متعددة مفيدة للطرفين على حد سواء وليست مفيدة لطرف على حساب الآخر"، مشيرا إلى حجم المصالح الأمريكية فى مصر والامتيازات التى تحصل عليها واشنطن، بما فى ذلك المعاملة التفضيلية للسفن الأمريكية عند عبورها لقناة السويس والتعاون الوثيق بين البلدين فى الحرب ضد الإرهاب.
وقال المسئول المصرى، الذى يتولى منصبا رفيعا فى البعثة الدبلوماسية المصرية بواشنطن، إنه أوضح للجانب الأمريكى أن الوثيقة تمثل تدخلا فى شئون مصر الداخلية، وهو أمر "غير مقبول وسينعكس على التعاون بين البلدين ويخلق انطباعا سلبيا للغاية لدى الرأى العام المصرى". وأضاف: "على الولايات المتحدة أن تدرك أن العلاقات المصرية الأمريكية أكبر من المعونة، وأن مصر دولة رئيسية مهمة فى الشرق الأوسط ومصدر أساسى لدعم الاستقرار والحفاظ على السلم والأمن الإقليميين فى المنطقة"، مؤكدًا على أن البلدين بينهما مصالح مشتركة هامة للطرفين بقدر متساوى.
ووصف المسئول المصرى وثيقة الشروط السبعة بأنها "الرسالة الخطأ، فى التوقيت الخطأ وأنها لا تأخذ فى الاعتبار ما يحدث فى منطقة الشرق الأوسط"، معتبرا أن طرح بعض أعضاء مجلس الشيوخ لتلك الشروط وموافقة آخرين عليها تكشف عدم دراية هؤلاء بحقيقة الوضع فى مصر أو ربما يكون مصدرهم الوحيد هو التقارير الصحفية وليس المعلومات التى تعكس حقيقة ما يدور على الأرض".
وقال المسئول المصرى، إذا كان هناك من يعتقد أن مصر ستكون عاجزة عن حماية أمنها وتنفيذ التزاماتها تجاه مواطنيها، فهو بالتأكيد خاطئ. مشيرا إلى أن الحكومة المصرية استطاعت مواجهة الإرهاب وحفظ استقرار وأمن البلاد على مدار العام الماضى ،وأضاف: "سياسة مصر الخارجية الحالية تحكمها مبادئ مستقرة ورؤية واضحة ترتكز على التعاون مع الجميع على أساس المصالح المتبادلة، لكن دون السماح لأى دولة مهما كانت بالتدخل فى شئوننا الداخلية".
الوثيقة لا تكتفى بفرض القيود ولكنها أيضا تخصم جزءا كبيرا من المعونة يصل إلى ٤٠٠ مليون دولار تقريبا. حيث سيتم خصم 300 مليون دولار من الدعم العسكرى الذى يصل إلى 1.3 مليار دولار، وأيضا 100 مليون دولار من الدعم الاقتصادى السنوى الذى يبلغ 250 مليون دولار.
ولم تحصل مصر على أى مساعدات أو دعم من الولايات المتحدة، منذ عزل محمد مرسى عقب ثورة ٣٠ يونيو الشعبية. واكتفت إدارة أوباما بتقديم الوعود التى لم تنفذ منها شيئا. فقد أعلن الرئيس الأمريكى عن تسليم مصر طائرات الأباتشى العشرة التى يحتاجها الجيش المصرى لتنفيذ العمليات العسكرية ضد الجماعات الإرهابية فى سيناء، لكن لم تتسلمها مصر منذ صدور القرار فى أبريل الماضى. بالإضافة إلى تعليق تسليم طائرات F16 وآليات عسكرية أخرى، وإلغاء مناورات النجم الساطع المشتركة بين الجيشين المصرى والأمريكى.